أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

أطفال اليمن الموت المتنقل

محمد حميمداني

أطفال اليمن، البراءة التي تلاحقها كل الأمراض الأممية، و صمتها عن غارات التحالف التي تقتل البشر و البراءة و الأحلام، والأوبئة والمجاعة التي تنخر أجساد الآلاف من الأطفال فتحاصر ابتسامتهم و ضحكاتهم البريئة، وألغام الموت التي تسكن كل درب وحي ومسار تلهو فيه صفاوة أحلامهم، واستعباد قسري في معارك الحروب التي أصبح الأطفال وقودا لها بالمشاركة القسرية أو الجنازة المتنقلة !!

هذا هو حال أطفال اليمن بعد سنوات من الحرب والصراع والدمار، النتيجة كارثية بكل المقاييس، أكثر من مائة ألف طفل يموتون سنويا نتيجة الأمراض الفتاكة بحسب وزارة الصحة اليمنية، حصيلة ثقيلة جدا بكل المقاييس، لم تهز الضمير العالمي النائم على أريكة المصالح الاقتصادية على حساب البشر والطفولة التي اغتصب حتى حقها في الحياة، تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” كشفت على أن نحو مليوني طفل يعانون من سوء التغذية الحاد في البلد، الذي صنف ضمن أسوأ البلدان للأطفال في العالم، والمعاناة لا تتوقف بل تنضاف إليها الأمراض الفتاكة، الجوع الناخر للعظام، التشريد الذي يلاحق البراءة أينما حلت وارتحلت، الغارات الجوية المجنونة والمهووسة بلغة أرقام القتل، القصف الذي لا يميز بين الجنائز والمدارس والمشافي القاتل للحياة، الألغام التي أصبحت خبز كل صباح دامي ودامع لمختلف العائلات، وتجنيد قسري للطفولة في ساحات معارك الكبار.

تلك هي جزء بسيط من معاناة أطفال اليمن، أمام حرب فرضت على الشعب اليمني باسم “التحالف” و “الشرعية” التي اغتصبت البراءة، وفتحت مساحات لجنائز كبرى متنقلة، واقع عرته تقارير ودراسات للأمم المتحدة عن معاناة الطفولة والبراءة في اليمن، في مقابل خزائن أسلحة لا تتوقف في اتجاه “الرياض” و “أبو ظبي”، وأمين عام الأمم المتحدة “غوتريش” ببصر الأعمى يشطب على اعتبار “التحالف” العسكري الذي تقود “السعودية” و”الإمارات”، من قائمة سوداء لمرتكبي الجرائم بحق الأطفال، على الرغم من هول الإحصاءات، ومشاهد القتل اليومي للطفولة؟ قرار أثار استهجان كل أحرار العالم، لأنه جاء متجاهلا لأدلة الأمم المتحدة عن التجاوزات الثقيلة المستمرة ضد الأطفال، كما تفيد منظمة “هيومان رايتس ووتش” لحقوق الإنسان، خاصة وأنه تزامن مع دك طائرات “التحالف” لعربة غرب اليمن والنتيجة مقتل 13 شخصا، بينهم 4 أطفال، لتنكشف المسرحية، ذات الأبعاد الاقتصادية والسياسية، فتعري حقيقة قلعة سميت يوما ما بأنها “قلعة الأمم”، لتتحول إلى غابة لحماية وشرعنة قتل البراءة باسم كل اللغات إلا لغة الإنسانية، ليبقى “غوتريش” يراقب “التحالف”، ويبحث بلغة الأعمى عن “التقصير”، ويمني العالم بحزم، هو داعم “حزم” حربه.

تقول “يُسرى سماش”، مديرة قسم السياسة والاتصال بمنظمة إغاثة الأطفال/ Save the children   في اليمن، “لقد قُتلوا و جُرحوا في المعارك المستمرة وسُلبوا حقوقهم الأساسية، وإضافة إلى ذلك تعرضت بنية تحتية مدنية مثل المدارس والمستشفيات في اليمن للهجوم، وعلى إثرها تم تهديد الأطفال في أماكن وجب أن ينعموا فيها بالأمان”.

تقرير للأمم المتحدة أشار إلى أن 35 هجوما تمت على مدارس ومستشفيات، وتضيف “يسرى شموس” أن “أكثر من 12 مليون طفل في اليمن يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية، والكثير منهم تم تهجيرهم ويعانون من سوء تغذية حاد، كما أنه ليس بوسعهم حاليا إتمام تكوين وولوج الخدمات الصحية الأساسية”.

صورة واقعية رسمتها منظمة إغاثة الأطفال / Save the children من خلال قول “يُسرى سماش”، إن المنظمة غير قادرة على حماية الأطفال من تجارب كارثية و صادمة يواجهونها تقريبا يوميا بسبب الحرب والمرض والفقر، “طفل يكبر في اليمن”، “لا يعرف شيئا آخر سوى الموت و الدمار”.

