أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

دور المسجد لبناء نواة المجتمع الإسلامي وإعداد الرجال, المسجد الكبير بستراسبورغ فرنسا أنموذجا  

 

إن الحديث عن رسالة المسجد ودوره في ريادة المجتمع و تعليمه وبناء ثقافة الأمة شمولية، بات من الموضوعات الحساسة ذات الأولية و الجد المهمة من حيث نوعيتها و قيمتها ومكانتها وخاصة في ظل ظروف الثورة الفكرية الإعلامية الحالية و الحملة المسعورة المصوبة سهامها المسومة ضد المسجد لزعزعة استقراره ونفث السموم الهدامة لتشويه سمعته ومحاولة إبعاده عن الساحة بشتى الطرق و الوسائل , و منعه من أداء واجبه والقيام بمهامه المنطوة به منذ فجر الإسلام، الثورة التعليمية التربوية العلمية والفكرية والتي أحدثت تغيرات كبيرة في أذهان الكثير من المشككين لغاية المسجد ودوره الريادي الكبير المشاد به. 

تظهر أهمية المسجد في الدور التعليمي، التربوي، الفكري، التوعوي والتحسيسي, من خلال إبراز دوره التاريخي المتميز منذ بزوغ فجر الإسلام وقيام حبيبنا المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه وحرصه الشديد بأول عمل بناء المسجد بديار الغربة بقباء بالمدينة المنورة عشية هجرته. ويكون ذلك لمقارنته بالدور الحالي في الظرف الاستثنائي التي تمر به الدول الغير إسلامية في عقر دارها، وقدرته على المساهمة في حل معضلة المشكلة التربوية التعليمية، الفكرية وغيرها التي تعاني منها أغلب الجاليات الإسلامية بأرض المهجر عموما وبفرنسا ستراسبورغ خصوصا.

باتت المساجد والمراكز الإسلامية هي بمثابة ملاذ تربوي تعليمي ثقافي واجتماعي بالنسبة للمسلمين في ستراسبورغ، كوسيط جامع بينها وبين كافة المجتمع المسلم لمختلف الجاليات باختلاف ألوانهم وألسنتهم و جنسياتهم المتعددة والمختلطة.

في الوقت الذي فيه لمعظم الديانات مكان و زمان مخصص و معين للعبادة، إلا للدين الإسلامي الحنيف، له المسجد المفتوح على الدوام ولسائر الأيام، الذي لا يقتصر دوره فقط للصلاة والعبادة، فهو مركز شامل ومشعل إشعاع جامع ومنير لجميع فعاليات أطياف المجتمع برمته, كبير وصغير رجال ونساء شباب و فتية، للقيام بدوره الريادي في نشر الدين الإسلامي و تكوين شخصية المسلم ودوره في حياة الفرد والمجتمع.

ففي وقتنا الحاضر لا أحد يمكنه جهل ونكران دور المسجد في ديار الغربة بأرض المهجر بأوربا عموما  و بستراسبورغ بمنطقة الآلزاس فرنسا خصوصا منذ عشرينات القرن الماضي, في التربية والتعليم و التوعية و التحسيس و تنوير الناس، وتبيين الحقائق لعموم الناس لصورة الإسلام الصحيح ، وإسداء النصيحة والرشد وقت الحاجة ، وتنمية الفكر والمعرفة، وتحصين الشباب الجيل الصاعد عماد المستقبل مستلم المشعل , شباب الطليعة و حمايته من الغزو الفكري الثقافي الملغم بالأفكار الهدامة وتحصينه من براثنه الملوثة لبيئته الفطرية السليمة الصحية على نهج سلفه و خطى خلفهم، و تثقيته من كل داء ووباء معدي وفتاك وذلك بتوجيهه التوجيه السليم القويم وغرس أنواع التربية في نفسوهم و تعزيزها في قلبوهم تربية شاملة منهم التربية الإيمانية ,التربية الأخلاقية, التربية النفسية والسلوكية, التربية الصحية العقلية. العلمية والتربية الاجتماعية. برمتها كاملة غير منقوصة.

