أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

كورونا الوباء القاتل للإنسان وللاستقرار العام.

محمد حميمداني

طال أمد كورونا، وطال الإغلاق، والاقتصاديات العالمية إن لم تكن قد انهارت، فهي في طريق الانهيار التام، والتعافي الاقتصادي المنتظر مع عودة الدورات الاقتصادية نتيجة اللقاح و آثاره العلاجية ليس للحد من الوباء، ولكن للحد من المزيد من الانهيار الاقتصادي، لكن الآفاق العامة لا توحي بتعاف وشيك على الأقل خلال الأمد القصير والمتوسط، بل أن النتائج قد تكون خطيرة وكارثية، وتهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي للعديد من النظم على الصعيد العالمي.

المؤسسات المالية العالمية وصفت طول أمد الجائحة وآثارها على الاقتصاد العالمي بالنكسة غير المسبوقة، مشيرة إلى أن التعافي سيكون بطيئا جدا ومتباينا.

اجتماعيا، انعكس الوباء حرمانا وتفاقما للأوضاع الاجتماعية، واستفحالا لهذا الحرمان وللتباينات الاجتماعية بين أفراد المجتمع، بل أن هذا الحرمان ازداد بشكل فضيع لدى الفقراء.

الهاجس الأكبر لدى مجمل المؤسسات المالية العالمية والدول والشركات هو الوصول إلى تعاف اقتصادي أسرع وأعمق في إطار نظام اقتصادي عالمي أكثر قدرة على الاستدامة، وبما يحقق العدالة الوطنية والاجتماعية والإنسانية.

فكيف يمكن الحديث عن تحقيق الاستدامة الاقتصادية؟ إن المطلوب هو البحث عن تعافي شامل يبدأ من إعادة النظر في السياسات العامة الاحتكارية المهووسة بلغة الأرقام المكرسة لقيم القتل الإنساني عبر تدمير البيئة، إن المطلوب هو تحقيق الاستدامة المجالية الخضراء لفائدة تحقيق الاستقرار البيئي بما يؤدي إلى تحقيق التوازن المطلوب في المجال من خلال ضمان مستقبل صحي للمناخ والإنسان والاقتصاد.

إن الوضع الاقتصادي العالمي لا يبشر بالخير، والركود المسجل لن تزداد نسبه إلا إلى المزيد من الركود الاقتصادي العالمي، بل من الممكن أن يتعمق أكثر فيؤدي إلى انهيار تام لنظم مؤسساتية دولية، فهل ستتمكن تلك النظم من الصمود والابتكار؟

الأكيد أن ذلك هو من باب الطموح، لكنه رهان صعب ولن تتمكن الشركات والمؤسسات والدول من ربحه، لأن المطلوب خلق المزيد من الوظائف لامتصاص الآثار الاجتماعية الخطيرة التي أصابت سوق الشغل، عبر تحويل الأزمة إلى فرص حقيقية لتحقيق النمو الاقتصادي، وهو الرهان الصعب الذي يقتضي النجاح في التفاعل مع عنصري التكيف مع الأزمة و منع انتشارها من جهة، والحيلولة دون إصابة الدورة الاقتصادية بالسكتة القلبية، والعمل على إيقاف هذا الانهيار الجارف لكافة الاقتصاديات العالمية، وهو ما يظهر في الأفق، واحتواء هاته الصدمات ومنع انتشارها وضمان المساواة والعدالة في التوزيع بما يضمن الاستمرارية، من جهة ثانية، وهو ما لا نستطيع الجزم به، لأن كورونا أفرزت نمطا سياديا لا يعترف بالنظم الإنسانية، وهو ما توضح بجلاء في التهافت من أجل اللقاحات وترك دول الجنوب تغرف في الوباء كما في الفقر.

