أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

الواقع الإعلامي بين التفاهة وديكاتورية الدعم الوزاري للصحافة

الواقع الإعلامي بين شيوع التفاهة وبذخ استفادة 20 % من المقاولات الإعلامية والحزبية من 80 % من 50 مليار مخصصة لدعم الصحافة

أصوات: القسم السياسي  

20 % من المقاولات الصحافية الخاصة والحزبية تستحوذ على 80% من 50 مليار المخصصة لدعم الصحافة، واقع فعلي تعيش تحت وطأته الصحافة المغربية، حيث تستفيد قلة من المقاولات الخاصة المحظوظة ونظيرتها الحزبية من مبالغ خيالية من الدعم ومن سخاء مؤسساتي حاتمي، فيما تعاني غالبية المنابر  الإعلامية والمقاولات من شح الدعم ولا تحوز في أحسن الحالات إلا الفتات، فمن المسؤول عن هاته الوضعية، وعن هذا التسيب وغياب المقاربة الوطنية والديمقراطية في التعاطي مع المشهد الإعلامي؟

 

الواقع المرير الذي تعيشه غالبية المقاولات الصحافية عكسه منشور صادر عن “الفيدرالية المغربية لناشري الصحف”، الأحد، والذي أوضح أن حجم الدعم العمومي الذي قدمته الدولة في المغرب للصحف والمواقع الإلكترونية تجاوز 50 مليار سنتيم خلال ثلاث سنوات.

 

وأضاف البلاغ الصادر عن الفدرالية، عقب اجتماع عقدته بمدينة العيون، يوم السبت 25 فبراير 2023، أن مبالغ الدعم العمومي الذي صرفته الدولة للمقاولات الصحافية الخاصة والحزبية فاق 50 مليار سنتيم خلال ثلاث سنوات، وأن 20% من المقاولات الصحافية استحوذت على 80% من مبالغ هذا الدعم.

واقع يعكس قثامة المشهد وطبيعة الممارسة المؤسساتية اتجاه الفعل الصحافي الوطني، وعرقلة هاته المؤسسات لكل أشكال التطور والصمود والمساهمة في البناء التنموي والمؤسساتي والدفاع عن قضايا المجتمع والوطن من موقع الوطنية الصادقة بعيدا عن قيم البوز والوضاعة والتفاهة التي تروج لها هاته المؤسسات الإعلامية المدعومة رسميا من المال العام.

البلاغ أفاد أن “صحفا ورقية كان سقف دعمها السنوي لا يتجاوز 240 مليون سنتيم، تضاعف في هذا الدعم الاستثنائي إلى 2 مليار سنتيم سنويا، وأن هناك صحفا إلكترونية كان سقف دعمها لا يتجاوز 60 مليون سنتيم وصلت في الدعم الاستثنائي إلى مليار سنتيم سنويا، في الوقت الذي انخفض دعم 80% من النسيج المقاولاتي الإعلامي بحيث لا يتجاوز في بعض المؤسسات 3 مليون سنتيم “.

 

الأكيد أن جائحة “كورونا” وبدل أن تقدم الدروس والعبر ويتم دعم الإعلام الوطني اعتبارا للدور الذي أسداه خلال تلك الفترة المظلمة، ولدوره في بناء وتأسيس جبهة مكافحة ومناضلة عن القضايا الوطنية بالروح الوطنية اللازمة وفق مقاربة جديدة متجددة تهدم قلاع الإعلام المضلل والمناهض لوحدتنا الترابية، على العكس من ذلك اختارت المؤسسات الرسمية تشجيع التفاهة وتركيزها كأحد أعمدة المشهد الإعلامي، والكرم الحاتمي اتجاه مؤسسات لا تقدم إلا التافه من المتابعات، وإعلام حزبي لا حضور له في الواقع المجتمعي، بل إن بعض الجرائد الورقية الحزبية لا تبيع ولو عددا واحدا ومشمولة بهذا العطف والسخاء والكرم المؤسساتي، وهو ما يفتح ألف قوس عن أسباب هذا الكرم اتجاه هاته المؤسسات المعاقة وفي المقابل إقبار عمل المؤسسات الإعلامية البديلة التي تحمل مشروعا متكاملا للبناء والدود عن القضايا الوطنية بإرادة مؤسساتية معطلة للبناء وللمسار.

