إعداد مبارك أجروض
أدى انتشار فيروس كورنا حول العالم إلى تعزيز مخاوف البعض من أن يتحول الأمر إلى كارثة، مما دفعهم إلى شراء وتخزين السلع المختلفة بصورة مبالغ فيها، لكن هناك من يحذر من ردود الفعل غير المحسوبة التي قد تسهم في تحول الأمر إلى “فوضى” في بعض المجتمعات. لكن هل يستحق الأمر حقا كل هذا القلق ؟ وما هي أبرز المخاوف التي يعبر عنها هؤلاء ؟
إن تداعيات فيروس كورونا هي الأخطر حاليا لأنها ستمتد إلى جميع مناحي الحياة، وخاصة الاقتصاد. وهناك بوادر أزمة اقتصادية عالمية بسبب تباطؤ الإنتاج في عدة دول وتعطل بعض مناحي الحياة، وينشط الباحثون الاقتصاديون الأمريكيون في الدعوة إلى الاستعداد لما هو أسوأ من المخاطر الاقتصادية المتوقعة في حال استمرار فيروس كورونا في الانتشار.
إن عالمنا اليوم يواجه تحديًا صعبًا، تحت وطأة هجمة ڤيروس كورونا الجديد الذي أصبح يهدد بيئتنا بخطر الوباء، وفي هذه الأحوال ينشط خوفنا بشكل مرعب (نخاف من الإصابة، ونخاف من ضعف القدرة العالمية على احتواء الوباء، ونخاف على الأحباء، ونخاف ألا نجد الرعاية اللازمة إذا أصابنا الفيروس، ونخاف أن ننعزل في بيوتنا فلا نجد المؤن اللازمة لحياتنا.. الخ) فالخوف أصبح وكأنه المظلة التي تظلل حياتنا، وتوشك أن تبتلعنا في ثقب أسود قد يكون أخطر من كورونا نفسه.. فكيف يمكننا التعامل مع خوفنا المتفاقم بفعالية ؟
* أريد التخلص من الخوف.. هل هذا ممكن ؟
لا يمكنك التخلص من الخوف إنه مثل الطبيعة الأم، لا يمكن هزيمتها، ولكن يمكنك مصاحبتها واحتمالها، وحينها سوف تستطيع العثور على معدنك “قالها الديناصور اليافع لآرلو في الفيلم الرائع: “الديناصور الطيب”.
الخوف هو أخو القلق، إلا أن الفارق هو كون الخوف موجهًا لشيء بعينه، بينما القلق هو خوف من شيء مبهم غير معرَّف، فأنا أخاف من الكلب أن يعضني، وأقلق من المقابلة لا أعلم ما سيجري فيها.
* الخوف كشعور وظيفي
الخوف هو أحد المشاعر الأولية الستة التي يولد بها الإنسان، وهي الحب والبهجة والخوف والاشمئزاز والحزن والغضب، ستة مشاعر تتولد من تراكبها وتداخلاتها طاقة الإنسان النفسية، والمشاعر الأولية مرتبطة بغريزة البقاء؛ فالخوف ينبه للمخاطر المحيطة ويدفع لاتخاذ التدابير الكفيلة لجلب الأمان.
وكما هو الحال مع المشاعر جميعها، فهي تمثل طيف الحياة، وطيف بغير أحد ألوانه طيف ناقص، وذلك حين تكون تلك المشاعر في قدرها الوظيفي، إلا أنها عند تخطيها لمرحلة ما تهدد الإنسان بالغمر داخلها، وتخرج عن وظيفتها إلى تعطيل وظيفية الفرد ككل.
* الخوف كشعور مُعَطِّل
لكن ماذا إن كانت حدة الخوف فوق القدرة على المعالَجة، حينها يمكن للخوف أن يشل الأدمغة حتى عن مهارات البقاء، ويدفع الخوف المفرط للإجراءات الاستثنائية حيث السيطرة والتحكم والتقييد، والبقاء في حالة مزمنة من الخوف يعني غمر الجسد بمستويات عالية من الكورتيزول وهورمونات التحفيز للمواجهة (الأدرينالين والنورأدرينالين) ما يعني تشوش تكوين الذاكرة القريبة، وانخفاض المناعة، وضعف تكوين هورمونات، ونواقل تحسين المزاج ما يعني مزاجًا منخفضًا بشكل غالب، وغيرها من الآثار السلبية.
