أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

كأس العالم و الشعبوية

عبدالاله الجوهري *

ما أن أعلنت نتائج التصويت، التي منحت حق تنظيم كأس العالم 2026 لدول أمريكا الشمالية، ( والتي كانت معروفة و محسومة مسبقا، بالنظر لقوة ملف خصومنا، وترهل ملفنا القائم على الوعود الكاذبة في توفير البنيات حال حصول بلدنا على شرف التنظيم)، حتى انفجر المغاربة غضبا، و كثر القيل و القال، و دخل الكثير من المثقفين و الشعبويين على الخط، للبحث عن أيسر السبل، لدغدغة العواطف و الركوب على صهوة الوطنية، وجعل دول الخليج، السعودية أساسا ، مشجبا لتعليق فشل المغرب في اقناع العالم بضرورة منحنا حقا لا نستحقه، متناسين أن أصوات دول الخليح، و معها عشرين صوتا عربيا و إسلاميا، ما كان ليجعل الجامعة الدولية لكرة القدم، تقتنع بنا و بقدراتنا الضعيفة أصلا في الإحتضان و التنظيم.

كفى من البكاء على الأطلال و الوقوف عند الأبواب الضيقة المغلقة للدق و طرق ما لا يطرق، وتصفية الحسابات مع دول لا تنصت لنداء الأصل أو العرق أو التاريخ أو الدين، بل تبحث، قبل كل شيء، عن المصلحة الإقتصادية، و عن المكانة السياسية و مستقبل وجودها وحضورها بين الأمم.

الدول العربية التي صوتت لصالح ملف خصومنا تعد على رؤوس الأصابع، بعضها كان قلبه مع المغرب لكن صوته و سيفه مع دول أمريكا الثلاث.

السعودية في وضع لا تحسد عليه من صراعات داخلية بين حكامها، مع وجود هوة قاتلة تفصل بين شعبها ومسؤوليها، إلى جانب تهديدات خارجية كبيرة تهدد وجودها، بسبب مواجهتها السياسية مع إيران وتدخلها الحارق في اليمن و تورطها في العراق و سوريا، و بالتالي لن يحمي وجودها سوى العم سام الأمريكي و نفوذه الكبير في المنطقة بترسانته العسكرية و نفوذه القوي، أما فيما لا يشكل المغرب بالنسبة لأحفاد قريش سوى بلد عربي مسكين هو بحاجة إليهم أكثر مما هم في حاجة إليه، و بالتالي غضب المغاربة سوف يشترى بمنحة مادية تسكت أصحاب القرار داخل المملكة السعيدة، أما الشارع المغربي فلا يهمهم في شيء، لأن صورة “السواعدة ” ملطخة أصلا منذ مدة طويلة.

بالنسبة للأردن، الجميع يعرف اللحظة السياسية و الإقتصادية التي تمر منها المملكة الهاشمية، هناك تحركات شعبية قوية بسبب الأزمة الاجتماعية الناتجة عن الاختناق الإقتصادي و التردي السياسي، أزمة لن يحلها في القريب العاجل، سوى دول الخليج وأمريكا و كندا، بمساعدات اقتصادية عاجلة تضخ دماء جديدة في بلد مهدد بالسكتة القلبية. لتبقى أمامنا بلدان تأتمر بأوامر السعودية كلبنان، أو أوامر الولايات المتحدة الأمريكية، كالبحرين و الكويت و العراق.

في خضم هذه البلدان التي نعتقد أنها خذلتنا، يظل تصويت الإمارات العربية غير مفهوم، بالنظر لعمق العلاقات و التكامل في الرؤى و السياسات، اللهم إذا وضعناه في سياق موقف المغرب من أزمة قطر، موقف لم يعجب هذه الدولة الغارقة في متناقضاتها الداخلية وسياستها العوجاء الهوجاء منذ وفاة الشيخ زايد بن سلطان. ما يزكي هذا الطرح هو تصويت قطر على الملف المغربي، كعربون محبة و اعتراف بالمغرب و سياسته المحايدة في الأزمة و في نفس الآن معاكسة كل بلدان الخليج التي تمعن في حصارها.

بعيدا عن لعبة السياسة و المصالح و الخطابات الشعبوية الجوفاء، يجب أن نطرح أسئلة مباشرة عن واقع بلد يريد تنظيم أكبر تظاهرة كروية في العالم، بالموازاة مع أزماته ومشاكله الاقتصادية و السياسية و المجتمعية ، أزمات يصعب حصرها في عجالة، لكن مع ذلك نسأل و نستخلص:

هل يمكن أن يقبل العالم بأن ينظم المغرب هذه الإحتفالية الكروية و بنياته الرياضية جد بدائية، و فضاءاته السياحية جد مهترئة، و أمننا الداخلي يترواح بين السلم في مدن و”حروب” مع المجرمين و قطاع الطرق في مدن أخرى، و الفراشة يكادون يستولون على كل الأرصفة، و الحريات تبدو منعدمة (بلد لازال يسجن فيه المفطر في رمضان، ويحظر منح غرفة مشتركة في الفندق لغير الأزواج، و يمنع فعل الردة و اعتناق دين مغاير..)، وجماهير لا تفرق في كثير من الأحيان بين الاحتفال و الفوضى، ومستشفيات غير مجهزة، و مدارس مهدمة، و أسعار مرتفعة لا تخضع لقانون أو منطق، و قرى مرمية بين الجبال المنسية دون ضروريات الحياة، و لصوص للمال العام يتجولون دون حسيب أورقيب، وسياسيون فاسدون غارقون في عوالمهم الخاصة البعيدة عن عالم الشعب…؟؟؟.

كفانا بحثا عن جهة، عربية كانت أو أجنبية، لنلصق فيها أخطاءنا و هفواتنا و مستوانا الضعيف في تدبر أمورنا، و لنكن يقظين تجاه من يحاول توسيع رقعة البعد و الابتعاد عن محيطنا التاريخي و الثقافي و السياسي، و تكريس مفاهيم الحقد الأعمى، و عدم الانتباه لما يجري في بلدان مظلومة أكثر من مظلوميتنا، لننسى الكأس و الكرة و النفير و الزعيق، و لنحاول بدل ذلك، التركيز على مستقبل بلدنا من أجل رسم غد أفضل، باستقطاب الإستثمارات، و تبني مشاريع التنمية االمستدامة، ومحاربة كل مظاهر الريع و الفساد، والإنتصار للثقافة و الفن و كل ما هو جميل في بلدنا الجميل.

التعليقات مغلقة.