أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

صناع التفاهة في المغرب بين التأثير المريب والاستقبال الحار “يا للعجب!”

بدر شاشا

في زمن تسوده التحولات الرقمية السريعة، لم يعد الغريب أن يبرز أشخاص من خلفيات عادية أو حتى هامشية ليصبحوا “مشاهير” على وسائل التواصل الاجتماعي. ما يثير العجب في المغرب، وفي العديد من الدول الأخرى، هو كيف أصبح صناع التفاهة والمؤثرون عديمي القيمة يحتلون الصدارة، ليس فقط من خلال الشهرة بل عبر استقبال حافل يليق بالشخصيات العظيمة. السؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف أصبح هؤلاء ينظر إليهم كرموز؟ ولماذا يمنحون هذا القدر من الاهتمام؟
قد يكون مصطلح “صناع التفاهة” قاسيًا لكنه يعبر بدقة عن الفئة التي تعتمد على إثارة الجدل الفارغ، والسعي وراء المشاهدات، ونشر المحتوى السطحي الذي يفتقر إلى أي قيمة تعليمية أو أخلاقية. هؤلاء الأشخاص لا يقدمون أفكارا تثري المجتمع ولا يسهمون في تعزيز وعي الجمهور، بل غالبا ما يعتمدون على الفضائح، التحديات السخيفة، والترويج لأسلوب حياة زائف لا يمت للواقع بصلة.
المفارقة الكبرى تكمن في أن هؤلاء الأشخاص الذين يقدمون محتوى لا يتعدى كونه ترفيهًا رخيصًا، أصبحوا يعاملون معاملة كبار الشخصيات. نراهم يُستقبلون في الفعاليات الكبرى، يدعون إلى البرامج التلفزيونية، بل ويحصلون على عقود إعلانية تدر عليهم أرباحا ضخمة. هذا الوضع يجعلنا نتساءل: ماذا يقول هذا عن مجتمعنا وثقافتنا؟ هل أصبحت التفاهة معيارًا جديدًا للنجاح؟
لعل أحد الأسباب الرئيسية وراء بروز صناع التفاهة هو تراجع دور النخب المثقفة والمؤثرة الحقيقية. ففي الوقت الذي انسحب فيه كثير من المثقفين والمبدعين من المشهد العام، برز هؤلاء ليملؤوا الفراغ. وسائل التواصل الاجتماعي، بأسلوبها القائم على التفاعل السريع والمحتوى القصير، شكلت منصة مثالية لهم. كما أن الخوارزميات التي تعلي من شأن التفاعل –بغض النظر عن جودته– ساهمت في زيادة انتشار محتواهم.
ظهور هؤلاء “المؤثرين” وتصدرهم المشهد لم يأتِ دون ثمن. تأثيرهم السلبي يمتد إلى عدة جوانب:
تشويه القيم الاجتماعية: الترويج لأنماط حياة سطحية قائمة على المظاهر والمال السريع، مما يزرع في عقول الشباب قيمًا مغلوطة عن النجاح والسعادة.
تراجع المحتوى الهادف: مع ازدياد الطلب على التفاهة، تراجع الإقبال على المحتوى التعليمي والثقافي، مما يؤدي إلى انخفاض الوعي العام.
إضعاف الهوية الثقافية: عندما يصبح الترفيه السطحي هو السائد، تفقد المجتمعات جزءًا من هويتها الثقافية التي تبنى على العلم، الأدب، والفنون.
لمواجهة هذا الزحف الكبير للتفاهة، يجب أن يكون هناك دور فعّال للمجتمع ككل، من خلال:
تعزيز المحتوى الهادف: يجب دعم المبدعين الذين يقدمون محتوى ذا قيمة ويستحق الانتشار، سواء من خلال التمويل أو تسليط الضوء عليهم إعلاميًا.
تعليم الجيل الجديد أهمية النقد: توعية الشباب بأهمية التفكير النقدي في استهلاك المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي.
فرض تنظيمات قانونية: يجب أن تكون هناك لوائح تحكم صناعة المحتوى الرقمي، مع التركيز على محاربة الأخبار الزائفة والمحتوى الضار.
عودة المثقفين إلى الساحة: يجب على المثقفين والفنانين أن يستعيدوا دورهم في المشهد العام، وأن ينافسوا صنّاع التفاهة بطرح بدائل جديرة بالاهتمام.
إن انتشار صُنّاع التفاهة وتأثيرهم المتزايد في المغرب يعكس أزمة أعمق تتعلق بمنظومة القيم التي نروج لها كأفراد ومجتمع. وإذا أردنا أن نبني مستقبلًا قائمًا على الوعي والمعرفة، فعلينا أن نعيد ترتيب أولوياتنا وأن ندرك أن الشهرة ليست معيارا للقيمة. فالاهتمام الذي يُمنح لصُنّاع التفاهة هو في نهاية المطاف مرآة لما نقدّره ونؤمن به كمجتمع. هل نريد حقًا أن نكون أمة تحتفي بالتفاهة؟ أم أننا نسعى لبناء مجتمع يرتقي بالفكر والإبداع؟

التعليقات مغلقة.