أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

الدخول المدرسي بين آثار “كورونا” ورهانات النموذج التنموي الجديد: المعادلة الصعبة

بقلم / عبداللطيف امحمد خطابي



يعتبر الدخول المدرسي  عند كل بداية  موسم دراسي من أهم المحطات التي تعيد طرح الإشكالات والتحديات التي تعترض جميع فئات المجتمع من آباء وأمهات والقائمين على تدبير الشأن التعليمي على جميع المستويات، محليا ووطنيا ودوليا، نظرا لما تركته “جائحة كوفيد” من  آثار سلبية سواء على مستوى جودة التعلمات أوتعميق الفوارق بين المدن والأرياف، ونظرا للمستجدات الوطنية التي عبر عنها جلالة الملك عندما دعا إلى ضرورة إعادة النظر والتفكير في “النموذج التنموي الجديد” الذي صدر في أبريل 2021، مما أعاد بقوة توسيع دائرة الاهتمام بأغراض وغايات التربية من منظور اصلاحي جذري في بعده الاجتماعي والاقتصادي، وجعل الوزارة الوصية تعمل على ملاءمة مشاريع الرؤية الاستراتيجية 2015\2030 مع مستجدات المتغيرات السياسية بشكل عام.

 

لذا، ولتناول هذا الموضوع لا بد من إعادة الأسئلة المحرجة التي بدونها سنظل نتخبط في إعادة إنتاج، بل مضاعفة المشاكل والصعوبات التي لم تستطع الإصلاحات السابقة تجاوزها منذ اعتماد “الميثاق الوطني للتربية والتكوين”، وما تلاه من تنزيل لمشاريع “البرنامج الاستعجالي”، وصولا الى “الرؤية الاستراتيجية 2015-2030”.

 

إن سؤال تعثر الإصلاحات السابقة يظل سؤالا جوهريا يحتاج الى جرأة أدبية وعلمية لإبداء الآراء لا من موقع الأدبيات التربوية فحسب، بل بالاستعانة بدروس تجاربي خلال الممارسة الميدانية التي استمرت أربعة عقود في فضاء المدرسة المغربية.

السؤال الثاني، يتعلق بكيفية معالجة تعميق الفوارق التربوية التي كانت موجودة والتي زادت حدتها بعد انتشار الوباء في كل مكان، مما أحدث زلزالا  في المناهج والمضامين وأساليب التدريس وما يطرح كل هذا من تحديات.

وإذا كان تقرير النموذج التنموي يدعو الى مدرسة الإنصاف والجودة والتنمية فإن النموذج التربوي الذي عايشناه كرس الفوارق الاجتماعية وعمقها، ولم يستطع تحقيق الحركية الاجتماعية المطلوبة، وعمق الفوارق بين الطبقات الاجتماعية، بل زاد من نسب البطالة ومن مساحة التباعد بين التكوين وسوق الشغل، ناهيك عن  تدهور البعد القيمي والاخلاقي وتنامي مظاهر الزبونية والفساد الإداري في كثير من مرافق الخدمات العمومية، وبالتالي فإن تناول الموضوع لا يمكن الخوض فيه بدون ربط جميع الاقتراحات والمشاريع  والأفكار بالتربية على المواطنة الفاعلة والمسؤولة والتربية على حقوق الإنسان وفق روح الدستور المغربي الجديد، على اعتبار أن المدرسة العمومية هي المجتمع المصغر الذي يتعلم فيه التلميذ المواطنة الكاملة، وهي كذلك الرافعة الأساسية لكل تنمية حسب تاريخ وتجارب جميع الدول التي استطاعت ان تلج نادي الدول الصاعدة. 

