أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

في حوار حصري مع منعشين سياحيين و فاعلين جمعويين “هل لدى السلطات يد مع هاته المؤسسات العشوائية ؟” 

محمد حميمداني

استكمالا لجولة حواراتنا المواكبة لزيارتنا الميدانية لمناطق من الجنوب الشرقي المغربي، في رحلة اختراق العمق التاريخي للمنطقة والكشف عن المؤهلات والمعيقات التي تحول دون تحقيق الإقلاع الاقتصادي والتطور الاجتماعي، واستثمار الموارد المتوفرة، خاصة في المجال السياحي بما يخدم التنمية و التنمية المستدامة، والمدخل هو القطع مع كل أدوات التهميش والتدمير الممنهج للوسط السياحي، وبالتالي قتل استدامة هذا المورد الطبيعي الهام، الذي أحدث نقلة هامة في تاريخ المنطقة، خدمة لتحقيق المزيد من الأرباح على حساب المكان و الفضاء والاستدامة.

في هذا الباب كان لنا لقاء مع فاعلين جمعويين، ومنعشين سياحيين بمنطقة مرزوكة، قلب المنطقة السياحي النابض بالحياة والصارخ من وجع القتل المتعمد لهاته الحياة، والأمر يتعلق بكل من “لحسن السكاوي”، صاحب مشروع منزل مرزوكة”Maison Merzouka، Guest House” رئيس الجمعية المهنية للصناعة الفندقية بمرزوكة سابقا، و “لحسن آيت باحدو”، صاحب وحدة “بانوراما”، ورئيس سابق لنفس الجمعية خلال الفترة الممتدة من 2015 وإلى غاية 2020.

بدءا سألنا “آيت باحدو” عن سبب عدم تجديد مكتب الجمعية لتقوم بدورها التنموي من جهة ولتدافع عن المهنيين وعن الإمكانات المتاحة في المنطقة خدمة للاستدامة؟ فأجاب أن فسخ الجمعية أتى نتيجة لأننا لم نجد الإدارة إلى جانبنا كمهنيين معترف بهم، بل وجدنا إدارة ليس لها حتى إرادة تطبيق القانون 14 – 80، المتعلق بالمؤسسات والمآوي السياحية، حقيقة لا نعرف لماذا؟ بل أننا نتساءل، هل لهم يد مع هاته المؤسسات العشوائية؟ كيف يعقل أن تكون العشوائية هي السائدة كلغة رسمية، راسلت السيد وزير الداخلية في موضوع توفير الإمكانات للأمن من أجل حسن أدائه لمهامه، والمجلس الإقليمي للراشيدية خصص أربعة دراجات رباعية الدفع لفائدة مصالح الدرك الملكي بمرزوكة، بهدف الحد من العشوائية، لكن الواقع على الأرض يؤكد بأن العشوائية والفوضى هي السائدة.

“لحسن السكاوي” أضاف أنه لو تصفحنا موقعي ” Booking و Expedia” سنجد 431 مؤسسة موجودة على الموقعين، والحال أن المؤسسات المرخص لها لا تتعدى 102، فيما المصنفة منها والمعتمدة لدى وزارة السياحة فهي لا تتعدى 56 مؤسسة، فلنقف عند حدود 102 المرخص لها من طرف المصالح الجماعية فقط و نقارنه بالرقم المنشور والذي يصل إلى 431، فهذا معناه تواجد سيل من المؤسسات العشوائية في المنطقة غير خاضعة لا للقانون ولا تقدم ضرائب و غير خاضعة لسلطة الرقابة في سياقها العام.

وتوضيحا لنفس النقطة أشار “آيت باحدو”، أن عرض المشكل على وزارة السياحة في كل مرة كان يقابل بالتهرب من تحمل المسؤوليات في هذا الباب، علما أن المنطقة أصبحت مرتعا لوسطاء وهميين، فهل عجزت الإدارة عن مجابهة هاته الإشكالات وزجرها بما تشكله من خرق للقانون و تهرب من الأداء الضريبي بل و تهديد لأمن وسلامة وطمأنينة الزوار و السياح، إن الإشكال والمعادلة الصعبة التي نعيشها و التي لا نجد لها جوابا هي في غياب الإرادة لدى الإدارة ذات الصلة بالزجر.

