أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

البيجيدي بين سلطة المصباح و مصباح السلطة    

بقلم محمد حميمداني


يعيش حزب العدالة و التنمية المغربي على وقع انقسامات داخلية خطيرة قد تهدد وحدة الحزب التنظيمية داخليا ، و على ما بقي من حضور الحزب في المشهد السياسي المغربي شعبيا و انتخابيا خلال الاستحقاقات المقبلة .

العثماني الذي يعيش أحلك أيام تاريخه السياسي ، بعدما أثبت أنه الرجل القوي داخل الحزب لفترات ، في وقت فضل “بنكيران” المتواري عن الأنظار ، الانزواء و مقاطعة أنشطة الحزب الرسمية كتعبير عن امتعاضه من وضعيته التدبيرية داخل الحزب التي طويت مع خروجه من قيادة التحالف الحكومي القائم في انتظار ما ستحمله الأيام المقبلة من مفاجآت قد تعيد خلط الأوراق في حزب كان الغفراز المنطقي للعاصفة التي هزت العالم العربي و جعلت الأحزاب ذات مرجعية “الإخوان المسلمين” تصعد لإدارة دواليب الحكم في العديد من الدول العربية و ضمنها المغرب ، كخلاصة لربيع عربي مخدوم .

تطورات الأحداث التي يعيشها المشهد الحزبي و السياسي داخل المغرب بعد أن اعتمد الحزب كحصان طروادة لتمرير أخطر المشاريع التي مست الوجود الاجتماعي للفئات الفقيرة التي شكلت قاعدة الحزب ، و غض الحزب الطرف عن تراجعات خطيرة سجلت في عهده في مجالات الحقوق و الحريات ، وصولا إلى التطبيع مع إسرائيل .

استهدافات شكلت قنبلة موقوتة في خاصرة الحزب قد تعصف بما تبقى من وحدة الحزب ، المعطلة إلى حين ، علما أن رموزا قيادية داخله خرقت حاجز الصمت و الطاعة و الولاء الأعمى لتصدع ضد سياسات الحزب و نهجه الانبطاحي لمخططات استعصى على الحكومات السابقة التي اعتبرها الحزب سلطوية و فاسدة تمريرها حفاظا على الاستقرار الاجتماعي .

المؤشرات على ذلك كثيرة ، مدخلها الصراع من السيطرة على الأذرع الدعوية المرتبطة بالحزب ، كما حصل في انتخابات “مؤسسة عبد الكريم الخطيب للفكر و الدراسات” و التي حاز “سعد الدين العثماني” على قيادة مركبها ، و وزع باقي المهام على أتباعه الأقرباء ، الشيء الذي لم يرق لمعارضيه المحسوبين على الزعيم السابق “عبد الإله بنكيران” ، الذي قاطع الاجتماع لعلمه المسبق بالتقسيم الغنيمة ، خاصة و أن أنصار “بنكيران” امتعضوا من سلوك “العثماني” المكرس لسياسة الإقصاء .

ربما كان خروج “بنكيران” من دائرة الصمت التي لازمها لفترة ليست بالقليلة ، و إطلاقه النيران على “العثماني” و تأكيده على عزمه مغادرة الحزب ، من خلال شريط فيديو مسجل ، بمبرر ما أسماه “الفضيحة” ، التي ارتكبها سعد الدين العثماني و فريقه بمجلس النواب ، حسب قوله ، بل وصل به الأمر حد التهجم على الحزب و قيادته بقوله إنه لا لا يشرفه الانتماء إلى حزب صوتت أمانته العامة على إسقاط العربية من تدريس العلوم ، و تعويضها بالفرنسية ، ضدا على مرجعية الحزب الإسلامية ، فيما يمطن أن يشكل مدخلا للطلاق السياسي بين الرجلين و ربما الذهاب إلى تأسيس حزب “إسلامي” جديد ، خاصة مع استعصاء إيجاد خيوط ناظمة تقرب الرجلين القويين داخل الحزب .