وحسب ما أورده نفس المصدر فإن المعايير المعتمدة لتوزيع الدعم “غير عادلة وغير منصفة”، مضيفا أن مقاولات صحافية “تضاعف دعمها 20 مرة ليصل إلى الملايير”، ومقاولات  “لا تصل في دعمها إلى 30 ألف درهم ” وأن هاته المقاولات أصبح محكوم عليها بالإعدام، حسب نفس البلاغ.

 

واقع يعكس بالفعل مدى السقوط الذي وصلنا إليه في باب التعاطي مع المؤسسات والمقاولات الإعلامية، بل أن المسار العام يؤكد إصرار المسؤولين على ترسيم هاته المعايير وجعلها أسلوبا تدبيريا قائما على “إغناء الغني وإفقار الفقير” وهو أسلوب سكولائي لا يؤسس إلا لمرحلة السقوط في مقاربة كل القضايا التي تستأثر باهتمام الرأي العام، والتعاطي مع القضايا الوطنية بالروح الوطنية المطلوبة والتي لن تؤسسها هاته العقليات القاتلة للحياة والمحنطة لمسار التعاطي مع الواقع المتحرك العام، ولعل أسطع مثال على ذلك أن بعض المؤسسات والمقاولات الإعلامية التي تستفيد من هذا الكرم لا تؤدي حتى أجور موظفيها أو لا تحترم الحد الأدنى المنصوص عليه، أو تتماطل في أداء هاته الأجور…، فضلا عن عدم دفع مستحقات هاته المؤسسات لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

إنها سياسية الارتجال في أجل صورها تلك السائدة أو ما أسمته الفدرالية أن “هذا الارتجال هو مجرد هروب إلى الأمام، وسيكون جزءا من المشكلة بدل أن يكون جزءا من الحل”، مطالبة بفتح حوار وطني “مع جميع المنظمات المهنية الممثلة للعاملين وللناشرين حول دعم عمومي عادل ومنصف وارتقاء بأوضاع اجتماعية للعاملين وازنة ومتناسبة مع حجم الاستفادة من المال العام”.

 

الأكيد أن الممارس على الأرض يعكس تقديس قيم الموت والتفاهة التي أصبحت سيدة ممارسة هاته المؤسسات المدعومة والتي لا تنتج إلا جيلا من الضباع، وتدفع في اتجاه تكريس الشعبوية وسلطة “الحلايقية” في جامع الفنا، التي لا يمكن بأي حال من الأحوال بأن تساهم في التنمية، والتي مدخلها التنمية البشرية والرقي بالدوق العام، وخلق رأي عام فعلي مكافح عن القضايا الوطنية بروح الانتماء الصادق وليس عبر تكريس التفاهة والبوز التي تلف مشهدنا الإعلامي المدعوم.

إن المطلوب حوار وطني صادق يعي دور الإعلام في البناء والتنمية ورسم البديل الوطني الديمقراطي الواعي بمسؤولياته وواجباته المطلوبة، بل أن تلك المقاولات التي تستحوذ على هذا الكرم نجدها تتضمن رساميل أجنبية، وأخرى تحقق أرباحا سنوية طائلة.

والغريب في الأمر أن الوزارة كانت قبل جائحة كورونا والدعم الاستثنائي تعلن عن لوائح الدعم عبر بوابتها الإلكترونية تنويرا للرأي العام الإعلامي والوطني، وتعلن عن مبلغ الدعم المالي من المالية العامة المخصص للجرائد والمقاولات والمواقع الإلكترونية، إلا أنها اليوم أصبحت تمارس سياسة النعامة بإخفائها لرأس الدعم على الرغم من انفضاح عورتها، حيث أوقفت الإعلان عن مبالغ الدعم المقدمة إرضاء لمن؟، السؤال مفتوح على كافة التفرعات المؤسساتية وسياسة التغول المنتهجة على حساب باقي المؤسسات الإعلامية الوطنية التي لا يصلها إلا الفتات من الدعم والذي لا يتعدى 30.000 درهم في أحسن الأحوال، بل أن هناك مؤسسات لا تستفيذ حتى من سنتيم من الدعم، فكيف لمقاولة لا تتلقى سوى هذا المبلغ سنويا أن تؤدي أجور الموظفين، وأن تصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وأن تؤدي مستحقاتها لدى الصندوق، إنها قمة الغرابة والهزء في مقابل مقاولات أخرى تستحود على كل الدعم، والأدهى من ذلك تعمد الوزارة إلى التستر عن المبالغ الممنوحة لهاته المؤسسات خاصة الحزبية منها التي تمنح بسخاء ولا تقدم أي جديد ومستوى حضور فعلها الوطني والمجتمعي ضعيف جدا.

