الموارد البشرية والطاقات الشابة: مفتاح التنمية والازدهار في المغرب
بدر شاشا
الموارد البشرية هي العمود الفقري لأي مجتمع يسعى إلى تحقيق التنمية المستدامة والازدهار الاقتصادي والاجتماعي وفي المغرب تحتل هذه الموارد مكانة استراتيجية نظرًا لما تزخر به البلاد من طاقات شابة مؤهلة وطموحة قادرة على قيادة المستقبل وتحقيق التحول الاقتصادي المطلوب إن الاستثمار في العنصر البشري لم يعد خيارًا بل ضرورة ملحة في ظل التحولات العالمية المتسارعة والتطور التكنولوجي الذي أصبح يفرض على الدول تطوير كفاءاتها وتعزيز قدراتها لمواكبة المنافسة الدولية
في المغرب تشكل الفئة الشابة نسبة كبيرة من السكان مما يجعلها رصيدًا ثمينًا يجب استغلاله بالشكل الأمثل فالشباب هم القوة المحركة للإبداع والابتكار وهم الأساس في بناء مستقبل البلاد وتحقيق رؤيتها التنموية إلا أن التحدي الأكبر يكمن في كيفية توظيف هذه الطاقات وتوفير البيئة المناسبة لها لكي تزدهر وتساهم بفعالية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية إن تحقيق ذلك يتطلب استراتيجية متكاملة تركز على التعليم والتكوين المهني والإدماج في سوق الشغل وتعزيز روح المبادرة وريادة الأعمال
لا يمكن الحديث عن الموارد البشرية دون التطرق إلى أهمية التعليم والتكوين باعتبارهما الركيزتين الأساسيتين لبناء الكفاءات وتأهيل الشباب لسوق العمل وفي المغرب شهد قطاع التعليم إصلاحات متتالية تهدف إلى تحسين جودة التكوين وربط المناهج الدراسية بمتطلبات سوق الشغل ومع ذلك لا تزال هناك تحديات كبيرة تتعلق بتحديث البرامج التعليمية وتحقيق التوافق بين ما يتعلمه الطلبة في الجامعات وما يحتاجه الاقتصاد الوطني من مهارات فالتكنولوجيا والرقمنة غيرت طبيعة المهن وخلقت وظائف جديدة لم تكن موجودة من قبل مما يحتم على المنظومة التعليمية أن تتكيف مع هذه المتغيرات بسرعة وفعالية
إلى جانب التعليم يلعب التكوين المهني دورًا محوريًا في إعداد الشباب لسوق العمل فالمقاولات المغربية تبحث عن كفاءات عملية قادرة على الاندماج السريع في بيئة العمل والإنتاج ولتحقيق هذا الهدف يجب تعزيز الشراكة بين المؤسسات التعليمية والمقاولات لضمان تكوين ملائم لاحتياجات السوق كما أن تشجيع التكوين المستمر والتعلم مدى الحياة أصبح ضرورة لمواكبة التغيرات المستمرة في مختلف القطاعات
من جهة أخرى يمثل التشغيل أحد أكبر التحديات التي تواجه الشباب المغربي فمعدل البطالة بين هذه الفئة لا يزال مرتفعًا رغم الجهود المبذولة لتحفيز الاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة وهنا يبرز دور الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني في توفير بيئة محفزة للشباب من خلال دعم المقاولات الناشئة وتشجيع العمل الحر وتبسيط الإجراءات الإدارية لخلق المشاريع كما أن تعزيز ثقافة ريادة الأعمال والابتكار من شأنه أن يفتح آفاقًا جديدة أمام الشباب ويقلل من الاعتماد على الوظائف التقليدية التي لم تعد تلبي تطلعات الجميع
إلى جانب ذلك فإن تطوير الموارد البشرية لا يقتصر على توفير فرص العمل فقط بل يشمل أيضًا تحسين بيئة العمل وضمان ظروف ملائمة للإنتاجية والإبداع فالموظف أو العامل الذي يعمل في بيئة مشجعة ومحفزة يكون أكثر قدرة على العطاء والإبداع ومن هنا تأتي أهمية توفير حقوق العمال وتحسين الأجور وتعزيز الحماية الاجتماعية وتطوير سياسات التحفيز والترقية داخل المقاولات لضمان استقرار الموارد البشرية وتحفيزها على تحقيق الأداء الأمثل
ولا يمكن الحديث عن الموارد البشرية دون الإشارة إلى أهمية التحول الرقمي وتأثيره على سوق العمل فالتكنولوجيا الحديثة فرضت نفسها كعامل رئيسي في التنمية الاقتصادية وأصبحت المهارات الرقمية من بين المتطلبات الأساسية للالتحاق بسوق الشغل في هذا السياق يجب تكثيف الجهود لتمكين الشباب من اكتساب هذه المهارات من خلال برامج تدريبية متخصصة وشراكات مع الشركات التكنولوجية الكبرى التي يمكن أن توفر تكوينًا عمليًا وفرصًا للتوظيف في مجالات واعدة مثل البرمجة والذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات
إن تطوير الموارد البشرية والطاقات الشابة في المغرب ليس مسؤولية جهة واحدة بل هو جهد جماعي يتطلب تضافر جهود الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني لتحقيق رؤية تنموية شاملة فالمغرب يمتلك كل المقومات اللازمة ليصبح قوة اقتصادية إقليمية وعالمية إذا تم استثمار موارده البشرية بالشكل الصحيح وتمكين شبابه من الأدوات والمعارف التي يحتاجونها لبناء مستقبل أفضل
إن الرهان الحقيقي اليوم ليس فقط على خلق فرص الشغل بل على خلق فرص للنمو والتطور والابتكار لأن الشباب المغربي لا يبحث فقط عن وظيفة بل عن بيئة تمكّنه من تحقيق طموحاته وإحداث تأثير إيجابي في مجتمعه إن المغرب اليوم أمام فرصة ذهبية للاستفادة من طاقاته البشرية وتعزيز دوره كفاعل اقتصادي قوي في المنطقة عبر الاستثمار الذكي في موارده البشرية وجعلها قاطرة للتنمية المستدامة والازدهار
التعليقات مغلقة.