أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

ألو المسؤولو: مافيا “الكاريانات” طابو مسكوت عنه، معاناة ساكنة دوار حي “حناجن” بسيدي خيار نموذجا

اعتبرت الحياة والعيش في وسط صحي، وفي كرامة تامة من الأسس التي نصت عليها الشرائع الدينية “وكرمنا بني آدم”، وكذلك القوانين الوضعية الكونية، وضمنها القانون والدستور المغربي الذي أفرز لها عدة فقرات وفصول، إلا أن قول المشرع شيء، ووجود المؤسسات بمختلف أسمائها ومراتبها ودرجاته شيء آخر، والواقع على الأرض المتحركة المليئة بكل قيم سلب الحياة، وضرب كل حق في العيش في ظل بيئة سليمة، أصبح أمرا يوميا يكتوي به المواطن ويقف عاجزا أمام سطوة مال المقالع وجشعها ونهبها للحياة كما للخيرات في ظروف لا يهم فيها الناهب سوى تركيم الأموال وتحقيق الأرباح على حساب كل قيم الحياة وقتل الجمال، كما هو الحال في المقالع المتواجدة بسيدي بوخيار، بصفرو، حيث تطالعك شاحنات تروح وتجيء والأتربة تتبعها متطايرة في الهواء، ورائحة الزفت تعم المكان فتخنق الحياة، والساكنة تستجير وتنتظر مسؤولية المسؤولين.

 

امرأة مسنة تلتحف الزمن الذي عبر تقاسيم وجهها، وعرى الحزن والضعف كل أنسجة الجلد والغضب من واقع راح ولا زال ينشر الموت في كل مكان، مات الجمال ليس على مستوى البدن فحسب بل على مستوى محيا المكان، “الغبرة قلتنا” تقول بحسرة والغضب يلف جفون عينيها وهي ترقب حركة “رموكات” الموت التي تروح وتجيء بسرعة ناشرة الغبار والأمراض والضياع.

وتضيف “على مستوى قنطرة الكاريان، الجودة وانت صاعد للجبيلي، الغبرة قتلتنا، الرموكات تتحرك بسرعة شحال من مرة مشاو يلوحونا من تلك الحافة، احنا ما كنصبنو ما كانشوفوه، غير ربي دار الخير ما كايناش الشتا، اما لوكان ما لقينا ما نلبسو”.

هي صور حية لمعاناة آثرنا نقلها على طبيعتها لنعرف عمق المعاناة التي تعيشها الساكنة في مواجهة جشع باطرونا ناهبة للرمال وللحياة، وناشرة لقيم الموت المتحرك عبر “الرموكات، شاحنات نقل الرمال والحصى التي تتحرك بسرعة جنونية عبر طريق ترابية لتقدف خلفها أكواما من الغبار يغزو المكان فيخنق الفناء، وينشر الاتساخ والمرض بين أرواح تقطن المكان ولا تجد بديلا عنه لفقرها، ولا يسعها سوى الصراخ بالسؤال، لعل الصوت يصل عبر جريدة “أصوات” التي كانت حاضرة في المكان تنقل تفاصيل جراح الوطن، واختلالات توجيهات ملكية سامية ما فتئت تحث على المسؤولية في تدبير شؤون الناس، وعلى حماية حقوق الأفراد والجماعات وضمان الأمن البيئي والصحي والنفسي المغيبة قسرا بهاته النقط السوداء وبمباركة من حماة الفساد بالصمت المطبق، وسياسة إغماض العينين عن حقوق رعايا جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.

القانون رقم 11.03 المتعلق بحماية واستصلاح البيئة، والقانون الإطار رقم 12.99 بمثابة ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة، واضحين في معانيهما مؤكدين على ضرورة العناية بالبيئة وبالصحة العامة باعتبارها مدخلا لنشر قيم الانتماء الفعلي للوطن.

“الحكرة قهرتنا، والغبرة قتلتنا، والزفت خنقنا” تلازمية ثلاثية الموت، ليست ثلاثية الكاتب المصري الكبير “نجيب محفوظ”، ولكن ثلاثية الجشع والربح وتلاقي إغماض عين تنفيد القانون خدمة للرأسمال، ضمن جوقة الانحدار المؤسساتي الذي يملأ جيوب المرابين، ولكنه لا يؤسس صورة دولة وإنسانية مؤسسات، ولا يشرف بطلعة تلازمية الانتماء لدولة المؤسسات، والدولة المواطنة، والدولة الاجتماعية التي ما فتئ يحث على تحقيقها صاحب الجلالة والمهابة نصره الله وأيده.

فالقانون رقم 13.03 المتعلق بمكافحة تلوث الهواء، نص على الوقاية والحد من الانبعاث الملوث للجو، والتي من الممكن أن تلحق أضرارا بالإنسان والحيوان والتربة والمناخ وباقي الثروات الثقافية والبيئية؛ مع توسيع مجال تطبيقه ليشمل الأشخاص الذاتية والمعنوية العامة والخاصة، فأين نحن من فلسفة هذا النص على صعيد هاته النقط السوداء؟، وأين السلطات الإقليمية والمحلية في مواجهة هاته الخروقات لمنطوق نص صريح لا يحتاج لاجتهاد فقهي، أو مقدمي، أو قايدي أو عاملي، أو ولائي،؟ لأنه وكما يقول الفقهاء “لا اجتهاد ما وضوح النص”، أم أن الملح المصاحبة للخرق مكن من إغماض العين تحقيقا لبراغماتية مطلوبة نفعيا لتحقيق امتيازات مادية أو عينية على حساب المواطن وسلامته وصحته وأمنه، وسلامة وصحة المحيط الذي يعيش فيه، ألا يشكل هذا النص سندا قانونيا مطلوبا، تنزيله بيد من حديد حماية للوسط البيئي من كل مسببات التلوث التي تلحق الأذى به كوسط، أو بالمحيط الذي يعيش ضمن هذا الوسط.