 

وفي هذا السياق نبه البيان إلى أن “وزارة الاتصال كانت تبادر إلى نشر أرقام الدعم العمومي المخصص للصحف والمواقع الإلكترونية سنويا على موقعها على الأنترنيت، لكن منذ سن “الدعم الإستثنائي” الذي بدأ مع جائحة كورونا لم تعد تفاصيل هذا الدعم تظهر على الموقع الرسمي للوزارة”.

ومن غرائب أمر وزارة الاتصال أنه وعلى الرغم من أن الإعلان عن الدعم الذي يتعلق بالمال العام حق دستوري مقرون بالحكامة الجيدة، والمرتبط بالمسؤولية المقرونة بالمحاسبة، إلا أن مسؤولي وزارة الاتصال “أغمضو العين” في الموضوع لكي لا تشتم رائحة التسيب التي فاحت من دواليب هاته المؤسسات في باب دعم الميت الذي لا يقدم أي جديد يذكر للمشهد العام، وهو العاجز عن تأطير المجتمع من خلال هياكله الحزبية المتهالكة، فما بالك في خلق رأي عام قادر ومكافح عن كافة القضايا الوطنية، والمدخل هو دمقرطة الحياة العامة وضمنها دمقرطة الدعم الممنوح للصحافة، ومحاربة كافة أشكال الفساد ليرتقي المغرب في ترتيب سلم منظمة الشفافية العالمية.

موقع “لكم” حاول الحصول على تفاصيل الدعم العمومي من الجهات المسؤولة داخل الوزارة لكن طلبه ظل بدون رد.

 

وهذا الموقف يعكس واقع حال المشرفين على المشهد الإعلامي ومسؤوليتهم المباشرة عن السقوط والتفاهة التي تلف المشهد، بل إصرارهم على دعم هاته التفاهة، لأن المطلوب الوصول إلى جوهر الإشكال لا أعراضه، فالمسؤولية تتحملها الوزارة والدولة في باب نشر هاته الثقافة ودعمها بسخاء، وخلق إعلام يتغدى ويتعشى بموائد فاخرة ويستفيد من الإشهار والإعلانات على حساب المال العام، وفي المقابل لا يقدم أي جديد يذكر اللهم من تصريف التفاهة والخطابات الحزبية المتهالكة أو أخبار الجرائم وخلق التفاهة بغرض البوز وتحقيق الأرباح.

 

القاعدة تقول أن المحتوى الهابط، والثقافة الساقطة، والسياسة المنحطة …. لن تنتج بالمطلق أمة يشع فيها العقل والعلم والبناء، بل أن هاته الأنماط من السلوك هي التي تعرقل التنمية وتدفع المواطن من إحساسه بغبن الانتماء إلى الوطن ليرتمي في أحضان كل شيء مهدم، لعدم إحساسه بأمان الانتماء، بل ستنتج السقوط عينه ولا شيء سواه.

حالما نتوقف حول هذا الانحذار في سوق المشهد الإعلامي المدعوم وسقوط مؤسساته في فضاء تغييب الديمقراطية في التوزيع ودعم التفاهة من خلال دعم هذا المحتوى الهابط هو الذي يجب أن يحاكم أولا وقبل شيء، فكيف يمكن خلق إجماع حول قضايا الوطن المصيرية في ظل استفادة أقلية من خيرات الدعم المقدم للإعلام ويطلب من الإعلام المحروم الذوذ عن هاته القضايا لهو الهزء إذن، أمام سياسة تكرس الفوارق، وتزيد المؤسسات والمقاولات الغنية غنى، وفي المقابل تفقر المؤسسات الفقيرة أصلا والتي زادتها كورونا فقرا على فقرها الأصلي، وفي المقابل يطل وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، ليبشرنا بقانون جنائي، يضيق أكثر على الحريات، ويمنع نسمة حياة عن المقاولات الوطنية الصادقة المحرومة من إمكانيات الاشتغال لصالح الغول المدعوم، بأقسى العقوبات إن هو عبر عن الرفض أو نقد القائم المريض والمتهالك والذي لا ينتج إلا ثقافة الموت والحقد والنقمة على حقوق تهذر وعلى “عينك أبنعدي” وتقبر وتتستر الوزارة عن فصولها الدرامية حتى بعدم نشر فضائح الدعم والمدعومين حفاظا على سرية نهب المال العام بقوة لا يعرف مصدرها، في مقابل قتل كل بسمة أمل بإشراقة جديدة لمغرب جديد لكل أبنائه وبناته.

التعليقات مغلقة.