أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

تقلب علاقة أنقرة و القاهرة هل هي لغة مزاج أم صرخة مصالح؟

محمد حميمداني

تبدل لهجة الخطاب بين كل من أنقرة و القاهرة 180 درجة، هي السمة الملفتة لمجمل تصريحات قيادة الصف الأول في تركيا، والذي فاجأ المتتبعين، خاصة وأن تلك العلاقات شهدت تصادما قويا على المستوى الليبي وتهديدا صريحا من القاهرة باستعمال القوة إن تم تجاوز الخطوط الحمراء في الأزمة الليبية ، و هو ما ذوب فتيل التوثر لصالح الحوار، وبالتالي تقلب الخطاب السياسي لأنقرة مع انحسار بوابات المساندة لأنقرة في صراعها ضد اليونان.

صحيفة “​نيزافيسيمايا غازيتا​” الروسية أشارت الى أنه “مع اقتراب جولة المحادثات المقرر عقدها في 16 من مارس لجس النبض مع ​اليونان ​، بشأن الوضع في شرق ​البحر المتوسط​ ، تحاول ​السلطات التركية​ بنشاط إحداث انقسام في معسكر الدول الإقليمية الداعمة لليونانيين في النزاع على ​الحدود البحرية “.

فهل الأمر يتعلق بالفعل بلعبة قلب الأوراق و تبادل الأدوار في سوق الصراع المشتعل على النفط و المصالح في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وانحسار معسكر داعمي أنقرة، الشيء الذي أدى إلى عزلتها في الصراع مع أثينا وبالتالي في شرق المتوسط.

وضع حاولت الصحيفة مقاربته من خلال عنوان مثير “أردوغان​ يحاول إيصال صراخه إلى ​القاهرة​”، ضمنه الكاتب “إيغور سوبوتين” أن “​تركيا​ غيرت بشكل ملحوظ تكتيكات سلوكها، فأطلقت مزيدا من التصريحات حول “استعادة” وشيكة للاتصالات مع هؤلاء اللاعبين الإقليميين الذين يشكلون جزءا من المعسكر المؤيد تقليديا لليونان، والذي يشمل مصر و ​المملكة العربية السعودية​ و​الإمارات العربية المتحدة​ و ​فرنسا…​، المرشح الجديد للتقارب هو القاهرة التي خفضت مستوى العلاقات مع ​أنقرة​ قبل سبع سنوات”.

واعتمد المؤلف في بناء تحليلاته على تصريحات “تشاووش أوغلو” الذي لم يستبعد  إمكانية توقيع اتفاق مع القاهرة بشأن ​ترسيم الحدود​ في البحر المتوسط، مهد له من خلال خطاب دبلوماسي منمق وجه في اتجاه القاهرة، من خلال الإشارة إلى أن الجانب المصري تعامل باحترام مع الحدود الجنوبية للجرف القاري لتركيا.

تصريحات عكست تحولا جوهريا في مستوى الخطاب التركي لصالح المزيد من التقارب مع القاهرة عكس الخطاب القديم الذي كان يحمل نبرة تحدي وقطيعة، موقف تقابله القاهرة بنبرة حازمة وصارمة اتجاه أنقرة داعية إياها إلى التطبيق وليس تصدير الأقوال، ومطالبة إياها لإثبات حسن نواياها والتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول وسحب قواتها المسلحة من ليبيا، والذي اعتبرته شرطا لتطبيع العلاقات بين البلدين.

البعض اعتبر توجهات أنقرة مجرد مناورة موجهة في اتجاه الاتحاد الأوروبي المنقسم على شكل الرد على أنقرة، وقمته التي ستنعقد في نهاية هذا الشهر.

