أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

زمن فورية الخبر الصحفي وآنيته

بقلم: رشيد لمهوي

” في سرعة الحصول على الخبرهناك ما قبل تويتر وما بعده.

لقد انتقلنا من عربة النقل إلى القطار الفائق السرعة”

لوران غيمييه Laurent Guimier

أكد تيم بيرنرز لي Tim Berners – Lee مؤسس الشبكة العالمية World Wide Web أن أفق المستقبل هو للصحافة التي تقودها البيانات. في الماضي القريب كان الصحفي يحصل على الأخبار من خلال الأحاديث التي يتبادلها في المقاهى ، وهو يستطيع الاستمرار في ذلك من حين لآخر. أما الآن فيجب أن يتناول البيانات ويتزوًد بأدوات تسمح له بتحليلها واكتشاف ما قد يكون هامًا وجمع النتيجة ضمن منظور من أجل أن يساعد القراء على الربط بينها وعلى فهم ما يحدث في بلدهم.

لقد أثبتت الصحافة الرقمية نفسها في العقود الأخيرة ،ونحتت لذاتها إمبراطورية لا يمكن زحزحة عرشها واستقرارها ونفوذها العتيد،وأمنها الداخلي الشديد البأس والقوة،نسجت من حولها أتباعا ومريدين يقدمون إليها صكوك الولاء والطاعة، يتقربوا من جلالتها بالقرابين من أجل الظفر برضاها غير المشكوك في أصالته وبركته وحتى قدسيته! .إنها بمثابة شخصية كارزمية مهابة الجانب ، تغري الداني قبل القاصي من التقرب إلى حصونها المنيعة والتمعن في مرآة جلالتها الميمونة؛ إنها صاحبة الجلالة التي تؤرخ لنفسها عصرا جديدا تفوح من محيطه عطورالرقمي الجذابة والمغرية من كل حدب وصوب. والحال، لم يعد فيه الصحفي الرقمي،أو الشبكي،أو الأنترنيتي وصمة عار على جبين الصحافة، بل هو صحفي أدرك بوعي محض أن الزمن المعاصر هو الزمن الرقمي بامتياز. في ثناياه تغيًرت كل الأشكال والقوالب التقليدية التي ولى زمانها وانقضى.

فالزمن الرًاهن هو زمن الرقمي، والصحفي مجبر لا مخيًر على مواكبة إيقاع العصر المشمول بسرعة رهيبة حدً الجنون، تطور تكنولوجي حثيث لا يخامره الكسل ولا الجمود ولا الغرور، تطور لا يتسلل إلى جذوره النكوص والتقهقر. بناء عليه، يمكن للصحفي التخلي عن القلم والورقة شريطة أن يظل أسير النت، متصلا على شبكة الانترنيت بشكل دائم،عليه أن يكون مثل ظله يرتحل معه أينما حل واستقر، ولو أن الاستقرار مُغيًب على اعتبار أن كل شيء في حركة ،والهاتف المحمول هو تجسيد فعلي لهذا اللاستقرار الذي يشمل وجودنا في كليته من رأسه إلى أخمص قدميه . وفي اللحظة التي يتعطل فيها هذا الاتصال تجد هذا الصحفي في بطالة تقنية مبرًرة. من المؤكد أن الانترنيت بالنسبة إلى الصحفي الرًقمي هو منبع لا يضاهى للمعلومات، وكنز دفين لا ينضب معينه من البيانات الضخمة Big Data . في أعماق بحورها الشاسعة يعثر الصحفي المبحر في هذه الأمواج الهادرة على ضالًته وهدفه الذي يهتدي إليه من خلال الكشف عن مواضيع يغمرها التنوع حتى النخاع، بواسطة الانترنيت يتواصل مع مصادره عبر تبادل الرسائل الالكترونية ، والرسائل الآنية والشبكات الاجتماعية ، يضع في واجهتها مواضيعه وينشرها. هؤلاء الصحفيون الذين ولجوا أعتاب الويب لم يسلموا يوما من الأيام الخوالي من النظرة الدونية التي لاحقتهم من طرف الحراس التقليديين الذين يكرسون جهودهم في التحرير الكلاسيكي، بين من يعتبرهم صحفيوا الأجور المخفًضة، أو أنهم أشخاص قليلو الخبرة والكفاءة والمهنية والمؤهلات.إلا أن زمن هذه النظرة قد ولى إلى غير رجعة. من هذا المنطلق على الصحفي اليوم أن يواكب هذا التحول ويحاول أن يركب أمواج الرقمي وألا يخشى العواقب والمجهول.

لا مندوحة أن هناك حقيقة لا يجب أ ن نتجاهلها أو نسيانها، وهي كون عالمنا بكل معالمه ومجالاته قد ركب أمواج الرقمي العاتية.بموجب هذا الغزو للرقمي غير القابل للصد والمنع، وجد الخبر نفسه محمولا على هودجه يتطاير هنا وهناك، مخترقا فضاءاتنا الافتراضية التي لا تعرف حدودا جغرافية ،و لا انتظار تأشيرات في الحدود الجمركية.