يصرخ “السكاوي” مستنكرا، الوسطاء الفوضويون (Rabateurs)، أو بالأصح صائدي أو مطاردي السياح، يجب محاربتهم، يجب القطع مع كل أشكال الفوضى التي تسيء إلى المنطقة وإلى التنمية و الاستدامة، فهؤلاء الناس يشكلون خطرا ليس على مداخيل الدولة فحسب، بل على أمن الدولة أيضا، يجب القطع مع العشوائية في التدبير، إن الواقع بأمراضه يقتضي محاربة كل أشكال الوساطات الوهمية المنتشرة على نطاق واسع بالمنطقة، والتي تتم في واضحة النهار وعلى “عينك أبن عدي” ولا تحتاج إلى “ميكروسكوب” لترى وتعاين وتتابع وترصد، لأن المطلوب هو زجر كل المخالفات المرصودة، والتي لا تقل خطورة عن تهريب وتدمير الرمال، ولن يتحقق ذلك إلا بتوفر الإرادة في تطبيق القانون، ومحاربة كل أشكال الفساد.

المسؤولون يتحدثون عن سياحة “معيشية”، فأين هي هاته “المعيشية” ؟، يضيف “آيت باحدو”، ادخلوا إلى الرمال و عاينوا بأعينكم ، فنادق مقامة وسط الرمال مكونة من عدة خيام، يصل عددها لدى بعضهم أكثر من 100 خيمة، أهاته هي السياحة “المعيشية” التي يتم الحديث عنها، إنه قمة الضحك على الذقون، ما نريده هو تطبيق القانون فقط، وضعنا عدة شكايات في الموضوع لدى الجهات المعنية، و خاصة لدى السيد الوالي، وبالفعل تم عقد اجتماع جمع الوالي بالعمال والقياد، وتم التحرك و لكن ليس لاجتثاث الظاهرة المرضية التي تعشش في الرمال، بل لإزالة بعض الخيام و ترك أخرى، ولا ندري المعايير التي تم اعتمادها للتمييز على الرغم من أنها توجد وسط الرمال، إن المشكل و العائق الرئيسي الذي نعيشه هو غياب الإرادة الفعلية في التغيير و القطع مع الفساد و الفوضى و العشوائية التي تعشش في الفضاء و تصيبه بمقتل ، نحن مستعدون لتأدية كل ما يطلب منا لفائدة الدولة، ولكن في المقابل على الدولة أن تتحمل مسؤولياتها، وتضرب على أيدي الخارقين لمقتضيات القانون وبقوة، لأن هذا المرض جرثومي وخطورته لا تقل عن خطورة كورونا، إن المطلوب هو مجابهة هاته الخروقات وليس التهرب من مقارعتها تحت ذرائع متعددة و واهية، فعلى الوزارة الوصية تحمل مسؤولياتها في هذا الباب والانفتاح على المهنيين والاستماع لتفاصيل معاناتهم ضمانا للحق ولاستدامة هذا المورد السياحي كخادم لقاطرة التنمية المحلية والجهوية والوطنية.

“السكاوي” من جهته أوضح أن المطلوب هو تطبيق القانون على علاته، ووضع إطار قانوني للحد من سيادة الفوضى في مجال الخدمات المرتبطة بالرمال و الرياضات الميكانيكية، والتي تعتمد على ترخيص الوالي فقط ، والتي صيغت مذكرة تفاهم فيها سنة 2012 ولا زالت تنتظر تأشير الوالي من أجل التفعيل والتنزيل، فالمطلوب أكثر هو تحمل الدولة لمسؤولياتها و إلزام الآخرين باحترام القانون ومجابهة المتطفلين عن الميدان وبقوة، لأجل التنظيم الذي يرسخ الثقة أولا ويحمي المصالح و الحقوق ثانيا و يضمن الأمن للوافدين وللمؤسسات ثالثا، والدليل على ذلك هو أن مرزوكة هي المنطقة الوحيدة التي لا زالت تعرف رواجا سياحيا، وأن سيادة هاته الفوضى قد يستفيد منها بعض الذين لهم مصلحة في استمرارها، ولكن الدولة والمجالس الجماعية لا تستفيد من هاته الوضعية ، فلا وجود لقانون ملزم بالأداء، وفي نفس الوقت لم تعمل السلطات على ردع هاته الخروقات التي تجوب شوارع و رمال مرزوكة، والتي تشهد مداخلها على حركية الوسطاء الذي يعرضون الخدمات من خارج الضبط والضوابط القانونية على كل داخل لزيارة المكان.

