محمد عيدني
في خضم الدخان الناتج عن قذائف الحروب، تظهر مدينة صور تشكو على ضفاف بحرها، تعبر عن آلامها في مشهد مؤلم. يختلط أصداء تعبر عن وداع القرى المرتبطة بجذور أهلها، حيث البكاء يعبر عن الوداع الأخير لذاكرة جماعية غارقة في الفراق والصمت.
صور، المدينة التي تجسد الكفاح والتاريخ، ترثي اليوم جدرانها التاريخية ووجوه الأجداد، حاملةً عبء الحكايات القديمة. هذه المدينة، التي صمدت في وجه العواصف والغزوات عبر العصور، تجد نفسها اليوم وحيدة في معركة البقاء.
شهدت الذاكرة المليئة بالمعاناة نتيجة الهجمات الإسرائيلية، التي يقودها شخص وصفه أبناء الجنوب بالجنون. إن هذا الكائن المتوحش يتغنى بقدرته على تدمير المدن وقتل الأطفال، مما يحول مكاناً مفعماً بالحياة إلى رماد وتاريخ يحترق بصمت.
صور، ليست مجرد معالم جغرافية، بل تمثل دفء ذاكرة مواطنيها، شهدت أفراحهم وأحزانهم، وما زالت تتأكد أن صرخات الألم لن تذهب سدى. القصف المتواصل ترك ندوباً تحول فيها كل بيت وكل زقاق إلى شاهد إثبات على ما مرت به هذه المدينة.
انتشرت صور النيران الملتهبة على وسائل التواصل الاجتماعي، وأثارت حزناً عميقاً في قلوب اللبنانيين والعرب. المدينة باتت تعبر عن آلامها، كأنها تتحدث إلى السماء آملة في الاستجابة. لكن العالم، بدلاً من أن يلبي نداءاتها، صمت كأنه غير مبالٍ.
بينما تتعالى صلوات الأمهات الثكالى، يبدو أن القادة السياسيين في العالم قد اعتادوا على رؤية الدماء، حتى أصبح الألم العربي مجرد حلقة من حلقات الصراع التي لا تنتهي. المدن العربية، كصور وغزة، تُركت لمواجهة مصيرها وسط تجاهل دولي للمعاناة.
ومع شعلة الألم التي تشتعل في غزة بلا انطفاء، تظل هذه المدينة، مثل شقيقتها صور، تبحث عن الأمل في قلوب صامتة وعاجزة. البحر وحده هو الشاهد على كوارث هذا الشرق، يستمع لأصوات الألم، بينما تواصل المدن مقاومتها رغم كل الدمار.
في ختام هذا المشهد المأساوي، يكشف لنا الفشل البشري: فالصمت أمام الانتهاكات، والجحود الغربي، يحول الإنسانية إلى ضحية للوحشية. الأمل في عالم يحمل راية الإنسانية يتلاشى، ويظل الأطفال محرومين من حقهم في الحياة وسط أصوات القذائف.
إنسانية مزيفة في زمن اللامبالاة
الصدمة لا تكمن في فظائع العدوان، إذ باتت معروفة للجميع، بل الحقيقة الصادمة تكمن في تلك الإنسانية التي اختارت أن تقف مكتوفة الأيدي، تبرر أفعال القتل باسم القوة. الضمير العالمي غائب، يبرر الهمجية، ويغض الطرف عن معاناة innocents، تاركاً شعوباً تواجه مصيرها وحيدة.
الأطفال في هذه المناطق، يعيشون تحت ضغط الحرب، محرومين من أبسط مقومات الحياة، مما يعكس واقعا مأساوياً لا يمكن تجاهله. أين الإنسانية من هذا المشهد المخيف؟ ولماذا يبقى العالم صامتاً أمام ذلك الدمار المستمر؟
إن صدمتنا الحقيقية تكمن في خذلان الإنسانية، في عالم يصم آذانه عن صرخات المعاناة، ويترك الأبرياء يواجهون قسوة الوحوش دون نجدة.
هذه الكتابات تحمل آلام الأمس وآمال اليوم، وتعبر عن واقع يحتاج إلى تغيير، ولتذكير العالم بأن الإنسانية لا ينبغي أن تخذل
التعليقات مغلقة.