جريدة أصوات : عبد السلام نويكًة
في زمن حجر صحي وتدابير احتراز من فيروس كوفيد 19 وعبر تقنية زوم ميتينغ، تم مؤخراً عن بعد وفي اطار اغناء الموارد الرقمية وتنويعها تأثيث ندوة علمية شكلتإلتفاتة معبرة لفائدة ذاكرة المغاربة الوطنية في اطار عمل مشترك بين جامعة سيدي محمد بن عيد الله بفاس والمندوبية السامية لقدماء المقاومين واعضاء جيش التحرير.بادرة غير مسبوقة على أساس ظرفيتهاوقد تناولت الذاكرة الوطنيةفي بعدها الرمزي ومن حيث سبل صيانتها، كذا ما حصل في هذا المجال من اسهامات وتراكماتعلى امتداد عقود من الزمن.فضلاً عما هو عليه حقل الذاكرةعلى مستوى توسيع وعاءهوتوثيقه وحمايته وتقريبه لبلوغ ما ينبغي من تلاقح بين الأجيال، عبر ثقافة عمل وتقاليد تدبير وسبل تواصل وتشارك مع مؤسسات ذات علاقة وتماس الى جانب مكونات مجتمع مدني هنا وهناك من المجال المغربي
وندوة فاسهذه التي أطرتها كلمة افتتاحية لعميد كلية الآداب والعلوم الانسانية سايس فاس الدكتور سمير بوزويتة،مع اشراف للمندوبية الجهوية لقدماء المقاومين واعضاء جيش التحرير لجهة فاس مكناسوتسببر وإدارة فقرات الندوة من قِبلالدكتور جواد الفرخ.ندون فاس هذه تقاسمتها مداخلات متميزة لباحثين في التاريخ عن أربع مؤسسات ومراكز بحثبكل من الدار البيضاء المحمدية فاس وتازة،مستحضرة شأن الذاكرة كإرث رمزيوطني ونصوص ومؤسسات وأرشيف وبحث ودراسات وسبل حمايةوتفاعل حضاري وديبلوماسية ثقافية، فكانت بتكامل في زوايا مقاربتها للموضوع مع ابراز ما هناك من تراكمات ومساحة اشتغال وجهود صيانة وبحث علمي.
والواقع أن الذاكرة الوطنية المغربية التي تعد جزء لا يتجزأ من حضارة البلاد، تشكل تراثاًانسانيا هوياتياً لا ماديا ممتداً في الزمن المغربي، وعندما نقول ذاكرة الوطن معناه كل ما هو عالق به من ملاحم خالدة ومجد ووقائع ومحطات ذات صلة وأعلام وبطولات وغيرها. بل الذاكرة الوطنية ترتب ضمن أسس وهوية وكيان ومصداقية الدولة المغربية، التي تتميز بأمجاد وشواهد وأرشيف ضارب في القدم وممتد في الحاضرمما يجعلها عنوانا بارزا وليس نكرة في العالم. وامتداد المغرب في التاريخورمزيةأمجاده تجعله بتجذر وعمق وشخصية تاريخية تؤثث ليس فقط ماضيه وحاضره انما أيضاً مستقبله ضمن ما هناك من أوراش واستشراف.
وبقدر ما كان عليه السلف من روح وطنية وغيرة وتضحيات واسهامات وبطولات، مثلما حصل زمن الاستعمار خلال القرن الماضي، بقدر ما الخلف مدعو للفخر والاعتزاز بذاكرة بلاده وحمايتها والحفاظ على مسارها من خلال ما ينبغي منسير في نفس النهجورفع للمشعل. ومن هنا أهمية ورش الذاكرة الوطنيةمن حيث صيانها واستثمارها وجعلها في قلب تلاقح أزمنة وأمكنة وأجيال،باعتبارها طاقة رافعة لرهانات كبرى واستحقاقاتمن المفيد استحضارها كورش احتضنته وحرصت عليه المندوبية السامية لقدماء المقاومين منذ عقود، وعيا بما هي عليههذه الذاكرةمن حمولة زمنوإنسان وقيم وعِبر وتجارب،من المهمالانصات اليها واعتمادها لبلوغ تطلعاتالبلاد عبر مواطن متشبع ومن خلاله عبر ناشئة مؤهلة معتزة بماضيها الوطني.