“آيت باحدو” أضاف أن القانون يطبق فقط على من يحترمون القانون ويؤدون الضرائب للدولة و للمجالس الجماعية، و لا هم للمسؤولين الأضرار التي لحقت بهم نتيجة هاته الفوضى التي يعج بها المكان والتي تذمر البشر و الحجر و الرمال ، فهؤلاء الفوضويون و المتسترون عن ممارساتهم هم الفائزون في نهاية المطاف، فهم يحصدون 70 في المائة من الدخل العام الذي تدره السياحة بالمنطقة، وبطبيعة الحال كل ما يحققونه عبارة عن أرباح ما داموا ليسوا في وضعية قانون، ولا بأس من اعتماد أي أسلوب لتحقيق المزيد من الأرباح، و اعتماد أسلوب الجشع المدمر للبيئة و للإنسان ، فعن أية تنمية ، و أية استدامة نتحدث و الحالة هاته؟

“السكاوي” من جهته أشار إلى أن المسؤولية تقتضي وجود مسؤول يتوفر على الإرادة في العمل لصالح المغرب و المغاربة ، خارج كل الحسابات التي يمكن أن تكون مصلحية ، و هو ما سيمكن البلاد من الرقي ، فما لم نقطع مع كل الأدوات التي تعطل الوصول إلى هذا المنحى فلا يمكن أن نتحدث عن تنمية و لا استدامة و لا هو يحزنون ، التنمية مرتبطة بالإنسان ، و المدخل هو القطع مع كل الأشكال التي تعطل هذا المسار ، و أخطره الفوضى و العشوائية ، فنحن نؤدي الضرائب للدولة ، لماذا نؤديها إذن إن كانت الفوضى هي سيدة المكان و المجال ، فلنتحول كلنا إلى هذا المجال اللا قانوني و “نهنيو راسنا” من القانون الملزم لنا بالأداء للدولة.

نفس الفكرة زكاها “آيت باحدو” الذي قال بأن هذا ما استنتجناه من احتكاكنا مع الأجانب و السلطة و المهنيين ، فالمطلوب تطبيق القانون بصرامة و وطنية و القطع مع الجشع و ضرب كل أوكاره ، أي أداء الواجب المهني من قبل جميع المتدخلين الذين لهم علاقة بالمجال بمهنية عالية ، و وطنية صادقة بعيدا عن حسابات “الشكارة” و ما تدره من أرباح و لو من خارج السياق القانوني ، و الإدارة هي المسؤولة الأولى عن الوضع لما تتوفر عليه من أدوات قانونية لمنع التسيب ، و كذلك من وسائل زجرية للضرب بقوة و بصرامة على أيدي المخالفين و إجبارهم على احترام المقتضيات القانونية ، إسوة بما تقوم به هاته السلطات في مجال الحفاظ على الرمال ، يجب التصدي بقوة القانون و الزجر للمخالفات البيئية و القانونية المسجلة ، إن المطلوب هو محاربة كل أشكال الجشع ، و أداء الواجب بمهنية بعيدا عن لغة الخشب أو المصالح الضيقة التي يدار بها القطاع السياحي ، و تجاوز منطق المحاباة و “باك صاحبي” المعمول بها في التدبير ، و تسخير الإمكانات القانونية و الزجرية الممنوحة لأجهزة الدولة لقطع دبر الفساد، و اجتثاث المفسدين الذي يخربون بجشعهم المستقبل المشرق للمنطقة و الجهة و الوطن .

و فيما يتعلق بالوضع التنموي الذي تعيشه المنطقة ، و ما هو مطلوب القيام به في هذا الباب ؟ أكد “آيت باحدو” أن المطلوب هو تهيئة الأزقة و تقوية الشبكة الكهربائية ، و تعميم الربط بشبكة الوادي الحار ، و عموما تحمل الجميع لمسؤولياته كاملة للحفاظ على هذا الكنز الذي أعطاه الله عز و جل للمنطقة و استثماره عقلانيا بما يحقق استدامة التنمية على المنطقة وأهلها و الضرب بقوة القانون على يد كل مدمري الحياة وقاتلي القانون والتنمية .

