أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

سوق الشغل بالمغرب ما بين الصدمة و ضبابية الأفق و غموض استرتيجيات الإنعاش‎

محمد حميمداني

صورة سوداوية حملتها المندوبية السامية للتخطيط حول سوق الشعل بالمغرب بفعل تأثيرات و مضاعفات كورونا على الاقتصاديات العالمية ، خاصة الهشة منها و ضمنها المغرب ، حث أفادت بأن حوالي 38 في المائة من المقاولات المنظمة خفضت حجم يدها العاملة في النصف الثاني من سنة 2020 مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2019 ، بسبب هاته التداعيات الصحية .

 

المندوبية ، قالت إن نسب كبيرة سجلت في مضمار تقليص عدد العمال حسب الفئات ، إذ سجلت نسبة 41.9 في المائة داخل المقاولات الكبرى ، و 33.4 في المائة بالنسبة للمقاولات الصغرى و المتوسطة و 39.3 في المائة داخل للمقاولات الصغيرة جدا .

 

و للإشارة ففيروس كورونا ، تسبب في تعطيل النشاط السياحي الذي يعتبر الممول الأساسي لسوق الشغل و لمالية الدولة ، كما اثر و لو بشكل جزئي على أنشطة مصانع إنتاج و تجميع السيارات ، و ساهم في توقيف نشاط عدد من القطاعات ، و هو ما أدى إلى تراجع الصادرات نتيجة تراجع الطلب العالمي عليها و هو ما نتج عنه انهيار مجموعة من الشركات و  القطاعات الاقتصادية المرتبطة بالخارج . 

 

المندوبية السامية للتخطيط أشارت إلى أن نسبة العاملين انخفضت بأكثر من 50 في المائة داخل 43 في المائة من المقاولات التي صرحت بانخفاض في اليد العاملة فيها خلال النصف الثاني من سنة 2020 مقارنة بمستوى التشغيل لنفس الفترة من سنة 2019 الذي وصل إلى 37.5 في المائة ، و هي نسب تتباين حسب المقاولات ، حيث ترتفع هذه النسبة إلى أكثر من نصف المقاولات الصغيرة جدا ، و 27 في المائة بالنسبة للمقاولات الصغرى و المتوسطة ، و 11 في المائة بالنسبة للمقاولات الكبرى .

 

وضع نتج عنه تضرر مجموعة من القطاعات ، فقد سجل ضمنها مقاولات البناء التي تراجعت بنسبة 56 في المائة ، و تلك العاملة في الإيواء و المطاعم بنسبة 64 في المائة ، و هو ما أدى إلى تقليص نسبة اليد العاملة لديها بأكثر من 50 في المائة خلال النصف الثاني من سنة 2020 مقارنة بنفس الفترة من سنة 2019 .

 

و هو ما انعكس سلبا على توقعات التعافي الاقتصادي نتيجة استمرار أزمة كوفيد – 19 و تزايد تأثيراتها ليس على الوضع الاقتصادي و الاجتماعي بل حتى على مستوى رؤية أرباب تلك المقاولات للاستثمار مستقبلا ، إذ لا تتوقع 81.1 في المائة من المقاولات أي استثمار خلال سنة 2021 ، فيما يتوقع 3.9 في المائة انخفاضا في مستوى الاستثمار ، بينما يتوقع 6.4 في المائة ارتفاعا خلال نفس السنة .

 

على مستوى آفاق الاستثمار المتوقعة خلال سنة 2021 ، فإن 10.9 في المائة من المقاولات الكبرى تتوقع زيادة في مستوى الاستثمار سنة 2021 ، و 19 في المائة من المقاولات العاملة في قطاع الطاقة تتوقع ارتفاعا في مستوى استثماراتها خلال سنة 2021 ، و هو تفاؤل لا تشاطرها فيه الرأي المقاولات المتوسطة و الصغيرة ،  حيث أن نسبة المقاولات التي لا تتوقع أي مشروع استثمار تتجاوز 80 في المائة في صناعات النسيج ، و الصناعات الكهربائية و الالكترونية ، و الإيواء و المطاعم ، و الأنشطة العقارية .

