تزامنا مع الزيارة الملكية إلى الحسيمة أصبحت ساكنة الإقليم، ومعها فعاليات المجتمع المدني، تتساءل عما إذا كان صندوق الإيداع والتدبير سيواجه مرة أخرى غضبة ملكية بسبب المشاريع الاقتصادية والسياحية التي نفذتها بعض فروع هذا الصندوق منذ سنوات بالحسيمة، والتي أصبحت تطرح أكثر من سؤال على مستوى النموذج الاقتصادي والبيئي والاجتماعي لهذه المؤسسات الحيوية بالمغرب والمعنية بالتوجهات والاستراتيجيات الكبرى للدولة.
وأولى هذه المشاريع منطقة الأنشطة الاقتصادية بآيت قمرة التي تعرف تعثرا واضحا في استقطاب الوحدات الإنتاجية منذ أن دشن الملك شطرها الأول أكتوبر سنة 2011 وبعد أن تمت تهيئته باستثمارات إجمالية تصل إلى 170 مليون درهم، أعلن حينها أنها ستخلق 3000 منصب شغل، منها 2000 منصب شغل مباشر، فيما الواقع يؤكد عكس ذلك بعد أن تحولت إلى ما يشبه نوعا من المضاربة العقارية.
وترى الساكنة أن هذه المنطقة لحدود الساعة لم تستقطب سوى عددا محدودا جدا من الوحدات الانتاجية بالرغم من أنها تتضمن 168 بقعة، منطقة صناعية مخصصة للصناعات الغذائية والأنشطة المرتبطة بتثمين المنتوجات المحلية وأنشطة صناعية متنوعة، ومنطقة لأنشطة الصناعة التقليدية التي تتكون من الأنشطة الخاصة بالنجارة بمختلف أنواعها وصناعة الأثاث والرخام والزجاج والحدادة الفنية.
وتؤكد الساكنة أن العديد من المشاريع الاستثمارية التي أعلن عنها داخل هذه المنطقة، التي تعد ثمرة شراكة بين شركة و”MEDZ” التابعة لصندوق الإيداع والتدبير، وعدد من الشركاء، لم يتم تنفيذها بعد “تلكؤ” العديد من المستثمرين عن القيان بذلك وتقديم مبررات واهية دون أن تسحب منهم الجهات الوصية البقع الأرضية التي حصلوا عليها بامتيازات معينة.
وكانت العديد من الفعاليات المدنية قد عبرت عن استيائها من الغموض الذي أصبح يلف مشاريع عدد من فروع صندوق الإيداع والتدبير، مثل الشركة العامة العقارية التي أنجزت وحدات ومنتجعات سياحية بشواطئ المنطقة غدت تطرح أكثر من سؤال على المستوى البيئي والاجتماعي، وعما إذا كانت توافق التزامات الذراع المالي للدولة على هذا المستوى، وبالخصوص مشروع “القلب النابض” الواقع بين فندق “الحسيمة باي” ومنتجع “راديسون” حيث انتشار العشرات من المسابيح وأحواض الألعاب المائية على طول الشريط الساحلي لشاطئ “اصفيحة” في الوقت الذي دعا فيه جلالة الملك إلى ترشيد الموارد المائية، وأن كل المؤشرات تنذر بحصول نقص حاد في المياه، كما أن معطيات دقيقة تفيد بتزايد ارتفاع نسبة الملوحة في مياه حوضي غيس والنكور الذي ساهم فيه بكل تأكيد اجتثاث الغاية من طرف شركة “C.G.I”.
ملاحظات أخرى أصبحت تلحق هذه الشركة على مستوى تدبير وحداتها الفندقية للمياه العادمة، مشككة في أن يكون ذلك يحترم المنظومة البيئية، خاصة بعد ظهور تسربات لهذه المياه على مستوى شاطئ “كيمادو” وتصنيفه ضمن الشواطئ غير الصالحة للسباحة، كما أن هناك معطيات تفيد بأن نظام المضخات الذي يعمل به هذا الفندق على مستوى معالجة المياه العادمة أصبحت متجاوزة وغير مجدية بالمقارنة مع الضغط الذي تواجهه، مما ينتج عنه تسربات أصبحت تؤكد أن هذه المؤسسات ذاهبة بلا رجعة في مسار تدمير البيئة المحلية.
الجانب الإجتماعي أيضا أرخى بظلاله على مشاريع فروع صندوق الإيداع والتدبير، خاصة تلك الوحدات الفندقية التي يتم تسييرها مباشرة من طرف “Madaef”، أو تم تفويتها ل “راديسون” أو “Accor”، والتي لم يتم فيها احترام الالتزامات الاجتماعية من طرف هؤلاء الشركاء على مستوى التشغيل والمساهمة في خفض نسب البطالة المحلية، وأيضا على مستوى إعادة تأهيل اليد العاملة والتكوين المستمر، حيث سبق أن تم الالتزام بخلق مركز وأكاديمية للتكوين المستمر (التكوين بالتدرج) في إطار المسؤولية الاجتماعية لهذه الشركات ولكن لم يتحقق أي شيء من هذه الالتزامات.
كما تتساءل العديد من الفعاليات عن طبيعة ومكونات المرافق التي أنجزت ضمن هذه الوحدات والمنتجعات هي نفسها التي اعلن عنها ضمن طلب العروض ودفتر التحملات، خاصة “المسبح” الذي اختفى من فندق “حسسمة باي”، والذي كان مقررا إنجازه وفق التصميم في الفضاء المتواجد خلف الفندق في اتجاه الشقق، وما مصير مثلا الملهى الليلي الذي بددت عليه “CGI” أموالا طائلة ولا يشتغل لأنه تبين أن إنجازه تم في مكان غير مناسب (وسط إقامات سياحية) وهو ما قد يشكل خطرا على أمن وراحة زبناء هذه الإقامات.
وللإشارة فقد سبق لغضبة ملكية سنة 2014 أن أطاحت بالعديد من المسؤولين الكبار لصندوق الإيداع والتدبير وبعض فروعه، وكانت وراء محاكمتهم، على خلفية خروقات عرفها المشروع العقاري”باديس” بالحسيمة، حيث أشارت الشكاوى حينها إلى وجود اختلالات كبيرة بين التزامات الشركة العامة العقارية، الذراع العقاري لصندوق الإيداع والتدبير، والممتلكات المسلمة للزبناء في إطار هذا المجمع الذي يمتد على خمسين هكتارا.
التعليقات مغلقة.