أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

إلى الوكلاء الجدد للاستعمار حفدة المنهزمين القدامى خُدّام الاستعمار

لطيفة البوحسيني

نطلعكم علما أننا نحن “النسائيات” أو على الأقل البعض منّا، لا نرى عموما في النساء ضحايا بل نرى فيهن فاعلات، ولا نعتبرهن تحديدا ضحايا الإسلام ولا أية ديانة أخرى.

النساء مثلهن مثل الرجال، ضحايا اختيارات استراتيجية وخيارات لعب فيها الاستعمار بكل أشكاله، الجديد والقديم، دورا كبيرا من حيث الحد من الاستقلال السياسي والاقتصادي ومن حيث الاستحواذ على الثروات ومن حيث تأبيد التبعية مع بقاياه من بين من فضلوا الاستمرار في الولاء له والخضوع لإملاءاته وتسهيل حصوله على امتيازات، المادي منها والرمزي.

النساء مثلهن مثل الرجال، تتأثرن (إيجابيا أو سلبيا) بالسياسات والاختيارات القائمة على التمييز الاجتماعي (الطبقي) والمجالي والترابي في مختلف المجالات.

النساء مثلهن مثل الرجال، تعانين من أنظمة استبدادية تسلطية فاسدة، تفضل الزبونية والمحسوبية والريع وتسليع كل شيء، بما في ذلك أجساد النساء وأجساد الأطفال، وعما قريب أجساد الرجال هم كذلك.

طبعا هناك خصوصية لآثار كل هذا المشار إليه على النساء، سببها وجود منظومة ثقافية اجتماعية يسميها علماء الاجتماع والأنثربولوجيا بالهيمنة الذكورية أو نظام الباترياركا أو نظام التفوق الذكوري.

غير أن هذه المنظومة التي ترسخت منذ آلاف السنين، ليست حكرا على مجتمعاتنا العربية الأمازيغية المسلمة…هذه المنظومة تتسم بكونها كونية، ومتقاسمة بين المجتمعات الإنسانية قاطبة…بما فيها المجتمعات التي تعلنون ولاءكم لها.

إنها منظومة تتطلب وضع حد لها والقضاء عليها ضمن اختيارات واضحة في كل مجالات الحياة وجبهاتها، ولا يمكن عزلها بالشكل الذي يضع النساء في مواجهة الرجال…فالمواجهة هي في العمق مع منظومة مركبة ومعقدة سيكون من الساذج اختزالها في “صراع” بين الرجل والمرأة، ولا في اختزال عواملها العميقة في النسق الديني.

فكفوا إذن عن ترديد الأسطوانة الاستعمارية المشروخة القائلة بأن الإسلام هو سبب هذه الهيمنة الذكورية…فهذه إما سذاجة أو بلادة إذا لم تكن سوء نية مُبيّتة قائمة على الاجتهاد في إيجاد عناصر جوهرانية لتحقير الذات.

ليس الإسلام يا سادة هو السبب ولا هو جذر الهيمنة الذكورية، وإلا بماذا تفسرون وجود هذه الهيمنة  في بلدان الاستعمار القديم التي تعتد بكونها أقامت أنظمة ديمقراطية على أساس المواطنة، ومع ذلك ظهرت فيها حركات نسائية تناضل  من أجل إزالة مختلف أشكال التمييز والعنف المسلط على النساء  عندها.

 

إذا كنتم تبحثون عن مكان لكم تحت شموس بلدان الاستعمار القديم والجديد ومعها جوائز ومجد شخصي، ما عليكم إلا الاعتماد على مقوماتكم الشخصية، فأبدعوا سبلا أخرى وكفوا عن توجيه سهامكم للإسلام كديانة وكحضارة، وللمسلمين نساء ورجالا كبشر، يتوقون، مثلهم مثل كل أفراد الإنسانية جمعاء، إلى الحرية والتحرر وإلى المساواة والعدل وتكافؤ الفرص…وإلى المواطنة.

كفوا عن اعتبارنا ضحايا ديانتنا وثقافتنا واجتماعنا…ليس لانتفاء العيوب فيها، بل لأن هذه “العيوب” ليست حكرا علينا من جهة، ولأنها من جهة ثانية ليست من قبيل العيب الجوهري المتأصل والمتجذر والجيني فينا (ADN)، هي “عيوب” بشرية ظرفية (تاريخية) نتصدى لها ولآثارها، وسننجح لا محالة إذا تخلصنا من “هيمنة” المستعمر الجديد بآلياته الجديدة التي تعتبرون أنتم ضمنها…وسننجح، حينما نتقوى كتعبيرات جماعية سياسية مُعتدة بكرامتها وبحرصها على أن تقول كلمتها في الاجتماع الكوني الإنساني.

تأكدوا أننا نتطلع لإزالة كل العقبات التي تحُول دون تمكين كل أبناءنا وبناتنا من تفجير كل طاقاتهم الإبداعية للمساهمة في تحقيق مواطنة الجميع على قاعدة الكرامة المتأصلة في بني آدم، غير أننا سنختار السبيل الذي يلاءم حضارتنا وثقافتنا وتاريخنا وذاكرتنا الجماعية وما نصبو إليه من حلم ومستقبل جماعي.

سنقوم بذلك، في ظل المشتركات الكبيرة والعميقة التي تجمعنا هنا بل وتُوحدنا، وضمنها المشترك الديني والثقافي الذي لن نُسلمه لكم ولن نترككم تعبثون به وتستعملون بعض التعبيرات “النكوصية” التي انفجرت كردة فعل في وجه سياسات أولي أمركم واستعلاءهم وتكبرهم، للتشكيك في قدراتنا وإمكاناتنا الذاتية التي لا تختلف عن بني البشر أينما كانوا.

سنقوم بذلك، ونحن نمد اليد إلى كل الأحرار، من بين شعوب بلدان الاستعمار القديم والجديد، الذين لم يرضوا أبدا بالنهج القائم على العنصرية والتمييز والاستغلال المعتمد من طرف أنظمتهم.

مع هؤلاء، نتقاسم فهما جديدا للكونية…تلك القائمة على الاحترام والإيمان المتبادل بأن القيم النبيلة هي تلك التي يسعى الجميع لتجسيدها ولترجمتها في سلوك الأفراد والجماعات، وليست دروسا يتلقاها البعض من البعض الآخر.

نحن النسائيات، أو البعض منها، نؤمن إيمانا عميقا، أن التحرر من قيود الهيمنة الذكورية مرتبط ارتباطا قويا بالتحرر من مختلف أشكال الهيمنة، الجيو استراتيجي علاقة بقوى الهيمنة العالمية التي تسعى جاهدة إلى تأبيد سيطرتها، السياسي علاقة بأنظمة الاستبداد والريع والفساد، والاقتصادي علاقة بالاختيارات النيولبرالية الرأسمالية المتوحشة، والثقافي علاقة بكل النهج التي تُبرر تأبيد النكوص بدل الإبداع والكسل بدل الاجتهاد والنقل بدل العقل…ومعه لا ترى غضاضة في استمرار التفوق الذكوري واختزال النساء في أجساد تُستهلك بدل طاقات تبدع وتنتج وتساهم في ترسيخ الكرامة والأنفة والتحرر من كل أشكال الذل والمهانة.

التعليقات مغلقة.