أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

الجنوب الشرقي المغربي رحلة روعة الفضاء و قسوة الإهمال و التذمير (الجزء الثاني) أسطورة الجمال و الفساد المغلف لفوضى المكان.

محمد حميمداني

طالما نستحضر الفضاء العام كمجال يحتوي أسطورة الجمال كبذرة للمجال الصحراوي المغربي المفتوح على امتداد التنوع واتساع الصورة، التي تعجز عن رسمها ريشة الفنان الحية من خلال الكثبان وفي أثون الواقع، الحامل لتقاسيم تنوع مشاهد سريالية لشروق الشمس وغروبها عبر تلك الكثبان الذهبية التي يقل وجود نظير لها، وبين واقع مريض زادت من فضاعة علته سلطة الأمر الواقع والتهميش وغياب المواكبة، مع سيادة لعنة المكان المزمهر ضد كل أشكال التكبيل من خلال سلاسل إقفال الآذان و الأعين عن حقيقة التدمير الفوضوي، وبالمباركة عبر لغة العميان الرسمية المغمضة جفونها عن ملاحقة مافيا تدمير جمالية المكان المسيطرة عليه بقوة “الشكارة” ولخدمتها بشكل مباشر أو غير مباشر، وطمس معالم المكان والقانون المنظم لسلطته والدفع بلغة العشوائية كمنهاج لإدارة الفراغ والإثراء الفاحش عبر قتل كل قيم الجمال، اعتداءات منظمة بالمشاركة أو إغماض العينين عن إيقاف نزيف الجراح المتحركة كما تتحرك الرمال لترسم سمفونية الحياة عكس ما يرسمونه من مآسي الموت اليومي للطبيعة وأكيد للإنسان وقوته المستدام لاحقا.

ضمن هاته الجيولوجيا التي تدعى “عرق الشابي”، بمميزاتها الطبيعية والاثنوغرافية والتاريخية الفريدة والمتفردة، الشاهدة على عراقة تاريخ اخترق الصحراء ليصل سفن البحر بسفن الصحراء من خلال القوافل والرحلات المنظمة التي تخترق صمت المكان لتحمل الذهب والعبيد من وإلى “تمبكتو”، في وقت كانت أطلال ضاحية الريصاني شاهدة على “سجلماسة” القرن الثالث الميلادي، التي كانت تعج بالحركة الذائبة لرحلات القوافل، ورسائل الحياة والبعثات الروحية التي غطت المجال، وفتحت أبواب مساجدها ودورها للعلم وأهله وخلانه كما دونت ذلك كتب “ابن بطوطة”، و”أيون الأفريقي”.

وما يزكي هذا التناغم البيئي هو قدرة الإنسان في تلك المناطق على التأقلم مع ظروف المناخ، وصنع تجربة إنسانية عصية على المصادرة، صامدة منذ قرون، متأقلمة مع مختلف الظروف والأوضاع، متمسكة بنمط الحياة الذي اختارته أسلوبا لعيشها.

ولعل من جود القدر أن من الله على المنطقة كنزا كبيرا أمدها بمقومات الحياة من جديد بعد انهيار طرق التجارة القديمة، وهو الأمر الذي قلب موازين التهميش الرسمي والطبيعي إلى أداة قوة في الطبيعة، وليس في الواقع الرسمي المفرغ قانونيا أو المعلق تطبيقيا لصالح قتل كل ما يضمن الغد وإشراقة شمس المكان، فالمنطقة تشكل، كما قال رئيس الجماعة الترابية “الطاوس”، السيد “بورشوق أحماد” في حوار مع الجريدة سينشر لاحقا، “موقعا استثنائيا يجب أن يعالج بموقف استثنائي ووفق قانون خاص لإدارة وضع خاص و بميزانية خاصة”.

وبالرجوع إلى الوقائع التي استقيناها من عين المكان فإن الساكنة بالفعل قد وجدت متنفسا من خلال الرمال الذهبية، وهو ما مكنها من الحصول على دخل قار، حول نمط عيشها القاتم السابق، في رحلة البحث عن الشغل، وحالة الهجرة والفرار شبه الجماعي من المكان الموسوم بالفقر والتهميش والإهمال الرسمي والمؤسساتي، مع ضعف البنى التحتية العامة من طرق ومجاري الصرف الصحي والمياه والكهرباء وكما قال رئيس المجلس الجماعي “الطاوس” “قبل سنة 1996 لم يكن هناك أي شيء…، الساكنة لم تكن تصل نسبتها إلى حدود 4000 نسمة سنة 2004، لتقفز بعد ذلك سنة 2014 إلى حوالي 8000 نسمة”.

