أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

المقاطعة …. حملة افتراضية دون مواجهات

سعيد بنيس*

بعد مرور أربعين يوما على انطلاق حملة المقاطعة التي همت بعض المواد الاستهلاكية، كشف سعيد بنيس، أستاذ العلوم الاجتماعية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن عملية تقييمها لا بد أن تخضع لمستويين، أولهما يحيل على الشحنة المادية للتبعات والنتائج الاقتصادية التي قال إنه لم تخلص إلى معطيات وأرقام دقيقة وإحصائيات مؤكدة تفيد مدى الأثر الحقيقي لفعل المقاطعة على السوق الوطنية سيما في ما يخص المواد الاستهلاكية موضوع المقاطعة. ونبه بنيس في تصريح ل”الصباح” أن التفاعلات وردود الفعل التي صدرت عن فاعلين رسمين ومؤسساتيين أو ممثلي الشركات المعنية بحملة المقاطعة أبانت أن المقاطعة حققت بعض أهدافها سيما “تراجع مبيعات المواد المقاطعة وإقدام بعض الشركات على تقديم عروض مغرية ومشجعة”. في المقابل، يرتبط المستوى الثاني، يضيف أستاذ العلوم الاجتماعية، بالشحنة الرمزية الجديدة التي تلت حملة المقاطعة والتي تميزت بانزلاقات لغوية وتعبيرية أدت إلى احتدام وثيرة المقاطعة والمرور من الحقل الدلالي للانتماء من قبيل “المغاربة” و”المواطنون” و”الشعب المغربي” إلى حقول دلالية تحيل تارة على خاصية سلوكية قدحية “المداويخ” وتارة أخرى على وصم اجتماعي وسياسي “الخونة” وتارة على حقل دلالي حيواني “القطيع” أو حقل دلالي يحيل على عادات اجتماعية مقيتة “الجعانين لمكَيشربوش الحليب” و”المنافقين” وأخرى إقصائية تسحب البساط الهوياتي على أصحاب المقاطعة “ليسوا مغاربة” وتلصق أوصاف راقية بمن لم ينخرطوا في المقاطعة “أصحاب المهمات الصعبة. وأوضح بنيس أن المتغير في حملة المقاطعة، الانتقال من النسق الواقعي إلى النسق الافتراضي، “فالاحتجاج الواقعي (احتجاج الشارع) احتجاج محلي ترابي اجتماعي اقتصادي، أما الاحتجاج الافتراضي (احتجاج الانترنيت) فهو احتجاج رقمي وطني عابر للحدود يشكل فيه التشبيك والاتصال وثقافة “بارطجي” أداة للإقناع والتوافق والانخراط الجماعي، لافتا في سياق متصل إلى أن فعل المقاطعة الافتراضي صار هو الضامن لاستمرارية فعل المقاطعة الواقعي. فتحولت المقاطعة إلى آلية للممانعة والتعبئة وبالتالي الضغط والتأثير، ما مكن الحراك الرقمي من تجاوز جميع البنيات السياسية والمدنية وإعادة تصويب الحراك الاجتماعي والتفكير والتحضير لغزو فضاءات أخرى من خلال سلاح المقاطعة مثل الفضاء السياسي والفني وغيرهما. وخلص أستاذ العلوم الاجتماعية إلى أن السبب المباشر في كون المقاطعة أضحت وسيلة جامعة ومأطرة هو تواري أصحابها إلى الوراء وتجاوزهم وتملكها من طرف جماهير الأفراد المرتبطة بشبكة الأنترنيت. “في هذا الخضم ومع انتفاء المحاور على أساس أن المقاطعة يتحكم فيها موقف مجتمعي وليس هيأة أو ريادة معينة ستستمر المقاطعة وستمتد إلى مواد وخدمات اجتماعية أخرى”، يشرح بنيس الذي أردف أن العمق التفاوضي للمقاطعة يكمن في رمزيتها وجرأتها على تحدي السلطة السياسية والاقتصادية، “كما أن كون قوة المقاطعة تتمثل في كونها لا تتعلق بتضليل افتراضي أو أخبار كاذبة أو زائفة خلق منها نوعا جديدا من التنشئة الافتراضية الذي يتأسس على يقظة رقمية، سيما في ترصدها لثقافة وخطاب الكراهية وغرس وترسيخ سلوك الممانعة والاستغناء والانجرار نحو المواجهة المباشرة مع “الخصم المفترض”. وشدد على أنه “من المستحب مقاربة “فعل” المقاطعة على أساس أنه يشكل تحدي لمنظومة العيش المشترك والتماسك الاجتماعي بالمغرب وليس فقط مسألة ترتبط بأفق ورهانات وتداعيات الأرباح أوالعائدات أو الخسائر الاقتصادية أو تراجع الأسهم”.

التعليقات مغلقة.