إرتبط وجود الأحزاب السياسية تاريخيا بالإنقسامات الموجودة”دينية ؛عرقية؛طبقية…” داخل كل مجتمع لكن تركيز الدولة ينصب على ماهو متعلق بالتفاوت بين الطبقات الإجتماعية بٱعتباره شكل من أشكال الربط الوهمي بين الأسفل والأعلى في سياقات مختلفة وتركيبات متنوعة ؛فمنها من جاء كإفراز نوعي وموضوعي للتقلبات العنيفة للشارع السياسي العام وماشهده من حركات إحتجاجية و حراكات إجتماعية وإنتفاضات شعبية؛ وأحيانا تطلع فئة عريضة من الشباب والنخب لإضفاء الطابع القانوني على النضال الجماهيري خوفا من المتابعات القضائية كأسلوب تكتيكي يهدف إلى توسيع القاعدة الجماهيرية والتغلغل في الشارع ؛ ومثل هكذا تحولات تكون بتخطيط إستراتيجي منظم من طرف الدولة تروم وراءه إجهاض كل ممارسة سياسية جذرية وخلق معارضة سياسية بمقاسات محددة تتلاءم وإحتياجاتها المستقبلية ؛ و هناك من جاءت نتيجة إنشقاقات حزبية أو تجمع لتكتلات سياسية صغيرة .
لايخفى على أحد تأثير الأحزاب السياسية في مجريات تطور مسار الديمقراطية الداخلية لكل بلد وتسيير شؤونه العامة من الجماعات المحلية مرورا بالبرلمان وصولا إلى الحكومة ؛ ويبقى هذف الأحزاب هو السعي للوصول إلى السلطة أو على الأقل التأثير على قرارات السلطة الحاكمة على حد تعبير “جورج بيردو”.
-إن أساس الأنظمة الديمقراطية يكمن في قداسة حقوق الإنسان بما فيها حق المشاركة السياسية الفاعلة والعملية الإنتخابية كأحد مداخلها الرئيسية “لا مشاركة سياسية بدون عملية إنتخابية نزيهة” وهذه العملية تضمن للمواطن الحق في الإختيار بحرية دون قيود تذكر ؛
-إن التحولات التي عرفها العالم مع إنهيار جدار برلين ساهمت في تحول الأحزاب من مدارس للتدريب على فن ممارسة السلطة وإنتاج النخب بشكل متجدد ؛وحتى مقراتها تحولت من ساحات للمبارزة الفكرية والسياسية…إلى محلات مغلوقة كما تغلق الدكاكين يوم الجمعة وفي أيام العيد ؛
إن كل إنتقال مادي من موقع “وسط1” إلى موقع أخر “وسط2” يرافقه إنتقال طاقي يأخذ أشكال مختلفة “ذرات ؛جزيئات…..” وكل تحول سياسي يرافقه تحول إجتماعي في المنظومة المجتمعية ككل ؛ولعل الجميع في المغرب يعرف نسبة المشاركة في الإنتخابات الأخيرة التي لم تتجاوز 50.18٪ بزيادة طفيفة عن النسبة المسجلة في إنتخابات 2016 حين بلغت 42.29٪ ومنذ سنة 1997 لم تتجاوز نسبة المشاركة 58.3٪ ؛ نسب جد ضعيفة تدل على تدني منسوب الثقة عند المواطنين/ات و هشاشة الوضع السياسي في البلاد بالإضافة إلى توسع رقعة الفراغ الحزبي في وسط فئة الشباب التي تشكل العمود الفقري لكل مجتمع وأساس كل نهضة اقتصادية؛سياسية أو ثقافية كانت ؛حيث فئة الشباب تمثل 65٪ من نسبة السكان ؛وهذه المرحلة “الشباب” تعد من أخصب مراحل عمر الإنسان ؛ إنها مرحلة الحماس والتطلع للمستقبل ؛وحسب معطيات سبق للمندوبية السامية للتخطيط أن كشفتها حول علاقة الشباب بالمشهد السياسي والحزبي، إذ تفيد بأن 70 ٪ من الشباب لا يثقون في جدوى العمل السياسي، و5 في المئة يؤمنون بالعمل الحزبي، و1 في المئة فقط يزاولون الفعل السياسي من داخل الهيئات السياسية، بينما يشكل الشباب 40 في المئة من الكتلة الناخبة ؛هذه ليست مجرد أرقام بقدر ماهي دلالات قوية على حجم الخلل السياسي والحزبي بالبلاد والفراغ المهول بين كثرة الأحزاب السياسية ونسبة المشاركة خصوصا عندما يتعلق الأمر بأكثر فئة نشاطا وحيوية …
مما لاشك فيه أن كل ظاهرة إجتماعية مهما كانت حدتها من التعقيد والتركيب …تكون لها أسباب ومسببات ومحفزات تنشط تفاعلها ؛ولعل العزوف السياسي في المغرب أصبح ظاهرة سياسية/إجتماعية لعدة إعتبارات نذكر منها :
-عدم إلتزام الحكومات المتعاقبة على الحكم بوعودها الإنتخابية ؛
-غياب برامج حزبية حقيقية تلامس تطلعات الشباب وطموحاتهم الإقتصادية والسياسية والثقافية…
-الضعف الداخلي للتنظيمات السياسية وتخليها عن مبدأ التكوين والتأطير والإستقطاب …
-ضعف القدرات التواصلية عند قيادات الأحزاب السياسية وإبعاد الشباب عن تحمل المسؤوليات الحزبية ؛
كل هذه العوامل ساهمت في خلق جيل جديد من الشباب لا منتمي ولا إنتخابي …جيل فاقد للثقة في الكائنات الإنتخابية وفي المؤسسات الحزبية ويعتبرها فاقدة للمصداقية لأنها لاتشجع على الإنتماء الحزبي ولا تسهر على التأطير ..تعمل بشكل موسمي و تسارع الزمن لإستقطاب الأعيان والإقطاعيين الجدد ؛فكيف يمكن إقناع الشباب بالمشاركة في ظل أحزاب تفتقد للمرجعية الإيديولوجية والبوصلة الشعبية ولاتعترف بالديمقراطية الداخلية للحزب وإستقلالية قراراته العامة ؟!
إن المشاركة في الشأن العام الوطني تستلزم ترتيب الأولويات والإختيارات…من طرف الدولة داخل كل منظومة وكل قطاع على حدى خدمة للتوجه العام للبلاد وحجم التحديات المطروحة وطنيا ودوليا؛ولمواجهة العزوف السياسي ومن باب المسؤولية التاريخية يجب وضع حد لسخط الواقع السياسي الذي ينتجه والأرضية التي ينمو فيها ؛ بفتح قنوات للتواصل مع عموم فئات الشعب ووضع برامج جادة تلامس احتياجات الناس اقتصاديا وإجتماعيا وثقافيا… وتلبي رغباتهم ؛مع تنظيم إنتخابات نزيهة وشفافة تحفظ فيها حرية الرأي والتعبير وتسيرها البرامج الإنتخابية المعقولة بدل المال والسلطة؛ و تغليب منطق الشفافية والصدق على منطق الزبونية والكذب …لكن لغة هذا الأخير لا مكان لها في السياسة أو كما عبر عنها أحد السياسيين وكبار دولة بروسيا “أوتوفون بسمارك” الذي كان كان له الفضل في توحيد توحيد الولايات الألمانية [يكثر الكذب عادة قبل الإنتخابات وخلال الحرب وبعد الصيد ]
#بقلم رضوان البقالي
التعليقات مغلقة.