أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

امتحان تعـايـش المجتمع المغربي مع كورونا.. أنا متشائم

بقلم : الأسـتـاذ مـروان اغـربـاوي ـ مــحــام.

 

أصبحت مسألة التعايش مع كورونا واقعا حتميا بالنسبة للبشرية جمعاء لمدة قد تطول و قد تقصر، و ذلك في غياب لقاح فعال و أخذا بعين الاعتبار أن عملية إنتاج لقاح جديد تنطوي على خطوات متسلسلة عديدة يقتضي إنجاز كل واحدة منها فترة زمنية معينة، و هو ما يعني أن المسألة تتطلب شهورا بل سنوات من الأبحاث و التجارب، دون وجود أية ضمانة على أن هذه الخطوات ستنتج حتما لقاحا يقضي على الفيروس، بدليل أن هناك فيروسات موجودة ولم يستطع العِلم القضاء عليها منذ عشرات السنين، وهو ما أكدته منظمة الصحة العالمية على لسان المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ بالمنظمة “مايك رايان” خلال مؤتمر صحفي بتاريخ 13/05/2020 لما قال أن “فيروس كورونا قد لا يختفي أبدا” و قد يدخل بالتالي ضمن قائمة الفيروسات التي تتعايش معها البشرية منذ زمن طويل.

 

و لعل أبرز علامات هذا التعايش هو إقبال جل الدول على تخفيف إجراءات الحجر الصحي ورفع القيود تدريجيا على مجموعة من الأنشطة الاقتصادية رغم استمرار الإصابات يوميا، وهذا أمر عادي.

 

هذا المعطى، يضع المجتمعات في مختلف الدول أمام امتحان التعايش مع الوضع الجديد الذي يفرضه تفشي فيروس كورونا، و بطبيعة الحال، فإن المجتمع المغربي لا يخرج عن هذه القاعدة بحيث يمكن القول أنه حاليا في مرحلة الاستعدادات النهائية لدخول غمار هذا الامتحان على اعتبار أن  مسألة رفع الحجر الصحي العام بشكل تدريجي هي مسألة وقت ليس إلا، لأن الدولة لا يمكن أن تتحمل لوقت طويل الآثار الاقتصادية و الاجتماعية السلبية والوخيمة المترتبة على وقف عجلة الاقتصاد عن الدوران.

 

هذا الامتحان ـ و على خلاف باقي الامتحانات العادية ـ  يدور حول موضوع وحيد و معروف من الآن أَلاَ وهُوَ التعــود على احترام وتطبيق الإجراءات الحاجزية les mesures barrières والتباعد الاجتماعي la distanciation sociale  وذلك بشكل صارم في كل مناحي الحياة اليومية للوقاية من انتقال عدوى الفيروس وتفشيه داخل المجتمع.

 

لكن و حتى قبل البدء في هذا الامتحان، أبانت مرحلة الحجر الصحي العام التي انطلقت منذ 20 مارس 2020 بالمغرب، على مجموعة من الإشارات السلبية التي تجعلني أقول أنني متشائم بخصوص نسبة وفُرَص نجاح المجتمع المغربي في هذا الامتحان.

 

بدأت أول هذه الإشارات السلبية من خلال عملية الحصول على ما سُمي حينئذٍ بِ “فـيـزا المقدم“، أي الرخصة التي تسمح للمواطن بمغادرة بـيـتـه استثناءً من أجل إحدى الغايات التي نص عليها المرسوم بقانون الذي تم الإعلان بموجبه على حالة الطوارئ الصحية، حيث لاحظنا التجمهر الكبير أمام المقاطعات و كذلك التجمعات الكبيرة للمواطنين حول أعوان السلطة بالأحياء الشعبية من أجل الحصول على “الفيزا”، دون احترام لوسائل وسلوكيات الوقاية من تفشي الفيروس.

 

بعد ذلك، صُدِم الرأي العام بخروج مجموعات كبيرة من المواطنين بالأحياء الشعبية من أجل “التضرع إلى الله” ( و كأن الله موجود فقط في الشوارع) بمدن طنجة وفاس وسلا، استجابة لنداءات عبر وسائل التواصل الاجتماعي لبعض تجار الدين و ما يسمى بالرقاة الشرعيين اللذين يستغلون عامل الجهل و الأمية المتفشي داخل شريحة كبيرة من المجتمع.

