أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

من حسن الصباح إلى حسن نصر الله: الدرس الغائب

رضا سكحال

هل أعاد النظام الإيراني أحداثا تعود إلى صفحات التاريخ القديمة بشكل ساخر، حين ضحى “حسن الصباح” قائد الحشاشين أو ما عرف بالباطنيين، بابنه ليكون نجم قلعة “ألموت” الواعد؟

أمر الصباح بقتل ابنه أمام أنظار جميع قاطني القلعة، فازداد قوة وارتفع نجمه، وبعدها انفصل عن العالم لبرهة، فرحل خارج أسوارها لعله يغتسل من دم ابنه المهدور، حيث مكث أسبوعا في دار قريبة من حصنه/قلعته.

وحدث أن خانه الرجل الثاني في تنظيمه، حيث منح “برزك أميد” لحراس القلعة الضوء الأخضر بقتل (رجل مجنون) سيحاول اقتحام القلعة مدعيا أنه الصباح في الأيام القادمة…معتقدا أن سيده سيعود ممتطيا حصانه وسيكون صيدا سهلا، ليحكم الرجل الثاني باسمه قلعة “ألموت…وإذ لم يكن ذلك “المجنون” سوى الصباح زعيم الحشاشين.

لكن حسن، كان على دراية باللعبة، وعلى يقين بأنه لو عاد للقلعة من بابها الرئيسي ستخترقه سهام حراسه الذين سينفذون أوامر الرجل الثاني بالقلعة الجبارة، وسيخر صريعا، لذلك دخلها من مخبئه السري.

سننتقل من أحداث التاريخ “الوسيطي” المتشعبة نحو الفوري، على الرغم من أن هذا الأخير  قد أثار زوبعة كبيرة، حول إمكانية اقتراب المؤرخ من زمن قريب جدا من الحدث، والحجة في ذلك شعار “الموضوعية”.

وحتى أكون صريحا مع القارئ الذي يقرأ لي، فالموضوعية هي الوعي باستحالتها، وبالتالي لا وجود لها، كما أود أن أخبره أنني متعاطف مع القضية الفلسطينية، ومع المقاومة، ومع كل من يناهض ثقافة الموت. لهذا لا تنتظر مني أن أكون موضوعيا، لكن أعدك بأن أتحلى بالنزاهة.

بدأت الحكاية حين أعلنوا الشرق الأوسط الجديد، فكان ما سمي ب (الربيع) العربية لحن المقدمة، وبداية التفتيت، استنزفوا حزب الله في معارك مع تنظيمات تكفيرية صنعتها أجهزة المخابرات لإسقاط أضعف حلقة في محور وقف ضد الفكر الاستعماري في الشرق الأوسط.

وهنا لا بد أن أفتح قوسا بل أقواسا، نظام الأسد كان نظاما متسلطا، قمعيا، لكن بديله كان دمويا، لدرجة أنه لم يجد حرجا في إحراق مدن بأكملها إن اقتضى الأمر ذلك…البديل كان عميلا وعمل سمسارا لقوى معادية لشعوب المنطقة، وإن حدث ووُضِعَ  أي إنسان سوي وعاقل في اختيار بين نظامه الذي يسمح له بممارسة حد أدنى من الحرية، وبين نظام آخر مجهول الهوية، بدأ مشواره بالدم والحرق، سيختار بقاء نظامه بدون أدنى تفكير.

الثورة السورية، ولا أعلم من هذا العبقري الذي أسماها كذلك، لأني لم أقرأ مطلقا عن ثورة تسير من طرف أناس لم يشتركوا فيها، ولم أسمع قط عن ثورة بدون برنامج ولا تصور يوازن بين البنية الفوقية والتحتية…شكلت ورقة رابحة، وكانت حصان طروادة الذي جعل الإمبريالية الأمريكية وحليفتها (إسرائيل) تتقدمان بخطوات على المقاومة المستنزفة.

خاضت داعش والنصرة والجيش الحر، والعديد من التنظيمات الإرهابية والتكفيرية حربا بالوكالة عن صانعيها، وتفرغ “الأسياد” للتخطيط الإستراتيجي للسنوات القادمة، كانت و.م.أ و”عاهرتها” المدللة المسماة بـ(إسرائيل) يعملون على اختراق واسع للنظام الإيراني، بعدما صنعوا مسرحا كبيرا للإلهاء، تمت تسميته “بالربيع العربي”.

لماذا اختراق إيران بالضبط؟ وهي من (تحرك) الأذرع، أليس بالأحرى اختراق حزب الله، أو  حماس، كان سيكون أسهل،  وهنا يكمن السر أو الطبخة، إيران نظام  سياسي كبير، لها تفرعات وأذرع عديدة، وكلما اتسع المجال، أصبح احتمال الخطأ أكبر، عكس التنظيم الصغير، الذي يكون مجاله  الضيق تحت السيطرة، بالإضافة إلى كون التنظيم الصغير يسقط الغرور من قاموسه، حريس لدرجة لا يمكنك أن تتخيلها، لأنه يعلم أنه على المحك، أي خطأ يساوي الموت أو الهزيمة.

