أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

قبيل سقوط العاصفة قراءة في المشهد السياسي المغربي قبيل الانتخابات الجزء الأول

 محمد حميمداني

 عقب انتخابات الغرف المهنية لملأ 2230 مقعدا و التي ترشح لها 12 ألفا و 3836 ، و تفرعاتها لاختيار 12 ممثلا بمجلس المستشارين لاحقا ، و التي عدت مقياسا لجس نبض 900 ألف ناخب خلال هاته المرحلة ، و ما حملته من اكتساح “الحمامة” ، و اندحار “قاتل” لل “بيجيدي” خلالها ، و ما ينتظره المغاربة من تطلعات متفائلة بالمستقبل ، في ظل لغة الموت التي ترسمها جائحة “كورونا” ، و من طموحات ببناء مستقبل حي من خلال غد ديمقراطي تكون فيه الإرادة للشعب عبر صناديق الاقتراع ، و ما سجل من ضرب للديمقراطية في مقتل بالعديد من المدن المغربية ، و الترحال السياسي الشامل حتى لنخب وازنة ، في ظل غياب الشفافية و الديمقراطية الداخلية ، كل هاته و أكثر أسئلة تفرض نفسها في مقاربة الوضع الديمقراطي المغربي قبيل سقوط العاصفة .

 ما نلاحظه اليوم في سياق الأحداث المواكبة للاستحقاقات السياسية الكبرى التي سيشهدها المغرب خلال الشهر المقبل ، و ما تم تسجيله من أحداث هامة تقودنا إلى حقيقة التغيير نفسه باعتباره فعل إيجاب و ليس فعل إعاقة ، أي حصول إرادة في تحقيق هذا التغيير و العمل بكافة الوسائل الممكنة من أجل تجسيده واقعا ميدانيا و سلوكا مؤسساتيا و مجتمعيا يجب العمل على غرسه في تراب البنية الاجتماعية و السياسية في البلاد ، إنه تغيير شامل و صراع مفصلي يشاركه فيه الجميع ضد كل أنواع الفساد الفردي و المجتمعي و المؤسساتي .

 إن المأمول و المطلوب من خلال انغماسنا في هذا النقاش هو خلق تفاعل إيجابي مع الرهانات الكبرى التي ينتظرها الشارع المغربي ، و التي عبرت عنها الحركات الاحتجاجية التي تفجرت في 20 فبراير ، و ما تلاها من المصادقة على دستور 2011 ، و المطالب الشاملة بالتنزيل الفعلي لمضامين ذلك الدستور على أرض الواقع و القطع مع كل أدوات الفساد و إفساد المستقبل المغربي ، و القطع مع الانتقال السياسي الذي يشوبه “التردد” ، و الدفع بقوة نحو بناء مجتمع مدني حداثي ، و تنزيل نموذج تنموي واقعي و اجتماعي يحقق البناء الديمقراطي الحقيقي و يضمن الحريات الشخصية و يحقق الرفاه الاجتماعي ، كل ذلك لن يتأتى إلا من خلال تجاوز منطق الخطابة و التقليدانية في رسم معالم المستقبل و القطع مع أساليب الهيمنة و الإقصاء و الفاعلية الأحادية التي تسود المشهد السياسي العام المغربي ، و الذي تجلى في الوضع المأزوم حتى للنخب السياسية و حضور مفهوم الإقصاء و المصالح الضيقة على الحس الوطني و الديمقراطي ، و سيادة ثقافة العنف ، التي شهدناها خلال انتخاب الغرف المهنية بالعديد من المناطق المغربية ، و هو ما يعزز القناعة بضرورة تثوير القيم الأخلاقية و الإنسانية لتصبح مواطنة بالفعل و خادمة للمستقبل ، و تجاوز منطق التسليم بالقناع الديمقراطي لتحقيق أهداف ضيقة .

 إن المطلوب ليس عدد الهيئات المكلفة بالملاحظة المحايدة و المستقلة للانتخابات المقبلة على الرغم من أن الأمر يبقى مطلبا أساسيا ، و التي تم حصرها ، لحدود الأربعاء الفارط ، في 38 جمعية وفق ما أعلنت عنه ، أمينة بوعياش ، الأمينة العامة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان ، و لكن المطلوب هو العملية السياسية نفسها و تخليق المشهد السياسي بما يضمن نزاهة فعلية ، و حضور رقابي فعلي يقطع مع كل أشكال تلويث العملية و إعادة النظر في شكل العلاقة القائمة بين المجتمع و المؤسسات بما يعيد الثقة لهاته المؤسسات و العملية برمتها ، عبر محاربة كل أشكال الفساد و الريع السياسي ، و ترسيخ دور أفراد المجتمع الفعلي في البناء ، من خلال تكريس إحساس داخلي لدى كل مواطن بأنه هو المستفيد الفعلي من هاته العملية ، لا الفاعل المرحلي في ترميم جدران متآكلة البنيان .

 إن بناء التنمية الشاملة لا يمكن أن يمر إلا عبر شراكة فعلية و تجاوز منطق التنميط في بناء هاته العلاقة ، لأن المطلوب أكثر هو تحقيق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و العدالة المصاحبة لها بما يخدم مطامح عموم المواطنين ، لا حصرها في القالب و الديكور الانتخابي فقط و المؤسسات المتفرعة عنه ، و محاربة منطق ترسيخ “الزعامات” و “القائد ذا الكاريزمية المصنوعة” و العمل على العكس من ذلك على ترسيخ منطق المؤسسات الفاعلة و القادرة على تحقيق التنمية و تنزيل المشروع التنموي المتكامل .  

 إن المطلوب أكثر هو دور فاعل للمجتمع و لمؤسسات المجتمع المدني و الحقوقي بدل منطق “الوأد” و الاحتواء و التضييق الممارس ، لأن ذلك سيؤسس لفعل رقابي فعلي قادر على منع كل أشكال تشويه الانتقال الديمقراطي و البناء المؤسساتي الفعلي ، أي جعل هذا المطلب جزءا من البنية التحتية الأساسية لتحقيق التنمية بدل ترسيخ منطق تلافي الحرج السياسي و الحقوقي أمام المؤسسات العالمية لتجميل “القثامة” .  

يتبع ……………..

التعليقات مغلقة.