ليس غريبا أن نسمع معاناة ساكنة استوطنت المكان والألم مدة طويلة، ولم تقو على هجره لضيق الحال أن تتحدث عن “الحكرة”، وكيف للمواطن أن يؤسس علاقة سوية بالمؤسسات ويحترمها إن لم تكن خادمة لمعاناته، رافعة الضرر عن المحيط الذي يعيش فيه، وضامنة لأمنه وسلامته الفردية والجماعية، النفسية والصحية والبيئية، تلازمية الحكرة مرتبطة بواقع المعاناة من الغبرة والأوساخ والزفت في القرن الواحد والعشرين؟، هل يكفي أن ينظم المغرب مؤتمرا عالميا للبيئة، ويمنع تداول البلاستيك لنصفق ونقول أن البلد بخير، وقنابل المقالع تقتل الحياة ولا حسيب ولا رقيب، ما ذام في السلة أجران ونفعية متبادلة، فلا يضر إن كان هناك خرق مؤدى عنه، ونحستب المرضى والمتضررين قرابين عند الله.

السياسة المولوية الحكيمة ما فتئت تقول وبصريح العبارة، إن لم تكونوا قادرين على تدبير شؤون الناس فارحلوا. 

القانون رقم 12.03 أكد أيضا على دراسة التأثير على البيئة، وضرورة إجراء تقييم مسبق للآثار المحتملة المباشرة وغير المباشرة، المؤقتة والدائمة للمشروع، على الوسط البيئي بجل مكوناته، ثم إزالة التأثيرات السلبية لها، أو العمل على التخفيف منها أو تعويضها مع إبراز الآثار الايجابية للمشروع على البيئة وتحسينها وإعلام كافة السكان بذلك وقاية من المخاطر المحتمل حدوثها فيما بعد.

جميل جدا أن نجد هذا النص واضحا بإعطائه صورة لا غبار فيها عن المطلوب في التعاطي مع كافة المشاريع الممكنة، أي إخضاعها للدراسة القبلية، وضمنها دراسة الجدوى المرتبطة بالملاءمة للمعايير البيئية والصحية، ورفضها في حالة مخالفتها لهاته المعايير، أو تصحيحها لتصبح محافظة على البيئة والمحيط وصحة المحيطين بالمشروع.

هل مسؤولو عمالة إقليم صفرو الإقليميون والمحليون ومصالح البيئة لدى الشرطة والدرك الملكي لا تفهم هذا النص أم أن وراء الأكمة ما وراءها، وهو المحدد لإخضاع المشروع للرضى أو الغضب.

“قتلونا” تصرخ إحدى المتضررات من الوضع، “الغبرة قتلانا بدوار الشعيرة، عيينا الأبناء هم أيضا مرضوا، القنطرة خطر، حاسبينا ماشي بشر، حيث احنا مساكين، ما عندنا فين نمشيو، عيينا ما نشكيو ونحتجوا، كيحسبونا حشرات”.

وأضاف آخر إحدى السيدات أخدوها أثناء حملها في حالة خطيرة نتيجة هاته الأوضاع، شاحنات نقل الرمال تعمل ليل نهار نهار بلا توقف وتنشر الغبار في الجو بشكل قاتل، والأمراض الصدرية والجلدية تسكننا، والساكنة وضعت العديد من الشكايات لكن لا حياة لمن تنادي، دون أن نغفل غياب الإنارة والواد الحار وعموم البنية التحتية الأساسية، لا يريدون حتى تزفيت الطريق، لنلاقي هذا السرب المتحرك من الغبار المقدوف في الهواء والذي لا يمكن معه للساكنة أن تقضي أغراضها وتنظف ثيابها، كيف يمكن تقبل هذا في زمن نتحدث فيه عن الإقلاع التنموي وعن المخططات التنموية والعصرنة والدولة الاجتماعية، نطلب من المسؤولين التدخل وإيجاد حل.

   

وفي هذا الباب ألم تنص المادة 8 من القانون 12.03 على أن السلطة الحكومية المكلفة بالبيئة تحدث لجنة وطنية ولجان جهوية مهمتهم دراسة التأثير على البيئة وفحصه وإبداء الرأي حول الموافقة البيئية للمشاريع، فكيف تمت الموافقة على هاته المقالع في هاته الظروف اللاصحية الضارة بالبيئة والإنسان؟ 

ألم ينص نفس القانون على التنسيق بين الإدارة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية والمنظمات غير الحكومية ومختلف الهيئات المعنية، باتخاذ كل الإجراءات والتدابير اللازمة لمراقبة التلوث الهوائي، مع وضع شبكات لمراقبة جودة الهواء ورصد مصادر التلوث الثابتة والمتحركة التي ستلحق الضرر بالإنسان والبيئة عموما، فأين نحن من هاته المعايير الضرورية المطلوبة لنتمكن من الحديث عن الاستدامة، ونضمن الحياة والكرامة الإنسانية، إن لم تتوفر المسؤولية التي حث عليها عاهل البلاد دوما لبناء مغرب لكل أبنائه وليس مغربا لمافيا المقالع وسماسرتهم، الرسميين منهم وغير الرسميين.

وللحديث بقية ……………

التعليقات مغلقة.