ولعل تدبير وحماية الذاكرة الوطنية في كل تجلياتها من قِبل المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، يقوم على جملة أسس واعتبارات وخيارات وبرامج كانت بفعل وتفاعل وبأثر هام على أكثر من مستوى. فإلى جانب ما تتوفر عليه المندوبية السامية من مرافق جهوية واقليمية شهد وعاءها اتساعا ملحوظاً خلال العقدين الأخيرين، هي بمثابة بنية وروافد أساسية وقواعد عمل هامة لتدبير الشأن وحماية الذاكرة وخدمتها في اطار القرب، وفضلاً عما يوجد بها من أطر ومشرفين على فضاءات ذاكرة ومتاحف وخدمات ادارية وغيرها، اضافة لأسرة مقاومة وأعضاء جيش التحرير باعتبارها ذخيرة وطنية وموارد بحمولة انسانية مغربية رمزية هامة،تعدبحق مرجعاً أدبيا وقيميا وقدوة للأجيال والناشئة في جميع ربوع البلاد.
الى جانب كل هذا وذاك من أثاث مادي واداري وانساني وخدماتي، تقوم المندوبية السامية لقدماء المقاومين واعضاء جيش التحرير على تقاليد عمل وتواصل واحتفاءات خاصة،تلك التي يؤطرها المندوب السامي الدكتور مصطفى الكتيري ضمن برمجة تأخذ في الاعتبار ما هناك من مواعيد احتفاء وأيام وطنية على امتداد فترات السنة وعلى صعيد ربوع البلاد ككل، تفاعلا مع ما يطبعها من مناسبات وبرامج موازيةبقدر ما تخص إحياء ذكريات ومحطات وبصمات تضحيات وأمجاد، بقدر ما تروم حماية ذاكرة البلادالوطنية بجعلها أكثر قربا من الناشئة حية متفاعلة في اطار القرب، فضلا عما تكون عليه هذه الزيارات من تأطير وأنشطة والتفاتات انسانية لفائدة أسرة المقاومة واعضاء جيش التحرير التي تستحق كل اجلال واكبار.
ويعد ما يعقد هنا وهناك من ندوات علمية وملتقيات حول ذاكرة المغرب الوطنية، من أبرز ما يطبع المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير كتقليد نبيل دأبت عليهمنذ حوالي ربع قرن، وهو ما يؤطره باحثون متخصصون في مجال التاريخ والانسانيات وغيرهم من المهتمين، كثيراً ما يكونون بقرب وإلمام في مقارباتهم بحكم الانتماء ومن ثمة قدرتهم على تسليط أضواء أكثر أهمية لفائدة تاريخ محلي ومن خلاله لفائدة ذاكرة وطنية.وفي هذا الاطار هناك عشرات الندوات العلمية الوطنية والجهوية والمحلية التي حضرتها قضايا وملفات بقيمة كبيرة وأثر على حمايةذاكرة البلادالوطنية توثيقها وفق ضوابط اكاديمية معمول بها، ناهيك عما يرافق هذه المواعيد العلمية من معارض منشورات ووثائق ونقاشاتتخص وقائع وتجليات من صلب هذه الذاكرة.
وتحرص المندوبية السامية لجعل منتج تقاليدها العلمية هذه رهن اشارة الجميع تعميما للفائدة في كل جهات البلاد عبر فضاءاتها، من خلال طبع أعمالها ضمن مؤلفات خاصة كثيرا ما تحضر في عناوينها مناطق احتضنتها، ولعل ما حصل من تراكمات قيمة في هذا الاطار يدعو للتثمين والفخر، بالنظر لِما توفر من نصوص وذخيرة منشورات بمثابة بطاقات تعريف ناطقة بذاكرة وطنية حية باتت بقيمة كبيرة لفائدة التاريخ المحلي والخزانة التاريخية الوطنية المغربية، بل قيمتها المضافة تجعلها مرجعاً لباحثين ومهتمين ولعموم قراء كثيرا ما يجدوا فيها ذاتهم فضلاً عنمتعة قراءة ما هو محلي من ذاكرة البلاد الوطنية.
ولعل منحسنات توجه المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحريرخلال العقدين الأخيرين،ما يسجل من عناية وتحفيز للأبحاث والدراساتالمنفتحةعلى تاريخ البلاد الوطني، من خلال احتضانها وطبعها لأعمال باحثين وجعلها رهن اشارة القراء والمهتمين وبأثمنة رمزية.خيار كان بأثر معبر في تحقيق خزانة تاريخية فسيفسائية تحتوي عشرات المؤلفات، في الأصلهي أطروحات ودراسات أكاديميةتأسست على مادة علمية ووثائق وتوثيق وفق ضوابط عمل معتمدة في البحث العلمي. ناهيك عما أعدته المندوبية السامية من موسوعات توزعت على تيمات عدة تخص الذاكرة الوطنية، وما حصل من نشر لمذكرات وسير مقاومين وأعضاء جيش التحرير تشكل وثائق بقيمة مضافة هامة مرجعية لفائدة الذاكرة الوطنية.