يشير تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية ، الصادر في يناير 2021، إلى أن التعافي سيكون ضعيفا، ويقر بأنه لن يؤدي إلى ناتج عالمي بمستويات أدنى كثيراً من مستويات ما قبل الجائحة فحسب، بل ربما قد يخرج عن السيطرة ويحمل مخاطر اقتصادية واجتماعية وسياسية عميقة يصعب السيطرة عليها، وهو ما أفرزته عملية توزيع اللقاحات وطرحها في السوق العالمية، إضافة إلى الاضطرابات الناجمة عن الديون المتراكمة والعسر في أداء أقساطها أو تحمل تراكمات أرباحها نتيجة الركود الشامل الذي يعيشه العالم ، خاصة ضمن اقتصاديات الأسواق الناشئة و البلدان النامية.

إن الوضع الاقتصادي العالمي موشوم بإيرادات هشة وغير مستقرة، على الرغم من نمو نمط جديد من الإيرادات المرتبطة بكورونا إلا أنها غير قادرة على تحقيق التوازنات ، كما أن الاستفادة منها خص دولا دون أخرى ، و المطلوب هو توجيه الاقتصاد نحو دائرة السلامة التعافي العام ، من خلال سياسة اقتصادية عالمية و ليس عبر السائد حاليا من التوجه نحو سياسات خاصة للحد من آثار الجائحة و لن نقول احتواءها.

إن المطلوب في الفترة الآنية العمل على تسريع توزيع اللقاحات، وبشكل عادل على الصعيد الكوني، وتخطي العقبات اللوجستيكية التي تواجهها العديد من البلدان النامية في الحصول وتوزيع اللقاحات، والدفع في اتجاه مساعدة هاته الدول على تخطي كل تلك العقبات، وإقرار سياسة فعالة لدعم و مساندة الأعمال والاقتصاد المعيشي بما يضمن انحسار الآثار السلبية، ولو في شقها الأولي، والقيام بإصلاحات كبرى لتجاوز منطق ضيق حيز المناورة المتاح من خلال السياسات المالية و النقدية المنتهجة ، و التي تبقى رهينة التقلبات التي يمكن أن تظهر في أية لحظة فتقلب ميزان الاستقرار لفائدة المزيد من الاختلال والسقوط.

الأرقام المقدمة تثير حالة من القلق الشامل مع صعوبة ركوب التحديات، حيث تشير إلى نمو في الاقتصاد العالمي قد يصل إلى  4 % سنة 2021، بعد الوصول إلى نسبة انكماش بلغت 4.3% خلال السنة الماضية، وهو الأعلى في خلال 150 سنة الماضية، والذي لم يفقه سوى الركود الذي صاحب الحربين العالميتين و فترة الكساد الكبير.

التوقعات الاقتصادية في مجال النمو و على الرغم من تكهناتها المتفائلة، إلا أن الغموض الكبير لا زال يكتنفه، نتيجة الخوف من توقعات فجائية قد تحدث، وضمنها حدوث ارتفاع كبير في عدد حالات الإصابة مما سيؤدي إلى فرض المزيد من القيود على النشاط، وبالتالي ضعف التعافي وتأخره لمدة طويلة، في ظل نمو عالمي لم يتجاوز 1.6%، إضافة إلى عجز السلطات عن احتواء الضغوط المالية و حالات التخلف عن أداء الديون، إذا تم اعتماد سياسة مالية أكثر تشددا، وهو ما يمكن أن يعجل بوقوع أزمات مالية عالمية، وبالتالي حدوث انهيارات اقتصادية بتبعاتها المختلفة الاجتماعية، وحتما آثارها على الاستقرار السياسي للعديد من الدول.

وضع ممكن أن تساهم في التخفيف من آثاره التذميرية، في ظل عدم القدرة على الإجابة الاجتماعية، سيادة نظم الحوكمة ودمقرطة مناخ ممارسة الأعمال، وانتهاج سياسة تقوم على تعزيز فعالية الإنفاق على رأس المال البشري والمادي، وانتهاج سياسة أكثر مرونة في الاقتصاد، والاستثمار في مجالات البنية التحتية الخضراء التي تدر عوائد اقتصادية مرتفعة.

 

التعليقات مغلقة.