 

أولا: مستجدات النموذج التربوي

يؤكد تشخيص لجنة “النموذج التربوي” على استمرار فشل المدرسة المغربية في تحقيق الإنصاف، وعدم تمكين ثلثي تلاميذ وتلميذات نهاية السلك الابتدائي من التمكن من كفايات القراءة، مما يكشف عن خلل كبير نظرا لحجم الكثلة التعليمية الضائعة، كما يؤكد التقرير عدم ملاءمة التعليم العالي لسوق الشغل، مما يسبب نزيفا كبيرا لمالية الدولة دون تحقيق الحد الأدنى من الأهداف التنموية الاجتماعية  المنشودة، كما تضيف وثائق التقرير “تســاهم أزمــة التعلــم فــي جعــل جــودة التعليــم بالمغــرب مــن الأضعف علــى المســتوى العالمــي، حيــث نجــد أن أكثــر مــن ثلثــي التلاميذ لا يتقنــون المهــارات الأساسية، وتظهــر هــذه النقائــص منــذ الابتدائي، وتتضــح أيضــا مــن خـلال الاختبارات التــي تــم إجراؤهــا مــع الذيــن يبلــغ ســنهم 10 ســنوات)؛ برنامــج البحــث الدولــي فــي القــراءة المدرســية، تقييــم الاتجاهات الدوليــة فــي دراســة الرياضيــات والعلــوم، (إذ يحتــل فيهــا المغــرب المراتــب الأخيرة عالميــا).

هذا التشخيص الخطير للواقع التعليمي يعفينا عن التذكير بمضاعفات كورونا على قطاع التعليم التي تركت نزيفا نتفادى التصريح بنتائجه، هذا الواقع الذي تدهور بشكل كبير، خاصة في العالم القروي حيث ترتفع نسبة الفقر والهشاشة وتتراجع الامكانيات الرقمية عند نسبة كبيرة من الأسر القروية.

في سياق هذا الواقع الاجتماعي العام برز مشروع “النموذج  التنمــوي الجديــد” الذي يهدف إلــى “بنــاء رأســمال بشــري ذي جــودة عاليــة ومؤهــل بشـكل أفضـل للمسـتقبل، يتطلـب تحقيقـه نهضـة تربويـة ناتجـة عـن تحـول عميـق للمدرسـة المغربيـة يتـم إرسـاؤها علـى نمـاذج جديـدة مسـخرة لإعداد أجيـال شـابة تتمتـع بالاستقلالية، وقـادرة علـى اختيـار مشـاريعها الشـخصية، وممارسـة حقوقهـا فـي تلازمها بواجبـات المواطنـة؛ ومـن أجـل هـذه الغايـة، يتمثل الرهـان المتعلق بهـذا الالتزام فـي اعتمـاد “الصدمـة العلاجية” التـي تهـدف إلـى إطلاق ديناميـة قـادرة علـى تحقيـق قفـزة نوعيـة ذات أثـر قـوي يشـمل جميـع المسـتويات التعليميـة”.

يكشف هذا التوجه  على بعض المفاهيم  الأساسية في هذا التصور وهي:

– ضرورة إحداث تحول عميق للمدرسة المغربية 

– إعداد أجيال تتمتع بالاستقلالية  

– و تمكين أجيال تمارس حقوقها علاقة بواجبات المواطنة 

إذن نصل هنا الى سؤال المداخل لتحقيق هذه الأهداف التي تبدو في شكلها تتطلع الى ما ينتظره المغاربة من المؤسسة التعليمية التي تساهم في تطوير استقلالية المتعلمين وتمكنهم من حقوقهم الأساسية وهجر مدرسة الترويض التي عايشتاها خلال عقود، لكن بالرجوع الى التجارب والاصلاحات السابقة نجدها هي كذلك تحمل نفس الشعارات والأهداف، لكنها فشلت في تحقيق الحد الأدنى، وبقيت المدرسة تدور في حلقات مفرغة تنتج المزيد من الهدر المدرسي والرداءة التعليمية لتفاقم الأوضاع التي تسببت فيها، بل فضحها واقع “كوفيد” الذي كان أقوى من أية ديماغوجية أو خطاب تعليلي يغلف الواقع الفاشل بورود تقارير لا تعكس الواقع في شيء.

فطموحات النموذج التنموي تنظر الى المستقبل من زاوية شمولية تجمع بين الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي، وبالتالي سأقتصر في هذا المقال التركيز على الجانب الاجتماعي، وخاصة التعليمي منه، لما له من آثار كبيرة على تكوين”الفرد- المواطن” الذي يشكل الخلية الأساسية للأسرة والمجتمع.