تنضاف إلى هاته الصور من المأساة الإنسانية، مآسي أخرى تزيد الوضع قثامة، ففي اليمن يموت “85 ألف طفل” بسبب سوء التغذية الحاد وفق إحصاء أوردته منظمة “أنقذوا الأطفال” الخيرية والتي قالت، إن نحو 85 ألف طفل دون سن الخامسة ربما ماتوا بسبب سوء التغذية الحاد خلال ثلاث سنوات من الحرب على اليمن، وهو رقم يساوي مجموع من هم دون الخامسة في مدينة “برمنغهام”، ثاني أكبر مدن بريطانيا.

وكانت تقارير الأمم المتحدة قد حذرت من أن حوالي 14 مليون يمني باتوا على حافة المجاعة، وهي أرقام تبقى تقريبية على اعتبار أن هناك العديد من حالات الوفاة لم يتم التبليغ عنها، لأن نصف المرافق الصحية لا تعمل، كما أن الكثير من الناس فقراء لا يستطيعون ولوج المرافق الصحية العاملة، يغذي كل ذلك

غياب الأمن الغذائي نتيجة غياب أو ارتفاع أسعار المواد الغذائية وانخفاض قيمة العملة اليمنية، نتيجة لهاته الحرب الظالمة.

مجموعة من الدراسات التاريخية، أشارت إلى أن إهمال علاج سوء التغذية الحاد قد يؤدي إلى وفاة ما بين 20 و 30 في المائة من الأطفال كل سنة.

مدير مؤسسة “أنقذوا الأطفال” في اليمن “تامر كيرولوس” قال “مقابل كل طفل يٌقتل بسبب القنابل والرصاص، فإن العشرات يموتون جوعا وهو أمر يمكن منعه تماما”، وأضاف أن “الأطفال الذين يموتون بهذه الطريقة يعانون بشكل كبير، لأن وظائف الجسم الحيوية تتباطأ ثم تتوقف تماما في نهاية المطاف، إن أجهزة المناعة لديهم ضعيفة للغاية بحيث يكونون أكثر عرضة للإصابة بالعدوى، فيما يصيب بعضهم وهن شديد لدرجة أنهم لا يقدرون على البكاء”، ويتابع “الآباء يضطرون لرؤية أطفالهم يعانون و يموتون أمام أعينهم، دون أن يكون بمقدورهم فعل أي شيء”.

وتأبى معاناة اليمنيين، وخاصة الأطفال منهم، إلا أن تزداد استفحالا، مع تفشي الأمراض، وخاصة مرض الكوليرا الذي أصاب اليمن نتيجة انهيار المنظومة الصحية، والأرقام محبطة، أكثر من 175,000 حالة مشتبه في إصابتها وأكثر من 1.000 حالة وفاة، والأطفال هم الأكثر عرضةً للإصابة، بسبب انخفاض المناعة وغياب الأمن الغذائي و وضع البنية التحتية الصحية المحطم بقصف الطيران، و النقص الحاد في الإمدادات الطبية.

الدكتور اليمني “غيلان أبو غانم” قال “يضطر كثير من الآباء، إلى إخراج أطفالهم المصابين بأمراض خطيرة من المستشفى لأنهم لا يستطيعون تحمل تكلفة الدواء، أو لمجرد أن تكلفة الانتقال من المستشفى و إليه مرتفعة جدا، إنني أتعامل مع آباء كهؤلاء كل يوم، وقد اضطررت إلى التصريح بإخراج أطفال من المستشفي أعلم أنهم لن يصلوا إلى ديارهم، أحاول إقناعهم بالبقاء ولكنني لا أستطيع إجبارهم”.

الدكتورة اليمنية “إيمان الشهري”، طبيبة أمراض نساء، قالت من جهتها “أشعر بأنني أُسهم في وفاة المرضى في كل مرة أسمح لهم بدخول المستشفى لتلقي العلاج ، فكيف أعالجهم ؟ ليس لديّ أدوية ، ولا لوازم، ولا طاقم طبي، حتى الأجهزة لا تعمل وتحتاج إلى إصلاح، إننا لا نقبل سوى الحالات ذات المضاعفات الخطيرة جداً، حينما تكون النساء الحوامل أو الأمهات على وشك الموت. لقد رأيت نساءً يلدن أطفالهن في الطرق أو  السيارات أو الشوارع ، و لا توجد أي طريقة أستطيع بها أن أقدم لهن العلاج”.

نقص المياه الصالحة للشرب والإمدادات الطبية في البلد، يزيد الوضع سوءا، ويسهل تفشي الوباء مع الإسهال المائي الحاد، و أكثر من 24 مليون شخص مُعرّضون للخطر، و مجهودات منظمة “اليونيسف” مع شركاء آخرين، تؤول إلى الفشل، لأنها تتطلب توفير المياه وخدمات الصرف الصحي والنظافة الصحية من أجل السيطرة على تفشي المرض، ومنع انتشاره، والتقليل من خطر عودته.

إنها صورة جد يسيرة لقثامة واقع فرض باسم “الحزم” و”تحالف” فيه المجموع من أجل إطفاء شعلة ابتسامة في محيا الطفولة التي اغتصب فيها كل شيء حتى حقها في الابتسامة والحياة.

التعليقات مغلقة.