أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

حول تقاعد الوزراء والبرلمانيين ! المغرب الفقير أكثر سخاء من فرنسا الغنية؟

يوسف بوستة

لقد عرف المغرب في السنوات الاخيرة جدلا كبيرا حول تقاعد البرلمانيين والوزراء، وقد طالبت الجمعية المغربية لحماية المال العام الى الغاءه باعتباره ريعا سياسيا وهدرا للمال العام، وعرف الفضاء الاجتماعي ولا يزال حملات مصحوبة بعرائض تدعو لإلغاءه خاصة في ظل واقع الفساد والأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة، مما حدا ببعض المستفيدين من وزراء ونواب ومستشارين الى الدخول على خط الدفاع على ما يعتبرونه حقا مكتسبا، والمطالبة بالزيادة فيه وبل وتوريثه لذويهم، فيما التزمت الغالبية من “دعاة الاصلاح” المستفيدين من نظام الريع الصمت المريب، فيما راح البعض منهم يقترح تعديلات للحيلولة دون الغاءه كليا، والالتفاف على المطالب الداعية الى اسقاطه عبر سد التغرات القانونية التي كانت محط الانتقادات الواسعة، مما يجعل مطلب الغاء التقاعد للبرلمانيين والوزراء يراوح مكانه في انتظار تشكل قوة حقيقية ضاغطة. خاصة وانه قد جلب تعاطفا واسعا، فيما أن الدولة المغربية اختارت أسلوب التماطل والالتفاف في التعاطي مع مطالب حركات المجتمع المدني وعموم الحركة الديمقراطية السياسية والنقابية والجمعوية.
1- تقاعد الوزراء:
بخلاف الوضع في المغرب فإنه في فرنسا التي نقتبس منها كل شيء ما عدا نسمة الحرية واسس الديمقراطية، فاننا نجد الدولة في تجاوب مستمر مع مطالب دافعي الضرائب، فبخصوص موضوع تقاعد الوزراء والبرلمانيين الذي تم إحداثه سنة 1904، فقد عرف عدة تعديلات في سنوات 1958، 2003، 2007 وأخيرا في 2010 , وقد كان سن التقاعد من النقط التي شملها التغيير، حيث تم رفعه من 50 سنة إلى 60 في إصلاح 2003 ليرفع إلى 62 تدريجيا في تعديل 2010، مع العلم ان البرلماني الفرنسي لا يستفيد من ذلك المعاش حتى يبلغ سن التقاعد، كما همت تعديلات 2010 مبلغ المعاش الشهري حيث انخفض من 1600 أورو إلى 1200 أورو، أي بانخفاض بنسبة 30 في المائة. وبالرغم من ذالك وم صاحبه من إلغاء عدة امتيازات، فإن الفرنسيين مازالوا غير راضين على الابقاء على ذلك المعاش، و يعتبرون أن الدولة مازالت سخية مع أعضاء الغرفتين على اعتبار أن 1200 أورو الذي يتقاضاه البرلماني في سن التقاعد بعد مساهمة ولاية واحدة 05 سنوات، تتطلب من فرنسي عادي العمل مدة 40 سنة.
اما في المغرب فان معاشات الوزراء أو ما يسمى بتكملة المعاش, فيتقاضى بموجبها أعضاء الحكومة ابتداء من نهاية مهامهم معاشا يقدر ب 39000 درهم بالنسبة للوزراء و 30000 بالنسبة لكتاب الدولة بغض النظر عن المدة التي قضوها في هذه المسؤولية شرط عدم توفرهم على مداخيل أخرى . أما إذا كان للوزير السابق دخل فإن القدر الذي يصرف له يكون الفرق بين هذا الدخل و 39000 وكمثال على ذلك الوزير الذي عاد إلى الجامعة كأستاذ بعد نهاية عمله الحكومي بأجر 20000 درهم لن يحصل إلا على 19000درهم كتقاعد أي الفرق بين 39000 و 20000، لذلك يفضل البعض تسمية هذا المعاش بتكملة التقاعد. كما انه لا يتقاضى أي درهم إذا كانت له مداخيل أخرى (أكرية , تجارة , أرباح أسهم ,,,) يفوق مجموعها 39000 درهم.