 

و الملاحظة العامة التي يمكن تسجيلها في هذا الباب هي ارتفاع نسبة البطالة إلى 10.5 بالمئة في الربع الأول من 2020 ، فيما انحصرت في نفس الفترة من سنة 2019 في نسبة 9.1 في المائة ، و همت أكبر الانخفاضات في هذا المستوى قطاع الزراعة الذي فقد 134 ألف فرصة عمل في الربع الأول من نفس السنة .

 

 

و لا زال سوق الشغل بالمغرب على طريق المزيد من التأثيرات و الاضطرابات السلبية و غير المستقرة بسبب تداعيات فيروس كورونا ، ففي الوقت الذي تفقد فيه عدد من القطاعات مناصب عمل ، تخلق قطاعات أخرى مناصب جديدة .

 

و سبق للمندوبية السامية للتخطيط في المغرب أن قالت إن عدد العاطلين عن العمل ارتفع بمقدار 208 آلاف فرد في الربع الأول من 2020 على أساس سنوي ، إذ بلغ إجمالي عدد العاطلين عن العمل نهاية مارس الماضي 1.292 مليون فرد ، مسجلا ارتفاعا كبيرا عن الوضع خلال الربع الأول من 2019 الذي سجل 1.084 مليون فرد فقط .

 

خبراء اقتصاديون لا يتوقعون عودة الشركات المغربية للنشاط مجددا ، متوقعين تسجيل إفلاس عدد كبير من الشركات و بالتالي فقدان آلاف مناصب الشغل ، فيما يتوقعون أن تعمد شركات أخرى إلى تقليص مناصب الشغل .

 

ما يزيد من قثامة المشهد الاقتصادي و الاجتماعي و ارتفاع حدة الانهيارات المسجلة بالنسبة للشركات و المؤسسات الاقتصادية هو ارتباط عدد من القطاعات الاقتصادية بالخارج ، و بالتالي كان لقرار إغلاق الحدود ، الأثر المباشر على فقدان فرص الشغل ،

 

خبراء اقتصاديون يتوقعون المزيد من فقدان مناصب الشغل في العديد من القطاعات الحيوية المرتبطة بالخارج ، خاصة في قطاعي السياحة و الطيران ، و لا يتوقعون التعافي من هاته الآثار إلا بعد مرور سنتين على أقل تقدير ، و قد تصل مدة التعافي الشامل إلى خمس سنوات ، نتيجة القرارات الرسمية العالمية التي تحت المواطنين على لزوم البيوت و عدم المغامرة بالسفر .

 

إضافة إلى ذلك فإن دولا عديدة أوقفت صفقات شراء الطائرات نتيجة توقف أنشطة هذا المجال و هو ما سيؤثر على صفقات شراء الطائرات ، و بالتالي سينعكس سلبا على قطاع صناعة الطيران بالمغرب ، الذي شهد ازدهارا في الآونة الأخيرة ، و نفس المآل ستعرفه صناعة السيارات التي أعلنت أنها ستوقف نشاطها ، و هو ما سيضيف أعباء اجتماعية كبيرة على الوضع الاجتماعي بالمغرب ، في المقابل ، سجل قطاع الفلاحة ، فقدان 134 ألف فرصة عمل ، ليسجل انخفاضا بنسبة 3.6 بالمائة  .

 

قطاعات ستحافظ على نموها البطيء خاصة في مجال النشاط العقاري و القطاعات المرتبطة بالرقمنة و التجارة الإلكترونية ، و أيضا تلك التي لها ارتباط بالصناعات الطبية ، هاته الأخيرة ستسجل نموا متسارعا خلال فترة الجائحة .

 

فيما سيرتفع  ، بحسب مذكرة إخبارية سابقة لمندوبية التخطيط  حول وضعية سوق العمل خلال الربع الأول 2020 ، حجم الشغل بقطاع “الخدمات”، بـحوالي 192 ألف منصب على المستوى الوطني ، على أساس سنوي .

 

و سيعرف قطاع الصناعة التقليدية ، إحداث 23 ألف منصب شغل خلال نفس الفترة ، مسجلا بذلك ارتفاعا في حجم الشغل بهذا القطاع بنسبة 1.8 بالمائة .

 

و ما سيحافظ على استقرار سوق الشغل الهش هو استمرار وجود الطلب الداخلي .

 

و للإشارة فقد تسارعت وتيرة تفشي فيروس كورونا منذ نهاية الإغلاق الاقتصادي الذي فرضه المغرب في شهر مارس ، و معه تسارعت الأضرار الاجتماعية المرتبطة بهذا الوضع .