ولعل من نقاط قوة اشتغال المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير على ملف الذاكرة وصيانتها، ما اعتمدته منذ سنوات من ثقافة وسبل تشارك مع جهات عدة تتقاسمها اهتماماتها وورشها التاريخي الرمزي، من مؤسسات جامعية ومراكز بحث ودراسات ومعاهد ومكونات مجتمع مدني وغيرها. وهو ما كان بنتائج هامة أغنت الخزانة التاريخية المغربية بنصوص واسهامات على قدر كبير من القيمة المضافة.
وكان رهان القرب في ثقافة تدبير وعمل المندوبية السامية خدمة لذاكرة البلاد، بأثر فيما حصل من انفتاح على ما هو ناشئة وإعلام ومؤسسات تربوية وثقافية واجتماعية ومجتمع مدني ومبادرات وغيرها.يحضرفي هذا الاطار ما هناك من عناية بالطفولة عبر ما تحقق من مواعيد ومبادرات ومنشورات خاصة بها، تقوم على قيم وبصمات وبطولات وتضحيات تجعل الطفل من خلال نصوصها في صلب ذاكرته الوطنية، بل من جهود تقريب هذه الأخيرة للناشئة ما يخصص من أنشطة تواصل عبر قافلة للكتاب، تعد أداه وقناة على درجة من الأهمية لنشر ثقافة وطن ومواطنة ومن خلالها خدمة ذاكرة في صفوف ناشئة بحاجة لتوجيه وفرص اطلاع ومعرفةوتأطير عن قرب.مع أهمية الاشارة الى أن قافلة كتاب الذاكرة كثيراً ما تكون بوقع هام في تأثيث فضاءات احتفاء، فضلاً عما يسجل من اقبال عليها في أوساط مدرسية كذا من صدى وسؤال وتنوير.
وفي اطار ما هو دبلوماسية ثقافية كانت المندوبية السامية لقدماء المقاومين واعضاء جيش التحرير بإسهاماتعدة، من خلالما نظم من ندوات وطنية ودولية استثمرتما هو كائن من ذاكرة مشتركة مغربية أجنبية. وعليه، فما أثمره هذا الرهان من أعمال علمية بتعاون مع سفارات ومؤسسات جامعية وطنية وأجنبية، كان بأثر معبر في ملـء بياضات واغناء خزانة البلاد التاريخية بقدر هام من وثائق وأرشيف ونصوص، منها مثلاً ما يتعلق بالعلاقات المغربية التركية، الفرنسية، الفلسطينية، الجزائرية، المصرية، الهولندية، البرتغالية، الاسبانية،الفيتنامية، الافريقية وغيرها.
ولا شك أن ما يوجد عليه ورش الذاكرة الوطنية من انجاز وحصيلة، كان بفضل جهود أطرافعدة كانت بوقع ودور في الإغناء والاضافة والمبادرة والتشارك والكتابة والتأطير كذا تعميق البحث والدراسة في هذا المجال لسنوات. ومن الباحثين من جعلوا من ذاكرة بلادهمالوطنية ورشاً لهم على مستوى مؤسسات اشتغالهمومختبراتهم ضمن ما هو جهوي ومحلي، فكانوا بإسهاماتعدة رفيعة وتجارب وخبرات واصدارات علمية ناهيك عما راكموه على مستوى تكوين وإعداد عشرات الباحثين الشباب، في أفق حمل المشعل من أجل عناية أوسع وأهم وأفيد خدمة للذاكرة المغربية وصيانتها ومن ثمة خدمة وطنهم.
وما دام أن هناك تقاليد احتفاء علمية محمودة تخصباحثين كانوا بدور في الاثراء والاغناء بنكران ذات لسنوات، ستكون المندوبية السامية لقدماء المقاومين واعضاء جيش التحرير بتقليد نبيل آخر سينضاف لسجلها وانجازاتها.من خلال ما ينبغي من التفات لمن كان بأدوار واسهامات جليلة خدمةللذاكرة الوطنية من باحثين مغاربة تثمينا لمشوارهم وأعمالهم وتحفيزا للآخرين منهم، وذلك عبر عقد ندوات يحضرها باحثون ومؤرخون وغيرهم من مهتمين أكاديميين، تكون موادها العلمية ومداخلاتها مهداة لمن يستحق تكريما بهذا القدر من السمو. وكم هو جميل أن يحتفي باحثون بآخرينمن أسرتهم كانوا بدرجة عطاء وتميز، وكم هو راقورفيع أيضاً ومؤثر أن يكون وعاء الاحتفاء وعاء علم ومعرفة عالمةوالهدية رمزية معبرة.. ود ومودةوفكر وقيم لا غير.
مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث
التعليقات مغلقة.