أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

مديرة مديرية الوثائق الملكية وذاكرة ندوة برحاب جامعة فاس

عبد السلام انويكًة

انفتاحا من مديرية الوثائق الملكية على البحث والباحثين والمؤسسات البحثية في حقل العلوم الإنسانية و الاجتماعية، وضمن رهان دمقرطة الوثيقة التاريخية الوطنية، نظمت رئاسة جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، بتعاون مع كلية الآداب والعلوم الإنسانية، سايس فاس، في مثل هذا اليوم من ربيع سنة ألفين واثنا عشر، قبل عقد من الزمن بالتمام والكمال، ندوة علمية تمحورت حول مؤلف تاريخي وثائقي توثيقي، صدر عن هذه المديرية، هو بقدر كبير من القيمة المضافة، والأهمية في علاقة بزمن وموقع بلاد وهوية مجتمع وتفاعلات وطن.

 

الإصدار الجديد المحتفى به في ندوة من ندوات أمس فاس، والموسوم ب”البيعة ميثاق مستمر بين الملك والشعب”، لمؤلفته الدكتورة بهيجة سيمو، مديرة مديرية الوثائق الملكية بالرباط، أثثت نقاشه ثلة باحثة جامعية عن المدينة، مع ما حصل من تقاطع تخصصات جمعت بين تاريخ وتراث وقانون وسياسة، فضلاً عن لقاء بين سلف بحث وخلف، وكذا مساحة ضيوف معبرة عن معاهد ومختبر بحث ومجالس ومؤسسات جهوية.

موعد علمي استضافته قاعة ندوات رئاسة الجامعة بفاس، كان مناسبة لقراءات ومداخلات استحضرت ما هنالك من أبعاد تاريخية، شرعية، دينية، قانونية، اجتماعية، ثقافية، ووطنية، لمسألة “البيعة” في تاريخ المغرب، تحديدا التي ارتبطت بالدولة العلوية على امتداد حوالي ثلاث قرون من زمن البلاد الحديث والمعاصر.

 

كتاب “البيعة ميثاق مستمر بين الملك والشعب”، مؤلف ضخم، بعدد هائل من وثائق تاريخية وطنية نادرة، كان موضوع قراءات علمية ومقاربات تقاسمها كل من: د.السرغيني فارسي، رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله، آنذاك، د.ابراهيم أقديم، عميد كلية الآداب، سايس فاس سابقا، د. عبد الوهاب التازي سعود، رحمه الله، عميد كلية الآداب ظهر المهراز، ورئيس جامعة القرويين بفاس، د. محمد مزين، رحمه الله، المؤرخ وعميد كلية الآداب، سايس فاس، ورئيس مؤسّسة لسان الدين ابن الخطيب للدراسات وحوار الثقافات، د. حسن زين الفلالي، د. محمد الأعرج، وزير الثقافة السابق عن كلية الحقوق بفاس، د. نجيب با محمد، د. سمير بوزويتة، المؤرخ، وعميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية حاليا، فضلاً عن الباحثين المؤرخين، د. محمد اللبار، و د.هاشم العلوي القاسمي؛ مع أهمية الإشارة لما أثث هذا الموعد العلمي من حضور نوعي، جمع بين أطر جامعية بتخصصات عدة عن كلية الآداب سايس، كلية الآداب ظهر مهراز، كلية العلوم الاقتصادية والقانونية والاجتماعية بفاس، هذا الى جانب حضور مساحة من طلبة الجامعة الباحثين عن سلك الماستر والدكتورة، والذين كانوا بفضل في إغناء نقاش علمي حول تيمة ومحتوى ونهج كتاب “البيعة ميثاق مستمر بين الملك والشعب”.

 

في كلمة افتتاحية له بالمناسبة، تحدث د: فارسي السرغيني، رئيس الجامعة آنذاك، عن قيمة وأهمية البحث العلمي بالمؤسسة الجامعية المغربية عموما، وعما هناك من إصدارات أكاديمية في عدد من المجالات والتخصصات، ومن مبادرات علمية من قبيل المؤلف المحتفى به، الذي اعتبره إنجازا بحثيا مشرفا  في حقل تاريخ المغرب، وأنه كموضوع ومضمون ومنهجية يعد مادة تاريخية لا غنى عنها، ليس فقط بالنسبة للباحث والمهتم بالشأن التاريخي، بل بالنسبة للمنظومة السياسية المغربية أيضا، مؤكدا أن ما أعدته الباحثة، بهيجة سيمو، هو بقدر عال من الأهمية لفائدة المؤسسات الجامعية المغربية والباحثين المغاربة، بمن فيهم الشباب الطموح لتوسيع وعاء الكتابة والبحث في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية والدبلوماسية، لِما يتوفر عليه الإصدار من حمولة وثائقية، بقيمة معرفية ودلالة عالية، من شأنها أن تكون بأثر في تجاوز بياضات، بل إعادة قراءة وقائع تاريخية عدة، ومعها كتابة تاريخ مغرب معاصر.

رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس اعتبر كتاب “البيعة ميثاق مستمر بين الملك والشعب”، إضافة نوعية لفائدة المكتبة المغربية، والخزانة الجامعية، لِما يحتويه من أصول معرفية تاريخية وطنية، قانونية، علائقية ودينية.

 

أما د. عبد الوهاب التازي سعود في حديث له بالمناسبة عن التاريخ المغربي وعن التفاعلات المرتبطة به، فقد استحضر المؤلف المحتفى به من خلال مناقشة مفهوم البيعة من الوجهة الشرعية في علاقتها بالمجتمع المغربي، ومن خلال القيمة الرمزية الاعتبارية للوثيقة وللتوثيق وللميثاق.

فيما انبرى د. نجيب با محمد في مداخلة له بالفرنسية، إلى استحضار مفهوم البيعة من الوجهة القانونية، مؤكدا على خصوصية المغرب في هذا الشأن، وعلى التباينات في الأنظمة السياسية تجاه التوازنات الاجتماعية والتشاركية في تدبير السياسة، ومعها الشأن العام. معتبرا النموذج المغربي نموذجا تاريخيا في تفاعلاته وتراكماته السياسية، معتمدا ومستشهدا في ذلك على إسهامات وكتابات عدد من الباحثين في المجال، كما هو الحال بالنسبة لعبد الله العروي.

 

من جهته اعتمد د. محمد الأعرج في مداخلته بالمناسبة أسلوبا جمع بين الراهن والتاريخ في المغرب من الوجهة السياسية، معتبرا الميثاق والبيعة جزء لا يتجزأ من الهوية المغربية وكيانها، وأن المفهوم لا يتوقف في حدوده النظرية ومعرفته المؤسسة، إنما في أبعاده الإجرائية كسلوكات وممارسات كان لها فضل تراكمات سياسية وحضارية تميز المجتمع المغربي عما هناك من تجارب، معتبرا كتاب “البيعة ميثاق مستمر بين الملك والشعب”، نقلة نوعية ليس فقط من حيث المضمون إنما من حيث الأساس الوثائقي الهائل الذي انبنى عليه، والذي يعد رافعة بخدمات معبرة لفائدة الطلبة والباحثين في كل التخصصات المعنية بالموضوع.

 

أما د. حسن زين فيلالي، رئيس المجلس العلمي لإقليم صفرو، فقد تناول في مداخلته مسألة البيعة، من الوجهة الدينية المحضة، ووفق ما تنص عليه الشريعة الإسلامية من مبادئ ضامنة للاستقرار وللحقوق وللواجبات وللمسؤولية، وقيم حضارية داعمة للبناء ولتقاسم مهام وأدوار على عدة مستويات.

وكانت الجوانب المنهجية والشكلية لهذا الإصدار العلمي هو ما توقفت عليه مداخلة د. محمد مزين، مستحضرا قاعدة الوثائق الضخمة التي اعتمدتها الباحثة لتحقيق عملها، مشيرا لِما جمع بين جهد وبحث وتوظيف لمادة تاريخية، معتبرا الكتاب دراسة متكاملة حول الدولة العلوية تم الاحتكام فيها بالدرجة الأولى لعنصر الوثيقة التاريخية، ولعل ما أثاره د. محمد مزين حول الكتاب ومسألة الكتابة التاريخية والوثيقة، جعله يقف على أهمية المخطوطات وما لها من قيمة علمية وتاريخية هامة بالنسبة للباحثين، بل أنه وفي سياق حديثه عن البيعة والمجتمع المغربي والسلاطين العلويين على امتداد حوالي الثلاثة قرون، اعتبر أن المؤلف جاء وفق بنيتين أساسيتين، أفقية، تعنى بالمجال المغربي وكيف كان يتم اعتماد وتدبير وترتيب البيعة واكمالها بحسب المناطق والقبائل مع كل مستجد سياسي وكلما دعت الضرورة، وبنية ثانية عمودية، ترتبط بالزمن منذ نشأة الدولة العلوية والى غاية اليوم..