تناقضات الحزب لا يمكن قراءتها سياسيا على اعتبار تناقضات التصريحات التي يدلي بها مسؤولو الحزب ، و التي تذهب حد التعارض ، خاصة في مجال التطبيع مع “إسرائيل” ، بل أن الأمر أبعد من هذا يتعلق بحرب تقسيم “غنائم” بين الأركان المكونة لقيادته ، و هو ما يمثل إفلاسا شعبيا و مذهبيا لقناعات الحزب و مرجعيات التي عرتها عواصف التنازلات التي ضربت كل مقومات عيش المغاربة ، و رهنت المغرب في أحضان المؤسسات المانحة من خلال إغراق البلاد في مسلسل الديون المتجددة،  و تسجيل تراجع خطير في مجال حقوق الإنسان و حرية التعبير و الصحافة .

ولعل جلسات المجلس الوطني للحزب قد عرت هاته التناقضات بعد مباركة القيادة للتطبيع ، مع انسحاب بعض أعضاء مجلس من جلساته، فيما فضل آخرون و ضمنهم “بنكيران” عدم الحضور بالمرة .

تناقضات وجدت التعبير الطبيعي لإعصارها في لقطة “بكاء” سعد الدين العثماني أمام عدسات الكاميرا ، للتنفيس عن الحالة النفسية التي يعيشها و التي يعلمها من خلال معاشرة مرضاه .

فهل يستطيع “البيجيدي” إعادة لحمة أركانه أم أن لعبة “الغنائم” التي تفرق أركان قياداته ستنهي كل أحلامه الوردية التي زفها لمناصريه ، لتتعرى الحقيقة التي لبست ثوبا “إسلاميا” أمام قوة الرفض الشعبي لتوجهات الحزب الاجتماعية و الاقتصادية و الحقوقية و السياسية .

إفلاس سياسي لحزب اتخذ المرجعية الإسلامية وسيلة للوصول إلى الحكم ، و ليس لخدمة مصالح الشعب المغربي ، خاصة الفئات المحرومة منه ، التي لطالما استفز الحزب نوازعها الدينية للتصويت على الحزب انتخابيا ، و التي تعرت مع مرور الأيام ، لتتفجر صراعاته مباشرة بعد وصول أعضائه للمناصب و حصولهم على الامتيازات .

“عبد الإله بنكيران” ، و وسط جمع من المشيعين لجنازة أحد معارفه ، عاد لخطابه الدعوي الذي استنفد مهامه ، و دعا الحاضرين إلى “الرجوع إلى الله” ، فهل هي صحوة ضمير ، أم إعادة ترتيب الأوراق من جديد ؟ الأكيد أن الحزب يعيش حالة تلخبط شامل .

العثماني الذي وقع التطبيع ، يقول أنه لن يزور “إسرائيل” ، و وزراء الحزب تائهون في كل الزوايا ، و شبيبة الحزب أعلنت العصيان ، و “بنكيران” يخرج بفتوات لا يفهم مدلولها إلا هو ، حيث قال لإخوانه أثناء التشييع “يا أبناء الحركة الإسلامية ، لم نجتمع لنصبح ميسورين و لنا الأموال و المناصب ، لم نأت لهذا الغرض . محبة الله و الإسلام و القرآن هي التي جمعتني في البداية و ليس حب المناصب . لا يجب علينا أن نتغير . خذوا المناصب و استفيدوا من الامتيازات ، لكننا لم نأت لأجل هذه الأمور” ، و أضاف أن “المعركة لم تنته ، بينما البعض منا منشغل بالمناصب و النساء و الأموال ، صحيح هذه أمور ضرورية ، و لكن لا تنسوا الدعوة التي جمعتنا” .

مواقف تحمل تناقضات ، الجامع فيها هي لغة الكراسي و المصالح و التي تبقى القيم المبشر بها وسيلة لإلهاء الفقراء من أبناء الشعب المغربي المقهور و المحروم بجنات فردوس يوم القيامة ، دفاعا عن المصالح و الامتيازات و لا شيء سواها و التي عكستها تمرير أخطر المؤامرات التي تستهدف جيوب المغاربة على يد “بكيران و العثماني” و “إخوانهم”.

التعليقات مغلقة.