و في سياق توجيه نداء من قبل المهنيين لجميع المتدخلين في القطاع للرفع من مردوديته و الحفاظ على عطاءه و مساهمته في التنمية و الاستدامة خدمة للتقدم و للرخاء ؟ أوضح “آيت باحدو” أن المحافظة على المجال هو الأساس و المطلوب ، و ليس الخيمة ، لأن هاته الأخيرة ليست هي التي أتت بالسياح إلى المنطقة كما قال أحد مرافقينا “الناس تأتي لرؤية الرمال و الاستمتاع بجمالها و جمال المناظر التي تسلب الأنظار ، و ليس للمبيت في الخيام و قضاء الحاجة في مراحيض 5 نجوم” و لكن الزبون أتى بغرض الاستمتاع أو الاستنفاع بمزايا الرمال و الواحات و الجو الصحراوي الفاتن و المنعش ، و لنأخذ مثالا من مناطق تنافسنا سياحيا و تجاورنا جغرافيا ، ففي “جزر الكاناري” يتم التفكير في منع حتى تصوير مشاهد “السيلفي” في إحدى المحميات الطبيعية ، فما بالك بال “موطار” و “الإسمنت” و “البناء” … ، بل و يتم فرض حتى ممرات خاصة للعبور في احترام للفضاء و للمجال ، منبها إلى أن مستقبل السياحة في المنطقة واعد و سيتوقف إن لم يتم التدخل العاجل و الحاسم لتدارك الوضع ، و تقنين القطاع و القطع مع كل الهوامش السلبية المغلفة بالعشوائية و الفوضى ، أي هيكلة القطاع جذريا ، بما يخدم التنمية و التنمية المستدامة ، مضيفا ،  “ما بقا ما يدار كلشي كايذمر ، و السلطة اللي من المفروض تعاونا تخلات علينا ، أنا دابا قطعت بطاقة السفر لإسبانيا ، سأرحل إلى هناك و لن أعود إن استمر الوضع على ما هو عليه ، عيينا من 2015 و احنا في الحرب من أجل المكان و الحفاظ عليه ، عيينا و السلطة خذلتنا” .

من جهته أكد “السكاوي” أنه ما لم يتم التحرك بسرعة لإيقاف النزيف فسيتم تحويل المنطقة إلى وجهة لسياحة أخرى غريبة عن صورة المنطقة، كما نشهده في مواقع أخرى كمراكش وأكادير، لتصبح قبلة للسياحة الجنسية بدلا من سياحة الاستجمام والتعافي، وهو ما لا يرتضيه أبناء و لا بنات المنطقة، إن المطلوب هو إحداث قفزة نوعية في نمط التفكير ، وفي التعاطي والتعامل مع الوضع السياحي ، من خلال نسج علاقات صداقة فعلية مع البيئة ، وأنسنة هاته العلاقات بما يجعلها خادمة للتنمية والتنمية المستدامة.

و فيما يتعلق بجواب عن سؤال الجريدة حول أشكال الترافع المزمع القيام بها لحماية الموارد السياحية الطبيعية التي تعتبر رأسمال المنطقة و إيرادها الفعلي ؟ أشار “آيت باحدو” أن هناك عدة خطوات مستقبلية سيتم القيام بها لدى جهات عدة من أجل الترافع عن هذا المورد الطبيعي الذي يتم تدميره أمام أعيننا و أمام صمت السلطات المسؤولة و التي تغض الطرف عن مجموعة من الخروقات التي يقوم بها أشخاص معروفون في المنطقة و لدى الساكنة و المهنيين و بطبيعة الحال فالأمر لم يكون مخفيا عن أعين السلطات التي تعرف كل كبيرة و صغيرة و الذين يقومون باستقبال السياح بشكل فوضوي و بدون رخصة تخول لهم هذا الامتياز ، و هم كل من (أ – ز بدوار الخملية ، أ – ح بتيهرايين و قلب الناس ، أ – س بمرزوكة الشرقية) ، إضافة إلى آخرين من حاسي البيض ، مرزوكة ، تناموست ، الخملية و تيغمرت ، و هي المرافعة التي وردت من خلال عرائض موقعة من قبل العديد من المهنيين و التي طالبت أيضا بتسريع تنزيل و تطبيق التنطيق السياحي للمنطقة ، و التي تتوفر الجريدة على العديد من الوثائق و العرائض و المستندات المرتبطة بالملف – القضية.

التعليقات مغلقة.