أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

هكذا هم العظماء وان غابوا يؤمنون بالحوار

اليمن/هارون ابراهيم الواقدي

في عام2010، كانت المرة الثالثة التي ألتقي فيها الزميل الرفيق منذ ما قبل ثورة 2011

كان ذلك في مدينة الحديده، عروسة البحر الاحمر ، حيث يسكنها الناس البسطاء.

وصلت إلى مدينة الحديده من محافظة ريمه. وجاء هو من صنعاء . واللقاء مع….له طعم مختلف ، وفي كل مرة يتجدد بما يحمله الزميل من مشاعر رفاقية راقية في قراءة الحاجة الإنسانية للتفاؤل في لحظات الانكسار..

حتى وهو يعاني الإحباط من جور ما واجهه في حياته السياسية من متاعب وخذلان ، فإن روحه غالباً ما تصبح منصة للتفاؤل المصحوب بالثقة ، وكان دائما ما يأخذ الحديث إلى آفاق لا تغلق عند محطة بعينها ، مهما كبر وجعها وعظم جرحها.

كان يرى الأحداث على أنها نتائج لتراكمات سابقة ، وهي بالتأكيد كذلك ، لكنه كان يرى أيضاً أن طريقة التعاطي معها قد تحولها إلى مقدمات لأحداث أكبر ، وهكذا .. وعندما يستطيع المجتمع ونخبه السياسية ، أن يتوقف بالحديث عند المفهوم الذي يبقيه “نتيجه” لتراكمات سابقة ، ويضع خطاً فاصلاً مع هذا الماضي، يكون قد انتقل من منحنى الصراعات إلى منحنى الاستقرار ، كما حدث في تجارب بشرية كثيرة.

لم تكن اليمن بالطبع من بين هذه التجارب . حاول اليمنيون بعد ذلك بسنوات في مؤتمر الحوار الوطني ، واصطدموا بحقيقة أن منحنى الصراعات في اليمن يتشكل بعوامل مختلفة ليس لها علاقة بحاجات المجتمع.

لم يستطع اليمنيون أن يضعوا الخلاف وراءهم في كل محطات الصراع لكي يمضوا إلى الأمام.. أشد ما يثقل حركة المجتمع هو التشبث بقضايا الخلاف ، فهي لا تبقى بحجمها القديم وإنما تتمدد بحجم ما تنتجه الحياة من مصاعب.

في نهاية اليوم الثاني للمؤتمر ، وبعد أن حضرنا ، مع كل الزملاء المؤتمر ، محاضرة لدكتور” عبدالكريم الزريقي” حول كتابه الجديد ” العقل الأخلاقي” وعن سيرته ، اقترح الزميل أن نعود سيراً على الأقدام إلى مقر الإقامة عن طريق شاطئ البحر الذي كانت تتخلله مباني عتيقة ، وكان الموج في حالة مد وصخب شديد..

قال الزميل ، وقد توقف على نحو تلقائي ليشاهد منظر الموج وهو يضرب بقوة بقايا المباني المبعثرة على الشاطئ ، ويستمع إلى المعزوفة الصادرة عن اصطدام وارتداد الموج ، ”

بعد وصولي إلى الحديده عام 2010 أخذني بعض الزملاء إلى صيرة ، كم أدهشني موج البحر حينذاك وهو يضرب الصخور ويحدث ذلك الصخب الذي يلامس الروح ، ومنذ ذلك الوقت وأنا مسكون بهذا الصخب..”.

حدثته بمقاربة عشتها وكان لها نفس التأثير ، فقد كنا ، ونحن طلبة في كلية الشريعه جامعة الحديده ، كثيراً ما نفضل أن نعود من الجامعة” الى مساكننا مشياً على الأقدام لنستمتع بصخب البحر وموجه الذي يرتفع مده ليغطي كل الطريق حتى يتجاوز من الناحية الاخرى والممتد في الخط الساحلي بدايه من مستشفى الثورة حتى وصولا الى الكرنيش” على مدخل السوق الجديد من ناحية مبنى حديقة الاحلام .. ومع المدى يأخذ البحر مساحة في الروح لا يمكن أن تنتزع منه ، تلك هي المساحة التي تنتفض من تحت ركام السنين كلما وجدت نفسك محاطاً بموج البحر ، كما كان حالنا في تلك الليلة.

كان زميلي ، الذي جاء من الجبال ، يعشق الحديده .. وكان يردد : ” في الحديده ترتخي كل عضلات الجسم وتحس بالأمن والراحة ، فيما عدا العقل الذي ينشغل بهاجس الحفاظ على جمال هذه النعمة” .. وكم ضحكنا في وجهه وهو يحاول أن يربط “الفوطة” بالطريقة تهاميه، ويجادل في أن ” الفوطة” هي التعبير المدني الذي يبعث الطمأنينة والسلام في النفس ، على عكس “المقطب” أو ” المعوز” والذي بطبيعته يجعلك في حالة تحفز لإرتباطه بالبيئة التي تفضله، أما القميص ، أو الزنة ، بشكلهما الجديد فلا يراهما غير نكاية بالإزار الأبيض الذي توارثه قطاع واسع من اليمنيين كلباس مميز.

تحدثنا في تلك الليلة طويلا . كل مرة يأتي فيها من المديرية ، كانت تتضاءل عنده فرص الخروج من مأزق السياسية التي توشك بنشوب الحرب ، لكنه لم يكن يغرق محدثه في اليأس ، يأخذه إلى الأفق الذي يكون فيه البحث عن الحل إختيارا انسانياً ونضالياً واعياً..

قلت له ذات مرة إذا بقي هذا الحوار محصوراً في إطار نخبوي غير قادر على الانتقال الى المجتمع فإن أخشى ما نخشاه هو أن عوامل النفي الكامنة في مناهجنا السياسية النخبوية تتمدد في المساحات التي يخلفها الفراغ الكبير الذي لا يزال قائماً بين النخب والمجتمع .

قال ، نعم ، سيظل هناك من يتحين فرصة للتراجع ليعلن الفشل ، لا بد من أن تشعر المجتمعات بأهمية هذا الحوار ولذلك فإن المنصات والمنابرالتي تقوم بهذه المهمة يجب ان يتولاها من يؤمنون بقيمة هذا الحوار.

التعليقات مغلقة.