واستحضارا لما سبق، فما هي الصعوبات التي يمكن أن تعترض تنزيل “النموذج التنموي” على أرض الواقع؟ وتقويم السياسة العمومية السابقة في المجال التعليمي التي تتطلب تجاوز المقاربة العمودية التي فشلت فشلا ذريعا في تنزيل المشاريع الاصلاحية السابقة على أرض الواقع.

 

ثانيا: أي مجتمع نريد؟

يؤكد تقرير “النموذج التنموي” على بناء مغرب جديد يرسي أسسه على مجتمع الكرامة ومنفتح ،متنوع وعادل ومنصف، المغرب كقوة اقليمية، متشبث بالاختيار الديمقراطي، ويحرص على التوزيع العادل للثروة، يحترم التنوع الخ.

هذه الأوصاف والمعايير نجدها اليوم في الدول التي وصلت إلى مستوى عال من الديمقراطية التشاركية، وخاصة في دول شمال أوروبا وبعض الدول الآسيوية.

فجميع الخبراء والتجارب التاريخية في المجال التنموي تكشف لنا أنه بدون نظام تعليمي منصف لا يمكن بناء رأسمال بشري منتج وفعال، وتحقيق أي تنمية، بل فقط إنتاج تعميق الفوارق الاجتماعية والزيادة في منسوب الفقر وتحطيم الطبقة الوسطى التي تعتبر الميزان الحقيقي الذي يحافظ على استقرار الدولة والسلم الاجتماعي.

وهذا ما أكده جلالة الملك في خطابه عند افتتاحه الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية العاشرة – 12 أكتوبر 2018   حيث قال جلالته “إن النمـوذج التنمـوي الوطنـي أصبـح اليـوم، غيــر قــادر علــى الاستجابة للمطالــب الملحــة، والحاجيــات المتزايــدة للمواطنيــن، وغيــر قــادر علــى الحــد مــن الفـوارق بيـن الفئـات ومـن التفاوتـات المجاليـة، وعلـى تحقيـق العدالـة الاجتماعية”.

لذلك فنقد المدرسة الحالية في بعدها الديمقراطي والحقوقي يظل حجرة الزاوية لأي تفكير لتسطير ملامح الإصلاح المطلوب والمستعجل، ومراجعة السياسة العمومية المتجاوزة في هذا القطاع الحيوي بشكل جذري.

تعالج وثائق “النموذج التنموي” اشكالية “التربية على حقوق الانسان والتربية على المواطنة ” من زاوية ضيقة، غير أن التربية على حقوق الانسان تتأسس مرجعيتها على المواثيق الدولية والتي نجد لها مكانة كبيرة في الدستور المغربي، لذلك، فحصر الموضوع  في التربية الدينية والتربية على القيم لا يسمو إلى ما هو مطلوب في التربية على الديمقراطية، والتربية على حقوق الانسان التي تشكل المدخل الأساسي لبناء مجتمع حداثي، ومجتمع الإنصاف الذي يتوخاه النموذج التنموي الجديد ، ومن هنا يبرز تحليل الوثائق المرجعية بعض القصور في هذا الجانب التربوي مما يستدعي عدم تكرار الأخطاء السابقة، ذلك أنه اذا كان النموذج يقر بأن “جعـل التلميـذ محـور إصلاح منظومـة التربيـة مـن خلال ضمـان مواكبـة ذات جـودة لآثارها الإيجابية علـى التحصيل الدراسـي”، فإن ذلك يقتضي بناء مناهج دراسية تقوم على أساس مناخ دراسي ديمقراطي تشاركي يجعل من الحياة المدرسية فضاء لتعلم المشاركة في اتخاذ القرارات وتفعيل التربية على حقوق الانسان كمدخل ضروري لتمكين كل تلميذ من النجاح وعدم الاقصاء كما يريد النموذج التنموي في اطار مدرسة منفتحة على وسطها، وعلى العالم، لما تفرضه أهداف  التنمية المستدامة كذلك.