فدور المسجد أصبح أمر جد ملموس على أرض الواقع بكل شفافية ووضوح في عز النهار, معاش صباح مساء نهارا وليلا على مدار الساعة والسنوات، وظاهر للعيان على مرأى ومسع من الجميع، والحمد لله فالتاريخ يشهد ويحكي مسيرة تخرج عديد المشايخ والعلماء والفقهاء، والخطباء، والوعاظ والمقرئين.والقراء. من المساجد على مر العصور.

إن المسجد في وقتنا الحاصر أصبح جامعة كبرى  بكل فروعها, لإمداد المجتمع الإسلامي بديار الغربة بما يحتاجه في كل مجالات الحياة، لاسيما طاقة الشباب و الفتية اليافعين وفئة الطلبة والعلميين الجامعين, فيقوم إضافة لنماذج أنواع التربية السالفة الذكر, بالتربية الروحية للطالب ويهيئه للمستقبل الإيماني له بكل ثقة وصفاء سريرة بعيدا عن الكراهية و العنصرية و النفور والبغض و الحسد, في ظل حصن السلم و التعايش السلمي و قبول حسن الجوار وتمازج الثقافات والساكنة , فيقوم بالمواصفات الحديثة المطلوبة لإعداده ليكون عامل ارتباط الطالب بالمسجد وكلياته وجامعاته ومؤسساته ارتباط وثيق مبني على الصفاء و الإخلاص و الوفاء و الحب و المودة و الأخوة, كأهم عنصر من عنصر الحياة المجتمعية في آن واحد بعيدا عن أية مزايدة ولا مشاحنة.

ولكن لا يمكن أن يحقق المسجد الدور المرجو منه, حتى يكون على الصفة التي أراد الله له أن يكون عليها, كما كان في عهده النبي صلى الله عليه وسلم، ومن الصفة التي كان عليها المسجد في عهد الرسول، هو إضافة للجانب التعليمي التربوي، التحسيسي التوعوي من وعظ وإرشاد, هو إقامة سلسة الدروس العلمية  وحلقاتها النافعة، سواء الشهرية و الأسبوعية نهاية كل عطلة أسبوعية للسماح للجالية بالحضور و الانتفاع و الاستفادة من هاته الدروس و حلقاتها.

فلكل مسجد ظروفه وأحواله، ولكل قوم شأن خاص بهم، ففقد حدد اختيار الأوقات التي تناسب المصلين ورواد المسجد، لتقام الدروس في أوقات تسمح بالحضور بكل أريحية.

ومن بين هاته المساجد التي زرناها المسجد الكبير بستراسبورغ تلبية للدعوة المشرفة, أين تم استقبالنا بحفاوة و ترحيب من طرف السادة الأستاذ علا سعيد رئيس الجمعية و الأستاذ مصطفى ولقاضي أمين المال و الأستاذ طاهري سيدي محمد أحد رواد الحركة التنويرية التعليمية و التحسيسية و نشطاء فضاء المساجد أخرها كان نشاط إحياء ليلة القدر السابع والعشرون من رمضان لهذا العام 1442ه، من وراء الشاشات عبر وسائل التواصل الاجتماعي و منصة الزوم.

اخترنا المسجد الكبير بستراسبورغ , الذي يعد أكبر مسجد بفرنسا من حيث المساحة المخصصة للصلاة٬ دشن ودخل حيز الخدمة سنة 2012,

كأنموذج نظرا لأهميته ومكانته التاريخية وموقعه الاستراتجي وسط المدينة على ضفاف نهر الراين و خصائصه المتميز بها من فن وعمارة, و ارتباطه الوثيق بغالبية فعاليات أطياف المجتمع الإسلامي والغير إسلامي, ولجدية برامجه ونوعيتها و حسن انتقائها وجودة اختيارها لمواضيعه, بتشاور و إشراك الفئة المستهدفة ألا وهي فئة الشباب اليافع في مقتبل العمر و الطالب الطموح. 

