أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

نصوص من غزة: فصول الدهشة ومحاولات للنجاة

فداء زياد

في جباليا لي ما هو أكثر من عائلة وأوسع من مخيم، عمتي الوحيدة لم نعرف تعداد العمات إلا بوجهها كانت عمات لكثر، لا يسبق اسمها لقب “عمة” وجهها الوحيد الذي علمنا كيف تصير العمة أم وسر وقرب وجلسات نميمة طارئة.

لعمتي عائلة من أولاد وبنات وبيت بيت فيه كل ما هو محسوب حسابه من ذا الذي يجرؤ أن يفسد إزاحة الشرشف عن الطاولة بمقاييسها لا تعاقب عمتي لكن على وجهها تظهر ملامح تجعلك تخشى منها أن تفسد سر توازن طول الشرشف مع الطاولة.

بيت فيه جلسات العرس التي لا تخلو من الكيد ومفاجأته إنها عادة كل البيوت إذا ما اجتمعت فيه “نساء”.

لوجهها الوحيد العديد من الوجوه عمة حنونة، عمة مندهشة، عمة مكتملة الأمومة، العمة السر، العمة الصديقة، العمة الأخت!

لا أحد ينافس يد عمتي في صناعة البسكويت من نشا وبعض السكر حتى إذا صادفته في مخبز تقول “بسكويت عمتي”.

منذ سنة وجه عمتي الوحيدة وجه واحد أم خائفة وأخت قلقة.

لصوتها ميزة واحدة تبكي غيابنا نزوحنا وشتات من كان وجهها يعرفهم وترعى عائلة من بنات وأحفاد بعد أن اقتادت الحرب زوجها نحو الاعتقال ومن ثم إطلاق سراحه جنوباً.

في جباليا لي ما هو أوسع من مخيم.

من شارع ضيق في مدخل السوق المركزي هناك عربة تصطف فيها “كرابيج الحلب” كقلادات يقف بها شاب لا يجيد سوى الابتسامة إشارة أنه فهم طلبك اذ لا يسمعك جيداً من ضجيج السوق يزعجك بروده في المرة الأولى لكنك بعد حين تعرف أنه الشخص “الأصم” الذي يطعمك الابتسامة وكرابيج الحلب.

دعتني أن أجربه مرة أختي التي تحفظ شوارع جباليا شارع شارع تعاملني في كل مرة كسائحة تكتشف المخيم أنشغل أحياناً في مشهد البنات مجدولات الشعر حين يلقين بحجر الحجلة. وفي زقاق آخر تضرب الكرة قدمي أتذمر منها فيبتسم الولد ذو البلوزة الزرقاء “معلش معلش، بعرفوش يلعبوا” ويتجاهلني بعدها.

في جباليا لي ما هو أهم من الدرس الأول.

تخرجت من الجامعة ومباشرة كانت أولى تجارب الوقوف بصف بمدرسة في جباليا لا لوحة تنافس لوحة انتظام الشعر في رؤوس البنات في الصف وشكل تقارب الصف من بعضه جارات في الحارة وفي الصف جماعات جماعات تتباهى كل واحدة بشكل قبتها البيضاء وانتظامها على الرقبة.

في الصف عرفت كيف تبدو الإجابة مدخل الخيال الأول كأن تسأل عن رسالة فتأتي الإجابة “غيمة”!

في جباليا لي ما هو أكبر من بيت.

بيت الصديقات بيت العم “أبو يحيى” وخالتي “غنيمة” البيت الذي انفجرت به بكاء بعد وفاة أمي بشهر في بيتي بكيت بكاء المودعين دون صراخ هناك صرخت هناك نمت في حجر خالتي “غنيمة” ومسحت على رأسي بمعوذاتها وفي صباح يوم اشتقت ليد الأمهات هناك عرفت شكل يدها التي “تفرك” أوراق الزعتر والريحان تجففه لزمن تموت فيه روائح الأمهات من البيوت.

بيت محاصر منذ أيام به خالتي “غنيمة” ويدها وبناتها وحفيدة صغيرة واسمها ملك وحزن ممتد منذ عام على بنات قتلتهن الحرب.

لي هناك ما لا يمكن احتمال سقوطه في أيام صار السقوط فيها أكثر سرعة!

صباح لجباليا ولمن فيها ومن انتظره ناجياً!

 

التعليقات مغلقة.