ثالثا: لا تنمية ممكنة بدون مدخل التربية على حقوق الانسان والتربية على مواطنة ديمقراطيةcitoyenneté démocratique  

يعتمد النموذج التنموي الجديد على نظرية الرأسمال البشري التي طورها الفائزون بجائزة نوبل في الاقتصاد كل من “T. W. Schultz”  و “Gary Becker” حيث شرحا كيف أن الاستثمار في التعليم يساهم في تطوير الاقتصاد بشكل كبير، في هذا السياق نقرأ في المشاريع المقترحة الملحق رقم 2:

“إن طمــوح النمــوذج التنمــوي الجديــد الــذي يهــدف إلــى بنــاء رأســمال بشــري ذي جــودة عاليــة، ومؤهــل بشـكل أفضـل للمسـتقبل، يتطلـب تحقيقـه نهضـة تربويـة ناتجـة عـن تحـول عميـق للمدرسـة المغربيـة يتـم إرسـاؤها علـى نمـاذج جديـدة مسـخرة لإعداد أجيـال شـابة تتمتـع بالاستقلالية وقـادرة علـى اختيـار مشـاريعها الشـخصية وممارسـة حقوقهـا فـي تلازمها بواجبـات المواطنـة”، وهذا التوجه ينسجم مع دعوة الأمم المتحدة التي جعلت من التنمية حقا من حقوق الانسان، كما جاء في منطوق المرجع “يحق لكل إنسان المشاركة والإسهام في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية والتمتع بهذه التنمية التي يمكن فيها إعمال جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية إعمالاً تاماً”.

حمل إعلان الأمم المتحدة الرائد بشأن الحق في التنمية، في عام 1986، أن التنمية حق يمتلكه الجميع، لذلك لا يمكن الفصل بين الحق في التنمية وجميع حقوق الانسان المتعارف عليها دوليا والتي صادق عليها المغرب، مما يجعل من مقاربة التربية على حقوق الانسان  مدخلا أساسيا لتنزيل النموذج التربوي الجديد على أرض الواقع، غير أنه نسجل ضبابية في التبني الصريح لهذا الاختيار. 

 

واقع التربية على حقوق الانسان في التجربة المغربية:

تشير كثير من الدراسات التي تناولت واقع التربية على حقوق الانسان في المدرسة المغربية الى مجموعة من الملاحظات، حيث أن اختار المغرب طريق الانتقال الديمقراطي الذي تعزز بالمصادقة على الدستور الجديد لسنة 2011، هذا الاختيار على المستوى التربوي، بدأت معالمه وإرهاصاته منذ أن تم اعتماد الميثاق الوطني للتربية والتكوين سنة1999، الذي جاء في مبادئه الأساسية: “تحترم في جميع مرافق التربية والتكوين المبادئ والحقوق المصرح بها للطفل والمرأة والإنسان بوجه عام، كما تنص على ذلك المعاهدات والاتفاقيات والمواثيق الدولية المصادق عليها من لدن المملكة المغربية، وتخصص برامج وحصص تربوية ملائمة للتعريف بها، والتمرن على ممارستها وتطبيقها واحترامها”.

 

ومنذ انطلاق البرنامج الوطني لتطوير التربية على حقوق الإنسان في إطار الشراكة المبرمة بين وزارة حقوق الإنسان ووزارة التربية الوطنية سنة 2004، ظل تقويم أثر هذا المشروع محدودا بحيث أن التقويم الدوري يبقى ضروريا لدعم المكتسبات والبحث عن طرق تطويرها وفق ما كشف عنه التقرير الذي أنجزه المجلس الأعلى للتربية والتكوين سنة 2008.

