ذ. هلال تاركو الحليمي : محامي باسبانيا
حقيقة كل واحد هو مسؤول عن أفعاله ولكن عندما تكون هذه الأفعال تؤدي المجتمع مواجهتها تنزل حتما على عاتق أصحاب الضمير الحي و التزام الصمت يتحول إلى اهانة للضمير نفسه وتزكية للفعل المضر.
مرة أخرى اتفاجىء برسالة تحمل لوكو و اسم “الفدرالية الإسلامية بكطالونيا و فرع فيري بكطالونيا )federación islamica de Catalunya- delegación de FEERI a catalunya) موجهة إلى رئيس الحكومة المحلية لطراكونة و التي تحمل في طياتها خطابا الذي اخدت منه هذا المقتطف:
“في البداية لم نريد التدخل لاننا دائما ندعم المبادرات النبيلة وخاصة في هذه الأونة بالذات. هكذا تابعنا هذه المبادرة رغم انه من البداية كنا على علم أن الطريقة والنهج المتخدتان كانتا على خطأ لان، سيدي الكالدي(alcalde) الحوار كان عليه أن يفتح مع الجمعيات الإسلامية لطراكونة المنتمية للمفوضية الإسلامية باسبانيا والتي ثمثل المسلمين في المدينة وليس مع الجمعيات الأخرى البعيدة قانونيا عن هذه التمثيلية”
كما ترون الرسالة تبدأ بكلمات معتدلة و موضوعية كتمهيد قبل أن تدخل بكل قواها و بدون مبرر و لا استحياء للهجوم على رئيس الحكومة المحلية لطراكونا وكأنه عامل في إحدى شركاتها.
كما تلاحظون الفدرالية و حاشيتها وبدون استحياء تقوم بتقييم طريقة التعامل والتواصل التي قام بها السيد رئيس الحكومة المحلية لطراكونة مع الغير و يتجرؤون بوصفها بالخاطىىءة.
ثم ينتقلون إلى تنبيه السيد الرئيس بأنه كان عليه فتح الحوار فقط معهم وليس مع اية جمعية أخرى غيرهم.
سبحان الله.
قال بنجلون في كتابه ” شرح الاسلام لابتي” المصيبة ليست في الأميين بل المصيبة نجدها مع نصف متعلمين الذين كسبوا قليلا من المعرفة وضنوا أنفسهم انهم علماء”
واستحضار كذلك ما قاله الفيلسوف ابن سينا : ” بلينا بقوم يضنون ان الله لم يهد سواهم”
لندخل في الموضوع و نبذا بهذا السؤال: ما هي الجمعيات او الفدراليات و صلاحيتها وحدود اختصاصها؟
حق تأسيس الجمعيات و الفدراليات هو حق أساسي ينص عليه الدستور الاسباني في المادة 22 ويحضى بضمانات قانونية خاصة المنصوص عليها في عدة مواد من الدستور الاسباني وعلى سبيل المثال المادة 53.
سنة 2002 و بالضبط يوم 22 مارس صدر القانون المنظم لتفعيل الحق المشار اليه وحدد فيه نوع الجمعيات المطبق عليها والتي لا تخضع له الا استثنائيا كما هو الشأن بالنسبة للجمعيات الدينية التي تخضع الاتفاقيات الدولية و القوانين الخاضة بها (قانون 1980 الصادر يوم 7يوليوز و القانون التعديلي الخاص بتسجيل الجمعيات الدينية الصادر يوم يوم 9 يناير 1981 والذي تم تعديله بالقانون الصادر يوم 3 يوليوز 2015) وبالتالي حدد مفهوم الحق و الذي يشمل حرية تاسيس الجمعية و حرية الانخراط دون طلب مسبق و الديمقراطية في التسيير و التنظيم.
وفي المادة الثانية ينص القانون على ما يالي:
“صفة عضو جمعية ما، ليس و في شتى الاحوال امتيازا او تمييزا أو عنصرية أمام الإدارات العمومية” .
بمعنى آخر، كونك رئيسة او رئيس لجمعية او فيدرالية ما لا تخول لك اي امتياز و لا اسبقية. أوضحها بالدارجة: (الزبونية و المحسوبة ممنوعة و بصفتك عضو جمعية او رئيس ديالها راك بحالك بحال عباد الله. اوا فيق).
القانون المنظم للحرية الدينية الصادر يوم 7 يوليوز سنة 1980 و بالضبط في مادته الأولى يقول ما يالي:
” لا يمكن منع أي أحد من ممارسة أي عمل أو نشاط او ممارسة صلاحياته التمثيلية او وضاءفه العمومية بحجج دينية” . أوضحها بالدراجة (مايمكنش لاي واحد يمنع شي واحد بسبب الدين).
وفي مادتها الثانية تنص على مضمون حق ممارسة الحرية الدينية و في مادتها الثامنة نجد اشارة لخلق لجنة استشارية في مجال الحرية الدينية و التي تم تعديلها بمقتضى قانون صدر يوم 19 يونيو 1981 و القرار الوزاري الصادر يوم 31 أكتوبر 1983 و الذي تم تعديله بالقانون الصادر يوم 26 أكتوبر 2001 وإلغاء هدا الأخير بالقانون الصادر يوم 26 نوفمبر 2013 و هو الذي يحدد بالتدقيق مهام و صلاحيات اللجنة او المفوضية الاستشارية للشؤون الدينية ( المادة 2 و 3).