اتصالات لم تؤكدها أو تنفيها مصادر البلدين، باستثناء تصريحات صادرة عن الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، حول ما أسماه “تعاون استخباراتي” بين البلدين، جاءت لتفادي الصدام في ليبيا وشرق المتوسط، وسرعان ما تحولت قنوات الاتصالات هذه إلى محاولة لتحسين العلاقات وليس فقط “منع الصدام”، وانتقلت للبحث في إمكانية التعاون المشترك في الملف الليبي، وإمكانية توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين البلدين، حيث انتقلت الاتصالات من المستوى الاستخباراتي إلى المستوى الدبلوماسي المنخفض.

فعلى الرغم من خفوت لهيب التصريحات السياسية الحادة بين البلدين خلال الأشهر الأخيرة، وحديث أوساط تركية عن وجود ما أسمته قنوات للتواصل الدبلوماسي المنخفض التمثيل، إلا أن ما يمكن استنتاجه من كل ذلك أن كل تلك الخطوات “لا زالت في مرحلة بناء الثقة والقيام بخطوات لتخفيف التوتر ولم تصل بعد إلى مستوى سياسي متقدم يتيح التوصل إلى أي تفاهمات أو اتفاقيات في الملفات العالقة بين البلدين”.

البعض ربط هذا الانفتاح والتحول في العلاقات بين البلدين إلى محور أكبر وأبعد لتحسين العلاقات بين تركيا من جهة والسعودية والإمارات ومصر من جهة ثانية، وهو ما يمكن تلمسه من خلال ما يمكن ملاحظته من “خفوت و تهدئة إعلامية” بتوجيه رسمي بين البلدين.

التقارب السعودي التركي فرضه التغير الذي طال المشهد السياسي الدولي مع وصول “بايدن” لدفة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو تغير فرض تقاربا بين أنقرة والرياض، كان من ثماره الاتصال الهاتفي بين كل من أردوغان و الملك سلمان، وما تلاه لاحقا من لقاء على مستوى وزيري خارجية البلدين.

القاهرة بعثت بعدة رسائل تروم الدفع بتحسين علاقاتها بأنقرة إلى أبعد مدى، من مناقصة البحث عن الطاقة الهيدروكربونية في شرق البحر المتوسط، والتي لوحظ من الخرائط التي نشرتها القاهرة أنها أخذت بعين الاعتبار حدودا للجرف القاري يراعي الرؤية التركية، كما أنها لم تتضمن المناطق التي شملها اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع اليونان، ذات الطابع الخلافي مع أنقرة، في خطوة فتحت الباب واسعاً أمام الكثير من التكهنات حول مستقبل العلاقات بين الجانبين.

موقف تلقفه وزير الخارجية التركي “مولود جاوش أوغلو”، يومه الأربعاء، مؤكدا على أن القاهرة أبدت احتراما للحدود الجنوبية للجرف القاري التركي، في الوقت الذي وقعت فيه اتفاقا مع اليونان عام 2020، مشيرا إلى أن “مصر تواصل أنشطة الاستكشاف الزلزالي داخل جرفها القاري دون الدخول في الجرف القاري التركي” معبرا عن ترحيبه بذلك.

وما يزكي هذا الطرح هو نص الاتفاق الموقع مع اليونان المنشور بالجريدة الرسمية المصرية نهاية العام الفارط، والذي نص على تعيين الحدود البحرية بين القاهرة وأثينا، وتضمن الاتفاق ثغرات تعطي رسائل واضحة بإمكانية تعديله والتوصل لاتفاق آخر مع تركيا، علما أنه، وعلى عكس ما يروج الإعلام المصري، فإن الاتفاق مع اليونان “جزئي وليس كلي” وأنه “سيتم استكمال التعيين فيما بعد، إذ تضمن بندا يشدد على أن الاتفاق يمكن تعديله مستقبلاً، إذا دخلت إحدى الدولتين الموقعتين في مفاوضات مع دول أخرى تشترك مع الطرفين في مناطق بحرية”، في إشارة واضحة إلى تركيا.

وكانت مصر قد قررت مطلع سنة 2013 طرد السفير التركي في القاهرة وخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى القائم بالأعمال، وهو ما ردت عليه تركيا بخطوة مماثلة.

التعليقات مغلقة.