 

في نفس السياق، لاحظنا ظاهـرة التجمهر الكبير لبعض الصحفيين الباحثين عن “البوز” و الطامعين في  “اللايكات” التي تحصل عليها “اللايفات” الخاصة بهم داخل شبكات التواصل الاجتماعي، و كذا بعض الفضوليين أمام المستشفيات لاستقبال حالة أو بعض حالات شفاء مصابين من كوفيد 19، بل إن ظاهرة التجمهر طالت أيضا أبواب بعض المصحات الخاصة لا سيما بالدار البيضاء و ذلك بحثا من أصحابها على الإشهار الرخيص لمصحاتهم الخاصة، علما أن المفروض في هؤلاء هو توعية الناس على عدم التجمهر و عدم الاختلاط لأنهم أدرى من غيرهم بخطورة الوباء و وسائل الوقاية منه.

 

كذلك، اعتدنا طيلة فترة الحجر الصحي العام على مشاهدة تقارير صحفية ضمن نشرات الأخبار المسائية في الإعلام العمومي أو من خلال فيديوهات وصور منشورة على وسائل التواصل الاجتماعي، تُوثِقُ مظاهـر الاكتظاظ و الاختلاط في الأسواق الشعبية و لا سيما خلال شهر رمضان حيث يظهر أغلب البائعين و المواطنين يتجولون إما دون كمامات أصلا أو بكمامات موضوعة تحت الذقن أو بكمامات متسخة منتهية الصلاحية وبالتالي لا تُفيد مُستعملها، زد على ذلك تَسَمُر الشباب في أزقة الأحياء الشعبية بالمدن دون احترام لوسائل و سلوكيات الوقاية من انتقال عدوى الفيروس، و قد وصل الاستهتار و الجهل عند البعض منهم إلى تنظيم مباريات لكرة القدم وسط اختلاط و تكـدس المتفرجين من أبناء الحي، بل إن بعض من الشباب المتهور والجاهل بأحد الأحياء الشعبية بالدار البيضاء وصل به الحد إلى الاستحمام فوق سكة الطرامواي خارقين بذلك قانون الطوارئ الصحية و ضاربين بعرض الحائط خطورة الظرفية الصحية عليهم و على أقربائهـم.

 

بل الأكثر من ذلك، و في مظهر آخر من مظاهـر تفشي الجهل و الأمية، عملت إحدى النساء في أحد الأحياء الشعبية بمدينة مراكش على توفـيـر حمام تقليدي بمنزلها بشكل سري من أجل استغلاله من طرفها بمعية جاراتها تكريسا منهم لعادات و تقاليد الاستحمام الجماعي، مما تسبب بتفشي فيروس كورونا بينهن و ظهور بؤرة بالحي الشعبي بأكمله.

 

من ناحية أخرى، ظهـر جـلـيـا أن جائحة كورونا لم تستطع تحريـر عـقـول جُــل أفراد المجتمع المغربي من بعض الالتزامات الاجتماعية التي تجد أساسها في التقاليد والعادات المتوارثة و الجهل بالدين والأمية، عل غرار الصراخ و التدافع و الاختلاط في إحدى الجنائز داخل زُقاق أحد الأحياء الشعبية في الدار البيضاء في عــز تفشي جائحة كورونا، و تنظيم “صلاة” جنازة دون احترام شروط النظافة و طهارة مكان الصلاة، و على غـرار ما حدث في أحد الأحياء الشعـبية ببني ملال و مراكش حيث شاهدنا فيديوهات توثـق العناق و تقديم التهاني بين جيران و عائلات لأشخاص تم شفاؤهم من كوفيد 19 أو آخرين جاءت نتائج اختبارهم سلبية من الإصابة بالفيروس، كل هذا دون نسيان أنه يوميا يتم تقديم التهاني و التعازي بشكل شبه عادي في الأحياء الشعبية داخل المدن بسبب الجهل و الـظـن الخاطئ بأن الالتزامات الاجتماعية مفروضة و واجبة التقديم بالطرق التقليدية، بِغض النظر عن الظروف الصحية الطارئة التي يفرضها تفشي الوباء.

 

إذن في ظل هذه المظاهـر التي تبُين بالملموس تجليات الجهل و انعدام الوعي لدى فئات عريضة داخل المجتمع المغربي بشكل عام، نتيجةَ لعدم استثمار الدولة في تنمية البشر قبل كل شيئ من خلال التعليم و التربية و التوعية، و نتيجة لانتشار التفاهة داخل أغلب برامج الإعلام العمومي وبعض الإعلام الخصوصي ووسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى عدم تحرر العقول من عادات و تقاليد بالية، أقـول إنه سيكون من الصعب جدا على المجتمع المغربي بعاداته و تقاليده و قلة وعيه الجماعي أن ينحج في امتحان التعايش مع الوضع الجديد الذي فرضته كورونا.

أنا متشائم.. أتمنى أن أكون مُخطئا في تقديري أو على الأقـل مُـبـَاِلـغـًا شـيـئا ما.

التعليقات مغلقة.