 

و ضع دفع الملك محمد السادس ليعلن نهاية يوليوز عن خطة عمل جديدة لتعزيز الانتعاش الاقتصادي و تحفيز النمو الشامل للجميع ، داعيا الحكومة إلى التحرك وفق أولويات من أجل تحقيق أهداف خطة العمل ، التي تشمل  توفير التأمين الصحي لجميع المواطنين خلال فترة زمنية مدتها 5 سنوات ، و توسيع مظلة الرعاية الاجتماعية لتشمل الشرائح الاجتماعية المحرومة ، و إصلاح المؤسسات المملوكة للدولة ، و اتخاذ إجراءات شجاعة لتعزيز الانتعاش الاقتصادي ، داعيا إلى إنشاء صندوق للاستثمارات الاستراتيجية بقيمة 4.8 مليار دولار لمساعدة الشركات و الأفراد على التعافي من تأثير فيروس كورونا .  

 

ينضاف كل هذا إلى مواصلة لجنة النموذج التنموي الجديد (التي تشكلت في دجنبر من سنة 2019) ، العمل على رسم مسار للتنمية على المدى البعيد ، تأخر إتمام خطتها بسبب التداعيات جعل الملك يمدد عملها لمدة ستة أشهر إضافية حتى دجنبر من سنة 2020 ، لإعداد خطتها المقترحة في هذا المجال .

 

خارجيا ، و نظرا لآثار الجائحة على الاقتصاديات العالمية ، و ضمنها المغرب ، و لمساعدة المغرب على التصدي لآثار الجائحة ، أعاد البنك الدولي في أبريل من سنة 2020 هيكلة قرض لأغراض سياسات التنمية لإدارة مخاطر الكوارث بقيمة 275 مليون دولار ، مع خيار السحب المؤجل للكوارث ، مضيفا لذلك شرط تفعيل آخر يتعلق بالصحة ، يسمح بالتمويل الفوري لإجراءات الطوارئ . كما منحت المؤسسة المالية العالمية للمغرب في يونيو 2020 قرضا قيمته 48 مليون دولار لدعم استجابة قطاع الصحة الحكومي للجائحة من خلال تعزيز تدابير الوقاية من العدوى ، ورصدها و مراقبتها و إدارة الحالات .

 

كل ذلك وسط حالة ركود و انكماش اقتصادي ، وهو أول ركود يسجل منذ سنة 1995 ، حيث انكمش الناتج الاقتصادي بنسبة 13.8 في المائة خلال الربع الثاني من السنة الفارطة نتيجة الإغلاق و الانخفاض الحاد في الصادرات ، نتيجة لاختلال سلاسل القيمة العالمية ، و انهيار عائدات السياحة ، و انخفاض التحويلات المالية ، كما سجل تفاقم في المعدلات ، و هو ما أدى إلى تضخم العجز المزدوج في المغرب ، وبالتالي زيادة احتياجات البلاد من التمويل مع زيادة النفقات الجارية على الصحة و الحماية الاجتماعية بصورة كبيرة في إطار التصدي للجائحة .

 

و زاد الوضع سوءا مع نقص الإيرادات الضريبية ، و خاصة في مجال الرسوم الجمركية ، و السلع و الخدمات ، و الدخل و الأرباح و هو ما زاد من عجز الموازنة ، إضافة إلى تأثير الصدمات الدولية و خاصة التطورات السلبية في منطقة اليورو ، نتيجة التراجع الحاد في تحويلات المغتربين و عائدات السياحة ، و الصادرات ، و هو ما أثر سلبا على حساب المعاملات الجارية .

 

التوقعات المستقبلية تتحدث عن مزيد من الانكماش في الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 6.3% في 2020 ، بسبب نتائج كورونا و أيضا بسبب ضعف موسم الأمطار ، إذ من المتوقع أن يتسع عجز المالية العامة بدوره ليصل إلى أكثر من 7.6% من إجمالي الناتج المحلي سنة 2020 ، وهو ما من شأنه أن يعمق الركود الاقتصادي ، و يؤدي إلى تسجيل زيادة كبيرة في نسبة الدين و بالتالي زيادة العجز إلى زيادة العجز في حساب المعاملات الجارية إلى 9.9% من إجمالي الناتج المحلي .

التعليقات مغلقة.