 

أما د.سمير بوزويتة، رئيس شعبة التاريخ بكلية الآداب سايس فاس، فقد وقف في مداخلته حول مؤلف “البيعة ميثاق مستمر بين الملك والشعب”، على بنية علاقة بين ذاكرة مغربية جماعية ومفهوم البيعة كميثاق يجمع بين الملك والشعب. مؤكدا أنه عند قراءة الكتاب قراءة تاريخية محضة وعند التأمل فيما يحتويه من وثائق نادرة، تظهر سلطة هذا العمل العلمي لبهيجة سيمو في ترسيخ البعد الوطني. مضيفا أن الكتاب الذي يقوم على منهجية الوثيقة بالأساس في كتابة التاريخ، لا يعرض فقط للماضي المغربي عندما يطرح مسألة البيعة في السياسة والثقافة، بل يستحضر راهن المغرب السياسي المتحول ومعه المستقبل. مشيرا في السياق نفسه الى أن الكتاب بأسلوبه وتركيبته المعرفية والمفاهيمية، دعوة لمزيد من التفكير والتساؤل التاريخي حول مسألة البيعة في تاريخ المغرب، كخيط رابط لتفاعلات مجتمع ودولة مغربية منذ التأسيس الى الآن، فضلا عن البيعة كعنصر موجه للاصلاحات والمتغيرات السياسية التي ارتبطت ببناء المغرب السياسي على امتداد قرون من الزمن، وكميثاق مهيكل للزمن المغربي في علاقته بذلك الامتداد المجالي والحضاري والثقافي والروحي للدولة وللمجتمع المغربيين معا. مشيرا الى أن ما يعكس حقيقة ضخامة هذا الإنجاز العلمي، حجم الوثائق المتوفرة المعتمدة التي تدفع لتعميق الاعتبار العلمي للوثيقة في قراءة وكتابة تاريخ المغرب.

 

أما الاستاذة بهيجة سيمو، وفي كلمة ختامية لأشغال هذه الندوة، بقدر ما عبرت عن تأثر عميق بنوعية المداخلات، وبما ورد فيها من أفكار وإشارات علمية مفيدة جدا، بقدر ما اعتبرت مؤلفها “البيعة ميثاق مستمر بين الملك والشعب” دخول لمغرب دمقرطة الوثيقة التاريخية الملكية حتى تكون رهن إشارة كل الباحثين والمهتمين. هكذا كانت فاس ذات يوم من ربيعها قبل عقد من الزمن، على موعد مع مديرية الوثائق الملكية ومن خلالها مع ندوة مؤلف “البيعة ميثاق مستمر بين الملك والشعب”، لمديرتها بهيجة سيمو. ندوة بقدر ما طبعها من إيقاع علمي رفيع أثثه ثلة من الباحثين المتميزين، بقدر ما كانت مناسبة للاحتفاء بقيمة وقدرة وتميز المرأة المغربية العالمة الباحثة في حقل التاريخ والتراث والثقافة، وبوقعها وموقعها الاشعاعي الفكري داخل البلاد وخارجها.  ولعل الأستاذة بهيجة سيمو واحدة من المتخصصات المتميزات في تاريخ المغرب المعاصر، ومن خريجات شعبة التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز بفاس، قبل رحيلها صوب فرنسا اين حصلت على دكتوراه في التاريخ من جامعة السوربون بباريس، فضلا عن دكتوراه دولة فيما بعد من جامعة محمد الخامس بالرباط اين عملت أستاذة للتاريخ المعاصر بكلية الآداب والعلوم الإنسانية.

وغير خاف ما لمديرة مديرية الوثائق الملكية من مؤلفات رصينة متعلقة بتاريخ المغرب العسكري، وبالعلاقات المغربية الأجنبية، كما بالنسبة للعلاقات المغربية الإيطالية التي اغنت بها خزانة البلاد التاريخية.

ولعل الأستاذة بهيجة سيمو قد اهتمت بشكل بير بمجال الأرشيف، إن من حيث حفظه ونشره وقراءته أو من حيث سبل استثماره في الدراسات والأبحاث، وفيما يرتبط أيضا بمساحات الدبلوماسية الثقافية، من خلال أنشطة معارض ودراسات ولقاءات وتفاعلات داخل البلاد وخارجها، تعريفا وابرازا لِما للمغرب من عمق تاريخي حضاري وهوية ومكانة متميزة وحضور على امتداد قرون. 

 

مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث

التعليقات مغلقة.