من ذا الذي له الجرأة و الشجاعة على وضع علامة ممنوع المرور في وجه هذا الوافد الجديد الذي يخترق جدار الصمت بكل عفوية وتلقائية؟. لا احد يمكن ان تراوده ولو لبرهة قصيرة هذه الفكرة غير المحمودة العواقب . فالخبر الالكتروني يسري ويذوب في هذا الجولان الافتراضي الجنوني والخيالي الذي اثبت نفسه بجدارة و استحقاق. على صفحات الويب و مرايا وسائل التواصل الاجتماعي من تويتر الى فيسبوك الى اليوتيوب الى المدونات و الصحف الالكترونية ،و المواقع الاخبارية تجد الخبر يسري و يمرح و يمشي الهوينى و بخيلاء على أرضه الجديدة المحفوظة و غير القابلة للسطو و لا للاستغلال من يد غريبة قد يخطر ببالها فكرة غادرة او ماكرة تزيحه من مملكته المحصنة بجدران فولاذية.

لقد وجد الخبر ضالته في منافذ وسائل الاعلام والاتصال الجديدة ؛ تقول أليس أنتوم Alice Antheaume في كتابها الصحافة الرقمية Le journalisme Numérique ان تويتر يبقى بطل السبق الصحفي، فهو يقدم خليطا من الشهادات الكثيفة . على سبيل المثال لا الحصر، الإنذار الذي وجهه صهيب آثار، وهو مستشار باكستاني في المعلوماتية، وكان أول من سمع بتاريخ 2 أيار/ مايو 2011 صوت طائرة الهليكوبتر تحوم حول ما تبين أنه مخبأ أسامة بن لادن فقام بنشر الخبر عبر تويتر. وبعد أن علم بموت بن لادن عقب مداهمة للقوات الأمريكية، عاد فغرًد على تويتر بتهكم: ” أنا الرجل الذي غرًد من دون علم منه لحظة الهجوم على بن لادن”.

في ظل تويتر وباقي الإخوة الأعداء يكون الخبر محكوما بالفورية والآنية. إنه ينتشر في الزمن الحقيقي، في لحظة وقوعه، لا يماطل أو يراوده التردد. تسترسل أليس في كلامها عن هذه الفورية والآنية التي أطل علينا بها الخبر في عالمنا المعاصر المحكوم بمنطق الرًقمي. في يوم السبت الواقع في ايار/ مايو 2011 في الساعة 22.59 بتوقيت نيويورك، كتب طالب فرنسي اسمه جوناثان بينيه التغريدة التالية: ” أنبأني صديق في الولايات المتحدة بأن الشرطة قد أوقفت منذ ساعة #DSK دومينيك ستروس كان Dominique Srauss Kahn في أحد فنادق نيويورك”. لقد سبق هذا الطالب بتغريدته جميع وكالات الأنباء ومكاتب التحرير. غير أنه سارع فأوضح على مدوًنته:” ليست تغريدتي السبب في اتقاد تويتر حول هذا الخبر”، فالسبب الحقيقي نشر النيويورك بوست الخبر على موقعها في الساعة 00:33 بتوقيت نيويورك.في الليلة ذاتها، وحين كان تويتر يغلي ويلتهب حول التوقيف المحتمل لدومينيك ستروس كان رئيس صندوق النقد الدولي FMI ، كان الاشتراكي الفرنسي بيير موسكوفيسي يشارك في برنامج “لم ننم بعد” على القناة الفرنسية الثانية بهدف دعم ترشيح صديقه DSK للانتخابات الاولية للحزب.خلال هذه الحلقة التي كانت تبث مباشرة ، لم يطرح أي تساؤل في أي وقت حول ما يجري في نيويورك.فعبر النت يكون الخبر أكثر سرعة في الذيوع والانتشار في لحظة وقوع الحدث بما هو حدث ذو أهمية قصوى.

من خلال احصاءات مايو عام 2012 تُنشر اثنان وسبعون ساعة فيديو في كل دقيقة على اليوتيوب، 350 مليون صورة و3.2 مليار أحب Like وتعليق على فيسبوك يوميا،ويوجد اكثر من 6000000 تطبيق على مخزن أبل App Store وما يعادلها على مخزن جوجل Google Play Store ،و118 مليار رسالة الكترونية email ترسل عبر العالم.

من أراد البقاء على الحياة عليه أن يمتطي صهوة حصان الرقمي غير المروًض.ويبدو للعيان أن جميع الوسائل الاعلام التقليدية فطنت إلى هذه الحقيقة؛ فالتلفزيون على سبيل المثال ركب موج الرقمي من خلال البث الحيً Live على منصات وسائل التواصل الاجتماعي ، أو عبر قنواتها على اليوتيوب. فسِر البقاء يكمن في خوض غمار تجربة الرقمي، حيث الأخبار تتناسل في اللحظة والتًو، فالخبر ينتشرويشاع ويتداول في لحظة وقوعه بالصوت مكتملا بالصورة.

التعليقات مغلقة.