أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

الحروب في منطق السياسة

بقلم محمد حميمداني

 هل يمكن أن نتحدث عن حروب قذرة دون الحديث عن سياسات قذرة تشعل هاته الحروب ، و تقود إلى خلق جو من عدم الاستقرار تكون الشعوب و قودا لها ؟

 راج مؤخرا اسم و اصطلاح تدوول بشكل كبير حول “الحروب الناعمة” ، فهل بالفعل هناك حروب ناعمة ؟

 إن المصطلح في دلالته العميقة لا يحمل إلا دلالة تحويل الحروب العسكرية المباشرة ، التي تقتضي تدفق الجيوش و الأموال بما تحمله من خسائر إلى حروب من نوع جديد ، قوامها خلق جو من عدم الاستقرار في المناطق التي لا تخضع لسيطرة الرأسمال الاحتكاري العالمي ، و التي تهدف إلى إلحاق الهزيمة المعنوية و الفكرية و الحضارية بشعوب أكلها الفقر و الظلم ، و توجيهها بلا وعي منها لخدمة مصالح هاته الشركات و المؤسسات العملاقة بأسماء تتنوع من الربيع إلى البرتقال و هلم قتلا و فتكا ، خدمة للمصالح الاقتصادية و لشركات السلاح و الموت المتحرك .

 الوقائع على الأرض تثبث صحة الأقوال ، فكل الدول التي استهدفت باسم تصدير الحرية و الديمقراطية تركت تجوب شوارعها لغة المدافع و الفقر و الموت المتحرك .

 حروب كان هدفها الأسمى إعادة صياغة و تشكيل الوعي العالمي على المقاس الرأسمالي التبعي لاقتصاديات الدول العظمى باسم الصراع بين محوري “الخير و الشر” ، أي بكل الطرق الممكنة و حتى القذرة منها .

 المشهد الليبي و اليمني و السوري و هلم جرا ، نماذج لهاته الأنواع من الحروب التي استهدفت كل مقومات الصمود و التحرر التي يمكن أن تزيح دولا عن سلوك طريق الانبطاح و التبعية ، تارة بإشعال فتيل قارورات الموت ، عبر الأدوات المسخرة ، كما هو حاضر في المشهد اليمني ، و الجريمة النكراء ضد الإنسانية التي تقاد باسم العدالة و محاصرة شبح وهمي خلق ليشكل بعبعا بعد فشل مشاريع أساطير “القاعدة و بن لادن” و “داعش ” … ، مرورا بالحصار الاقتصادي من أجل الخنق و تأليب الرأي العام على التمرد ، كما هو حاصل مع إيران و فنزويلا و حتى روسيا و الصين على الرغم من قوتهم الاقتصادية و العسكرية ، وصولا إلى  خلق فيروسات قاتلة حاضرة يوميا للتخويف وإرجاع المتمرد لبيت الطاعة الرأسمالي .

 اليوم ، أصبح بالإمكان اقتحام الأبواب ، و تهديد الاستقرار العالمي ، و خلق الفوضى الخلاقة ، بنقرة زر ، و إعادة تشكيل الدماغ البشري بطرق جديدة لقبول التبعية و ليس للتحرر ، و للاستعباد و ليس للعدالة ، التي يفتقدها حتى مواطنوا تلك الدول الرائدة في الإيهام بالحرية و الديمقراطية و حقوق الإنسان ، و ستبقى مشاهد أمريكا المخاض العنصري و مبنى الكابيتول شاهدة على سقوط نمطية الفكر الجديد المبشر به إلكترونيا و إعلاميا و فنيا .

 فقد أصبح بإمكان الذبابة الإلكترونية لعب دور المحول لخط سير الشعوب نحو الانعتاق من العبودية الحديثة لسلطة رأس المال ، و تحويل قاطرتها نحو مزيد من تعميق العبودية و التبعية لمراكز القرار العالمية ، التي تحكمها مراكز الدراسات الاستراتيجية التي تضع الاستراتيجيات العامة للدول و لأشكال الحضور و القلب باسم الحقوق و الحريات المقتولة في البلدان الأصلية أصلا .

 لقد أصبح عالم اليوم و لتعميق التبعية و فرض العبودية المالية و تحقيق الهيمنة يعتمد على مخططات تقوم على اتباع العنف و الإرهاب وسيلة ، و صناعة هذا الإرهاب المتنقل ، و إشعال الحروب باسم الثورات و استغلالها لتحقيق تلك الأهداف القذرة .

 ساسة لا تبتعد بالمطلق عن تلك التي بشر بها مفكرو الرأسمالية و الأخلاق الليبريالية الأوائل ، و القائمة على الدهاء و المكر و الخداع و القوة ، لأن من يريد الإجهاز على امة ، فعليه أن يجهز اولا و قبل كل شيء على كل مقومات استمرارها و قوتها من خلال خلق جو من الاضطرابات الداخلية ، و نشر الجهل و الفقر ، و إثارة النعرات الإثنية و الطائفية ، و بالتالي فسقوط الدولة سيعني بالمحصلة الحاجة إلى المساعدات المالية التي لن تعني سوى ربط تلك الدول بمسلسل التبعية و التحكم في اقتصاديات و سياسات تلك الدول ، بل و الإشراف المؤسساتي للأجهزة في اختيار أنماط الحكم القائمة ، و اختيار حتى الرموز السياسية التي يجب أن تحكم و تسود .

 و يبقى الإعلام هو البوابة الأولى للمؤامرات ، و كذلك لمواجهة هاته المؤامرات المتمثلة في استراتجيات تهجين القطيع عبر البرامج المقدمة ، و غسل الأدمغة ، و  التحكم و  التلاعب بعواطف الناس لإنشاء جيل بهيمي يسهل التحكم فيه و قيادته ، من خلال نشر العصبيات الدينية و القبائلية بين أفراد المجتمعات و الأمم

خدمة للمشاريع الرأسمالية الكبرى و للصهيونية العالمية ، قد تتعدد الأسماء لكنها تجتمع على السلب و النهب هدفا باسم الحق و الرب و القبيلة و الأمة و العدالة و الحرية …

 و لعل المتابع للمشهد الإعلامي العالمي يرى بجلاء خضوع الصوت و الصورة و الكلمات لتوجيه المؤسسات الإعلامية الكبرى التي تسيطر عليها أربع مؤسسات إعلامية كبرى ، توجه الرأي العام لخدمة هاته القضايا الحقيرة و الدنيئة على حساب مصالح و أحلام الشعوب . 

التعليقات مغلقة.