فيما يخص القانون 26/1992 الصادر يوم 10 نوفمبر الذي هو بمثابة اتفاقية التعاون بين الحكومة الإسبانية و اللجنة الإسلامية و يأتي فقط لتعديل العلاقات بين الدولة الإسبانية و اللجنة المعنية (artículo unico) و بالتالى تحديد الحقوق و الواجبات بين الطرفين طبقا للمادة الأولى و إعطاء لللجنة بعض الصلاحيات كما هو الشأن بالنسبة لتسليم الشواهد لتزكية رجال الدين وشواهد لتزكية فتح المساجد مثلا و حتى إبرام عقد الزواج الإسلامي الذي سيدخل حيز التطبيق ابتداء من 30 يونيو 2020.
تذكير: رخصة فتح المساجد هي من صلاحيات المجلس البلدي و تخضع لقانون خاص صدر عن البرلمان الكطلاني سنة 2010.
بعد هذا المرور المفصل للقوانين يمكن ان نقول بان الجمعيات هي تلك المجموعة من الأفراد شخصية او قانونية عددهم يفوق الثلاثة قرروا ولأهداف معينة و غير مخالفة للقانون تأسيس جمعية او فيدرالية. و صلاحياتها ما هي الا تلك المنصوص عليها في قانونها الاساسي و الداخلي وأفراد مكتبها المسير لهم كل المسؤولية أمام الغير في حالة إصابتهم بضرر ما والثمثيلية تنحصر فقط على المنخرطين فيها.
وبناءا على هذا كله اذكر مرة ثانية ما ينص عليه القانون :
اولا: “صفة عضو جمعية ما، ليس و في شتى الاحوال امتيازا او تمييزا أو عنصرية أمام الإدارات العمومية” .
وثانيا ” لا يمكن منع أي أحد من ممارسة أي عمل أو نشاط او ممارسة صلاحياته التمثيلية او وضاءفه العمومية بحجج دينية” . أوضحها بالدراجة (مايمكنش لاي واحد يمنع شي واحد بسبب الدين).
فطبقا للقانون هل ما جاء في الرسالة المعنية والمرفقة لهذا المقال تصرف مقبول قانونيا ام مخل به؟
فيما يخص التصرف، اصفه بالسيء و اللامسؤول و الغبي . فهو مرفوض قطعا وغير مقبول قانونيا لانه يؤدي حق المعايشة و السلام الاجتماعي ويسيىء لصورة المسلمين و بالأخص نحن المغاربة و يؤدي الحريات الخاصة ويمس صلاحيات مسؤول تم انتخابه ديموقراطيا لتسيير الشأن العام الذي هو ملك لكل سكان مدينة طراكونا.
وعلى هذا الاساس اطرح هذه التساؤلات:
فبأي وجه وعلى أي أساس سمحت لموقع الرسالة و محيطه نفسهم وحتى ضميرهم إذا كان لهم فعلا ضمير عثاب رئيس الحكومة المحلية لطراكونة الذي انتخب ديموقراطيا من طرف سكان مدينته؟.
و من هي صفتهم حتى يتسنى لهم التدخل في شؤون الحكومة المحلية وفي طريق تسيير شؤونها و حتى تقييم صلاحيات رئيسها؟.
من أنتم وما محلكم في الاعراب حتى يسمح لكم ضميركم بتقييم تواصل رئيس الحكومة المحلية مع جمعيات مدنية أخرى ووصفه بالخاطيء؟
أليس من الغباء هذا التصرف الفضيع الذي يخل بأخلاقيات التواصل مع الإدارات العمومية و مع المسؤولين و أصحاب القرار؟.
اتناسوا بان لا حول و لا قوة لهم الا ما خول لهم القانون الذي لا يميز بين أحد ويسمو فوق الجميع؟.
وباي حق يعاثبون رئيس الحكومة المحلية عن تواصله بجمعيات غيرهم؟.
أليست من الوقاحة و سوء السلوك و التسيير و التدبير؟ .
أليس هذا جهل بعينيه و انعدام التبصر والعجرفة و ربما حتى الطغيان؟
للتذكير فقط تمثيلية المسلمين التي تغنون بها فهي تخص فقط المنخرطين في جمعيتكم او فدرلايتكم و هم عدد محدود والباقي فهم يتبرءون منكم.
سؤال آخر و اضن انه مهم جدا: طبقا لرسالتكم، يتضح انه أنتم و فقط أنتم من لكم الحق في الحوار مع رئيس الحكومة المحلية لطراكونة بكونكم جمعية إسلامية. أهل هذا يعني أن الجمعيات الاخرى التي تواصلت مع الرئيس المذكور خارجة عن دين الإسلام او هي غير مسلمة؟
الإقصاء والتدخل في شؤون الغير ليست من سمة ديننا الاسلام. ديننا يدعوا الى الشورى و التعاون وحسن التدبير والنوايا الحسنة.
فربما بهذا التصرف اعلنتم على مدى ضعف تاهلكم لتسيير الشأن الديني لان ما تقوم به الجمعيات المدنية والدينية بطراكونة هو عمل نبيل يخدم صالح المسلمين بعيد كل البعد عن النفاق و المصلحية ويتميز بالتضحية ونكران الذات.
فإن لن تستطيعوا فباركوا خيرا.
و كما قالوا ” أن لم تستحيي فافعل ما شئت” لكن لا تنسى أننا في بلاد الحق و القانون و ان القانون يراقبك و يراقب الجميع .
دين الاسلام دين الجميع
راجعوا انفسكم رحمكم الله.
التعليقات مغلقة.