في حالة وفاة الوزير السابق، يستمر ذوو الحقوق في التوصل ب 50 في المائة من المعاش. وللاستفادة من المعاش، وضعت مسطرة تفرض على المعنيين بالأمر الراغبين في الاستفادة منه أن يدلوا سنويا بتصريح بالشرف للوزارة الأولى يتضمن جرد لمصادر عيشهم، و هذا يفترض حسن النية لصعوبة التأكد من المعطيات.
وحسب تحقيق نشر في الحياة الاقتصادية، فإن من بين 302 وزير الذين عرفهم المغرب منذ 1955 إلى 22 أكتوبر 2004 تاريخ نشر هذا التحقيق، فإن 80 منهم فقط يستفيدون من هذا التقاعد بالإضافة إلى أكثر من 20 أرملة، من بينهم المحجوب أحرضان الذي مر من عدة حكومات و الذي يتقاضى تكملة معاش قدرها 10200 درهم شهريا بعد خصم مداخليه الأخرى التي تبلغ 28800، أما العربي عجول وسعيد السعدي وآخرون لا يتجاوزون أصابع اليد فلم يتقدموا بطلب الاستفادة.
أما المستفيدين الآخرين فلم نتمكن من معرفة أسمائهم ولا المبالغ التي يحصلون عليها، علما أن عددهم سيكون قد تجاوز 100 نظرا لتعاقب عدة حكومات.
ويرى عدد من الملاحظين أن الامتيازات المتعددة لأعضاء الحكومة سواء خلال مزاولة مهامهم الحكومية كالتعويض عن التنقل للخارج الذي يقدر ب 2500 درهم يوميا مع العلم أنهم غالبا ما ينزلون ضيوفا إما عند زملائهم في حكومات الدول الأخرى أو عند السفراء، أو كمنحة المغادرة التي تساوي عشرة أضعاف الراتب الشهري، والتي تصرف في نهاية الولاية اضافة الى امتيازات سخية أخرى تؤمن لهم مستقبلا مريحا، وتجعل بالتالي ضرورة مراجعة هذا النظام الذي يعتبره العديد الخبراء ريعا ورشوة سياسية بل وسرقة اجتماعية، كان الغرض منها هو استمالة الطبقة السياسية واغراقها في بحر من الامتيازات مقابل ضمان ولاءها.
إن السياق التاريخي و الاقتصادي والمبررات التي قدمت انداك، (صدور هذا الظهير يهدف إلى تمكين الوزراء السابقين من العيش في ظروف جيدة بعدما وصل إلى سمع المرحوم الحسن الثاني أن أحد أعضاء الحكومة السابقين يعيش ظروفا صعبة)، يختلف كثيرا عن الوضع الحالي وأن الوزير حاليا يكتسب خلال عمله الحكومي تجربة مهنية إضافية وعلاقات تفتح له فيما بعد فرص تقلد مناصب و مسؤوليات بامتيازات و رواتب أحسن خصوصا إذا علمنا أن وزراء الحكومات الأخيرة إما رجال أعمال أو أطر عليا في الإدارة أو في القطاع الخاص.
ويضيف هؤلاء أن الاستفادة من التجربة الفرنسية في هذا المجال ستكون مفيدة للمغرب حيث يحصل الوزراء السابقون على تعويضاتهم كاملة خلال 6 أشهر بعدها يفقدون كل امتياز مرتبط بعملهم الحكومي بما في ذلك الحق في التقاعد باستثناء الوزير الأول. عندها فقط يمكن الحديث عن بداية المقارنة بيننا وبين فرنسا كدولة.
والحال ان الظهير المشار اليه اعلاه كان الهدف منه هو اغراق الطبقة السياسية في نعيم الريع السياسي بشكل قانوني لينضاف الى قائمة العطايا والهبات التي تمنح لخدام الدولة سواء منهم الاطر والخبرات او العديد من زعماء الاحزاب من مختلف التوجهات.

التعليقات مغلقة.