لقد حققت الطفرة السياحية المرتبطة بالرمال والسياحة الاستشفائية، من خلال حمامات الرمال التي تبقى ذات طابع موسمي، أو بالسياحة الإيكولوجية والرياضية والاستكشافية والتي تستمر على مدار السنة، هبة طبيعية مائة في المائة، وهو ما يستوجب الحفاظ على هذا المورد الدائم الضامن لكنز البقاء والاستمرارية، ولكن في حرب بلا هوادة مع كل قيم القتل الرسمي منها والفوضوي المنتشر على طول الرمال والذي تلمسناه ميدانيا من خلال الرحلة، يجب التحول إلى الواقع والبحث عن كل الحلول الممكنة لضمان الحياة، وتجند المؤسسات الرسمية لقطع ذبر الفوضى التي تعشش في المكان، وتجاوز منطق “بيع الوهم و اللعب على وثر السذاجة” كما صرح بذلك السيد رئيس الجماعة الترابية.

إن المطلوب هو الاستثمار في الرمال من خلال المحافظة عليها، وإعطاء صورة تليق بسمعة المكان والإنسان المرتبطين بهذا الفضاء، والتي مكنت المنطقة من الاستحواذ على حضور واكتساح شامل وعابر للمكان داخليا وحتى خارجيا من خلال المصداقية العلاجية المؤكدة لرمالها والتي جعلتها مقصداً لآلاف الزوار ومن مختلف البقاع والأصقاع، وما تذره من رواج على قطاعات عدة رديفة لهذا النشاط الذي يشتغل في الصيف من خلال دورة اقتصادية متواضعة تتغذى من ينابيعها أسر على إيجار البيوت والغرف وتسويق المنتجات المحلية من صناعة تقليدية وأزياء صحراوية وأكسسوارات عتيقة، ورحلات محمولة على ظهور الجمال والإبل عبر التلال والربى الساحرة، التي يتغير لونها من الذهبي اللامع إلى البرتقالي، حسب وضعية الفضاء وحركة الشمس في تعاقب الشروق والغروب، والرياضات الميكانيكية وسباقات السيارات الرباعية الدفع، وقوافل الدراجات النارية التي تمخر عباب الكثبان الرملية في مغامرات قل نظيرها ويستحيل أن تنسى أو تمحى من الذاكرة، وهو ما يجعلها قبلة دائمة للسياح من كل الأصقاع والبقاع، بما يخلقه كل ذلك من سلاسل انتعاش لدور الضيافة والفنادق المتفاوتة الدرجات والخدمات، وبأسعار معقولة، عكس باقي الوجهات السياحية التقليدية في المملكة.

يقول “سفيان بشر”، صاحب فندق “قصر الصحراء” بمدينة أرفود، وعضو المجلس الإقليمي للسياحة بالراشيدية والمجلس الجهوي للسياحة بجهة درعة – تافيلالت، وهو يعرض الإمكانات الكبيرة التي تتوفر عليها المنطقة، والتي تجعلها قطبا سياحيا أساسيا في الاقتصاد المغربي، الذي يتجاوز القطب التقليدي المقدم لخدمات البحر والذي يشهد تناقصا أمام المنافسة الشرسة في هذا المجال، أن المستقبل هو لسياحة الرمال التي تطورت بشكل ملفت مسجلة الأوج خلال موسمي 2018 و2019، وكل ما يعوق التنمية هو المواكبة من طرف كافة المتدخلين في المجال وتقديم الإغراءات من أجل التنمية وتجاوز منطق اللوبيات في التعامل مع الواقع السياحي، لأن الأمر يتعلق بالاقتصاد الوطني وليس بجهة درعة – تافيلالت فقط، أي أن المطلوب هو التوفر على الروح الوطنية في التعامل من أجل البناء وخدمة الوطن والمغاربة، وتجاوز منطق صم الآذان من طرف المسؤولين وترتيب المؤسسات الفندقية التي لم يتم تفعيلها لأكثر من 10 سنوات مما يعطي صورة تسويقية مشوهة تضرب في العمق السياحة وتصيبها بمقتل.

التعليقات مغلقة.