استطاعت المخابرات الأمريكية والإسرائيلية اختراق النظام الإيراني، واستغرق ذلك سنوات طويلة، حتى بدا عاريا أمامها. وانتظروا الوقت المناسب للشروع في إنزال مخططهم عبر سيناريو محبوك.

صمتت إيران بشكل مريب حين اجتاحت آلة الاحتلال قطاع غزة، وقامت بإبادة جماعية للفلسطينيين، صمتها، فسر على أنه خوف، ولا يمكن تفسيره غير ذلك، خوف على مشروع إيران النووي، وعلى ملف يطبخ تحت نار هادئة.

فهل كان نظام إيران وإمامها على دراية بتاريخ السابع من أكتوبر؟

ولماذا تخلى عن دعم محور المقاومة إن كان يعلم بالحدث؟ حين اكتفى بلعب دور المتفرج.

ولماذا لم يتحول إلى لاعب رئيسي، وهو يعلم أنه في حالة هزيمة أحد أطراف المحور، ستتهاوى الحلقات، وسيكون القادم بكل تأكيد؟

إلا، والأداة المذكورة استثناء، إذا كان هناك اتفاق سياسي من تحت الطاولة بين فضيلة الإمام ومبعوث جاء ليهمس بكلمات إنجليزية في أذنه، خلاصتها، إعادة فتح حلم إيران النووي من جديد، ورفع العقوبات عنها، والمقابل، الأحداث الماضية والتي ستأتي، قد أجابت وستجيب عن هذه الأسئلة.

قصفت طائرة أمريكية مسيرة موكب الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، التابع للحرس الثوري الإيراني، ومر الحادث بدون رد، حتى شبه الرد، كان باستئذان القاتل.وهذا ما أكده “ترامب” أمام وسائل الإعلام بشكل صريح.

اغتالوا رئيسي في حادثة غريبة، تخيل معي أن دولة تعتبر نفسها الأقوى في المنطقة، مات رئيسها في حادثة مضحكة، تحطمت مروحيته بسبب سوء الأحوال الجوية، حتى رئيس أفقر دولة في العالم، لن يموت بهذا السبب…ومر الحدث…

بعد هذا الاغتيال، استهدفوا إسماعيل هنية وسط الأراضي الإيرانية، وبقي الحادث دون رد…لم يردوا حتى على اغتيال رئيسهم رئيسي. ومر الحادث كأن شيئا لم يكن…أه كدت أنسى، ردوا بأغاني ثورية أداعها التلفزيون الإيراني، توعدت بالثأر.

وهاو السيد حسن نصر الله يرتقي شهيدا، بعدما قصفوا المقر المركزي للحزب، بأزيد من 80 طن من القنابل، التي اخترقت الخنادق…أتعي ماذا يعني أزيد من 80 طن من المتفجرات؟

السؤال هنا، كيف حددوا مكان تواجد هنية؟ الذي لم يكن يعلم مكانه غير قيادات الصف الأول الإيراني؟

وكيف عرفوا مكان فؤاد شكر، رجل حزب الله الثاني؟

وكيف عرفوا مكان اجتماع إبراهيم عقيل، الذي كان مجتمعا بقادة فرقة الرضوان؟

وكيف عرفوا أن حزب الله سيكون متواجدا بمقر الحزب الضاحية الجنوبية لحضور الاجتماع، وكيف حددوا مكانه بكل تلك الدقة؟

هل هذه الحوادث المتصلة، بمثابة بيع إيراني للمقاومة في مزاد علني، أم أن الأمر لا يعدو كونه اختراق، لكن إذا افترضنا وجوب الاختراق ونفينا صفقة البيع والشراء والتضحية بكل هؤلاء المقاومين، فالأكيد أن الجاسوس الذي يستطيع معرفة تفاصيل دقيقة وحساسة تتعلق بأمن الرئيس الراحل رئيسي وبمساره، وبنوع وسيلة النقل التي ستقله، وبمكان تواجد هنية، وبمكان تواجد قيادات الصف الأول لحزب الله، لا يمكن إلا أن يكون قياديا بارزا، بل جد بارز وسط السلطة الإيرانية، الذين يعدون على أصابع اليد العشرة.

وهذا السرد لا يلغي بتاتا فرضية وجود صفقة، حيث تعني هذه الحوادث، أن النظام الإيراني تاجر بدماء هؤلاء المقاومين الشرفاء، من أجل أمنه القومي.

تبقي هذه فرضية، لها هامش من الصواب، ولها هامش ومن الخطأ، فالحقيقة تبقى دائما نسبية ولا مجال للمطلق، في غياب وثائق رسمية تنفي أو تأكد، وهذا من باب المستحيل في الظرفية الراهنة.

كما تبقى الفرضية المتعلقة بتصفية كل هؤلاء خدمة لأجندة ما، يبقى أمرا واردا، خصوصا ونحن نتحدث عن أقذر مصطلح في الوجود، ألا وهو السياسة، التي لا ترحم من هو في دائرتها، أو من يدخل لعبتها.

 

 

التعليقات مغلقة.