ومن بين الأنشطة التي حاضرناها ودعينا لمشاركتهم فيها عشية يوم الأحد 23 ماي 2021 اليوم المختار لتمكين الجميع من الحضور بكل أريحية، فعاليات ختام سلسلة حلقات دروس مختصر الأخضري في العبادات في فقه الإمام مالك رحمه الله وجميع سلفنا برحمته الواسعة، بعد صلاة العصر وفي رحاب منبر المسجد وباحثه أفتتح فضيلة الشيخ خليلو سيلا إمام المسجد وخطيب الجمعة جلسة الدرس بالتعريف بفضية العلامة الإمام الاخضري أصيل مدينة بسكرة عاصمة الزيبان بالصحراء الجزائرية. وإشراك أحد الطلبة بداية قراءة المختصر ومنه تداول الطلبة والطلبات و جمع الحضور غالبيتهم من فئة الشباب حفظهم الله ورعاهم الرحمن. باقي القراءات باللغتين العربية والفرنسية لتمكين الجميع من الفهم و الشرح. تخللتها فقرات تفسير لفضيلة الشيخ.

جلسة علمية محكمة أثلجت الصدور وأسعدت القلوب وأنارت العقول وشنفت المسامع توصلت فيها القراءات متنوعة بين الجنسين بتنافس شديد وحسن انتقاء في مخارج الحروف بحرص شديد للغة الضاد لغة القرآن الكريم.

استغرقت الحلقة مدة الساعتين والنصف من الزمن ظل فيها الجميع بتابع بحرص شديد وإصغاء .أختمت بفقرة السماع الصوفي تكبير وتهليل في مدح الحبيب المصطفى صلوات ربي و سلامه عليه. وختامها مسك بدعاء شامل للصلاح و الفلاح .

وعلى الصور التذكارية والتحية و الشكر لفضية الشيخ و القائمين على الحلقة دعي الجميع للإستعداد لدرس جديد و حضور حلقات التعريف والتنويه بأعمال ومناقب فضيلة الإمام الغزالي رحمه الله وطيب تراه ونور قبره مستقبلا.

وعلى هامش الحلقة اغتنمنا الفرصة وإنفرادنا بفضيلة الشيخ خليلو سيلا لمحادثه و التعرف عليه و معرفة برامح الدروس و نشاط المسجد ودوره في القيام به, فرغم أجندة أعماله و ارتباطاته فرحب بنا و خصص بعض الدقائق من وقته الثمين وأجابنا بكل شفافية عن نشاط المسجد ودوره القيادي الريادي في التربية و التعليم و التنوير و التوعية والتحسيس لاسيما لعنصر الشباب , بحيث يقوم المسجد على مدار السنة رغم كل الظروف الصعبة و المعيقات بنشاطه الدءوب على الدوام في التعليم و ذلك بتخصيص يوم السبت مساء من الساعة الثانية 14س زوالا بعد الظهر للنساء والفتيات للتعليم القرآني وعلوم الدين برمته, كما خصص يوم الأحد صباحا بداية من الثامنة 08 إلى العاشرة 10 للتعليم القٍرآني و من العاشرة 10 إلى 12 الثانية عشرة لحلقات دروس الفقه المالكي لكلا الجنسين ذكور و إناث بحضور قوي يتراوح عددهم بين ستون 60 إلى 150 في الحلقة حسب المناسبات و العطل وتمكين الطبلة من الوقت.

كما أخبرنا بوجود مجلس خاص يسمى مجلس الشباب يقوم باختبار الموضوع الذي يرونه مناسبا لهم و لتطلعاتهم و حياتهم لتتم مناقشته في حلقة درس المسجد بكل شفافية وعلانية بمشاركة جميع الشباب الطموح . أين صادفنا بعض أعضاء مجلس الشباب برفقة الشيخ ( تلاميذ طلبة رفقة معلهم أستاذهم ) للنهل من معارفه و استفساره في بعض الأمور أين كان متجاوبا معهم لدرجة أنك تراه شاب في مقتبل العمر حفظه الله .

وبتعرفنا على بعض الشباب كان لنا حديث مختصر مع الطالب آنس ماجد أحد نشاط المجلس و رواد المسجد و من هواة القراءة و المطالعة، ومن العناصر التطوعية كونه يٍرأس جمعية ثقافية خيرية تطوعية بستراسبورغ  (  طموح شباب Ambition Jeunesse ) ترقبوها في بورتريه و ربورتاج خاص مستقبلا. 

 بقلم الأستاذ الحاج نورالدين أحمد بامون – ستراسبورغ فرنسا

التعليقات مغلقة.