إن نجاح مشروع التثقيف في مجال التربية على حقوق الإنسان والمواطنة على مستوى المؤسسات التعليمية يرتبط بعدة عوامل:

تأثير إدماج مفاهيم حقوق الإنسان في البرامج الدراسية من جهة، ودور المناخ العام السائد في المؤسسة التعليمية والذي ينتج عن نوعية الحكامة المدرسية ودرجة دمقرطتها وأسلوب تدبيرها من طرف الإدارة التربوية من جهة ثانية، حيث أن هذه الحكامة تؤثر إلى حد كبير على تنزيل التربية على حقوق الإنسان على أرض الواقع، وقد عزز القانون الإطار رقم 17.51 باعتباره تعاقدا وطنيا يلزم الجميع في مادته الرابعة، حيث تستند منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي من أجل تحقيق الأهداف المنصوص عليها في المادة 3 من هذا القانون-الإطار إلى المبادئ والمرتكزات التالية، بالإضافة الى مختلف الثوابت الدستورية للبلاد ومنها:

– قيم ومبادئ حقوق الإنسان كما هو منصوص عليها في الدستور والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المملكة أو انضمت إليها، ولا سيما منها الاتفاقيات ذات الصلة بالتربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي؛

– التقيد بمبادئ المساواة والإنصاف وتكافؤ الفرص في ولوج مختلف مكونات المنظومة وفي تقديم خدماتها لفائدة المتعلمين بمختلف أصنافهم؛

– اعتبار الاستثمار في التربية والتكوين والبحث العلمي استثمارا منتجا في الرأسمال البشري، ورافعة للتنمية المستدامة ودعامة أساسية للنموذج التنموي للبلاد؛

+ (صدر الأربعاء 28 غشت 2019، بالجريدة الرسمية عدد 6805، الظهير الشريف رقم 1.19.113 المتعلق بتنفيذ القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين).

خلاصة:

يحمل النموذج التنموي الجديد طموحات كثيرة قد تساعد في الانتقال الى مستوى أفضل من الرفاه وتحقيق الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية، لكن نسجل أنه على المستوى التعليمي لم يمكن التشخيص من وضع الأصبع  على مكامن الخلل والمعوقات والمفارقات بين ما هو موجود وما نصبو اليه، إذ يلاحظ  تراجعا حول ما سبق أن ورد  في المشاريع الاصلاحية السابقة التي اختارت اعتماد التربية على حقوق الانسان والمواطنة، في حين يستلهم التوجه الوارد في النموذج التنموي الجديد في الخلط بين التربية الدينية والتربية الاسلامية والتربية على القيم رغم تأكيد دعوة جلالة الملك “بضرورة مراجعة مناهج وبرامج مقررات تدريس التربية الدينية، سواء في المدرسة العمومية أو التعليم الخاص، أو في مؤسسات التعليم العتيق”.

واذا كان الدستور الجديد يجعل من حقوق الانسان ركيزة أساسية للدولة، فإنه يتعين علينا أن نقر بأن التنمية تتعلق بالأفراد أولاً وقبل كل شيء، مما يحتم على النموذج التنموي الجديد التأسيس على نهج المقاربة الحقوقية، لتمهيد الطريق لتصحيح تاريخ طويل من عدم المساواة والتهميش من الوصول إلى الخدمات العامة، وبالدرجة الأولى التعليم ثم الصحة والشغل لضمان الحد الأدنى من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

إن النموذج التنموي الجديد يجب عليه أن لا يفوت الفرصة لتقوية الارتباط بين التنمية وحقوق الانسان، مما يستدعي تعزيز الإطار القانوني الوطني الذي يمكن  من أرضية صلبة، وأداة لدعم دمج حقوق الإنسان في التنمية في مختلف أبعادها مع إعداد قائمة المعايير المتعلقة بحقوق الإنسان بمثابة دليل لتقوية التركيز على أهداف التنمية، وتمكين عملية التقويم لمختلف الانجازات مع التركيز على تحديد سلم الأولويات، علما أن قوة الديمقراطية تكمن في الحرص على حماية السكان الأكثر هشاشة مما يستدعي العناية بالفئات الفقيرة بشكل قوي. 

فهل ستتطلع النخب المنتخبة الجديدة للعمل بجدية ومسؤولية لإعطاء نفس جديد للديمقراطية المغربية تحقيقا لتنمية اقتصادية واجتماعية شاملة لا تترك أحدا على الرصيف؟

التعليقات مغلقة.