* كيف إذًا نتعامل مع الخوف المُعَطِّل ؟
الإنسان بحاجة للبقاء داخل نافذة التحمل؛ أن تكون المشاعر وبخاصة الأولية منها بالقدر الذي يساعد وظيفة الإنسان ولا يُعطِّلها، القدر الذي يبقيه حيا بلا فتور ولا هلع،
هذه مهارات يحتمل أن تساعد الإنسان على تجاوز هذه المرحلة من الخوف:
ـ فحص الحقائق
ركز على أن تعرف ما الذي يجري بدقة من دون هلع ؟ ما الحقائق بدون تفسير ولا افتراض ولا أي معالجة منك ولا من غيرك لها، ما هي الحقائق المجردة ؟ من قام بماذا وأين ومتى وكيف ؟ الحقائق المجردة تعني اتفاق عشرة من الحضور في غرفة عليها من دون أن يختلف منهم أحد.
ـ فعل ما يجدي
ما التصرف الحكيم مع هذه الحقائق، ما التصرف الحكيم هنا والآن والحكيم في تبعاته أيضًا؛ فحبس النفس داخل قفص سيحميها مما يهددها اليوم، لكنه على المدى البعيد يعني الموت البطيء، وقد يكون ما يجدي مع الخوف هو الخروج من زاوية الراحة، والخروج للخوض في الحياة بصحبة الخوف؛ بلا رفض له أو تشبث به.
ـ قبول الخوف كحقيقة
هل لا يزال خوفك حاضرًا ؟ ماذا عن معاملة الخوف كأحد الحقائق التي لا تدفعك لطلب تغييرها، كمزهرية على طاولة مكتبك، يمكنك ملاحظتها دون أن يشغل بالك تحريكها عن موضعها، كقطة تتهادى حولك دون أن تدافعها لتطردها خارج الغرفة فتستفز عداوتها وهجومها عليك، وتذكر أن قبول الخوف كحقيقة يعني الإقرار بحقيقة شعور الخوف، ولا يتطرق إلى الإقرار بواقعية محركاته من عدمها.
ـ رعاية الذات
اعتنِ بنفسك، فنحن تحت وطأة الخوف نميل إلى إهمال أنفسنا، وتسخير طاقتنا للنجاة، وتوخي السلامة.. راجع أنشطتك الروتينية الصحية، واهتمامك بصحة جسدك ونوعية طعامك، ونشاطك اليومي.
ـ الاتصال بالمصادر
المصادر هي الأنشطة والأماكن والأشخاص والأشياء التي بتواصلنا معها نميل إلى الاستقرار. قد يكون مصدرك عبادة ما كالدعاء واللجوء إلى الله، وقد يكون طبيعيًا كالخروج للتنزه في البيئة، وقد يكون شخصًا بعينه أو نشاطًا بعينه، أو كل ذلك معًا.
ـ التواصل
يدفعنا الخوف للانكماش، والاختباء والانفصال عما حولنا كمصدر تهديد؛ ولذا علينا التواصل مع الأحبة، التواصل هو علامة الحياة، والانفصال علامة موات.
ـ جرب هذا النشاط
ـ لا بأس أن تخاف وأن تحيا وأنت خائف..
ـ سأصحبك في رحلة إلى بحيرة السكينة الساكنة، أغمض عينك إن كان هذا سيساعدك على التخيل، أنت الآن تقف فوق ـ مركزها، متلامس معها بقدميك بثبات وأمان.
ـ الآن تواصل مع مركز الخوف الحالي في جسدك، حيث تكون نبضته أعلى ما يكون.
ـ اسمح للخوف أن يتحرر في شكل موجات، واسمح لها بالمرور في جسمك.. بلا رفض أو تشبث.
ـ لاحظ الموجات وهي تعبر جسمك شيئًا فشيئًا وتتصل بالبحيرة من تحتك.
ـ لاحظ الموجات وهي تبتعد داخل البحيرة وتعود البحيرة لحالة السكون.
ـ استمر في هذا الأمر حتى تشعر بالتحرر.
ـ تذكر أنني صحبتك الآن إلى هنا، لكن هذا المكان داخلك يمكنك العودة إليه كلما شعرت بالخوف.
ـ ابق آمنًا، هادئًا، وافعل ما يجدي، وكما يقول أحد أصدقائي: “الشجاعة ليست ضد الخوف؛ الشجاعة هي التحرك في وجوده”.
التعليقات مغلقة.