مداخلة التنسيق الخماسي في الندوة الصحفية 8 ماي 2025
جريدة أصوات
في خضم الحراك الشعبي الذي عرفه المغرب سنة 2011، والذي جاء مواكبًا لموجة “الربيع العربي”، عاشت البلاد تحولات سياسية واجتماعية بارزة، كان من أبرز تجلياتها بروز حركة 20 فبراير، التي رفعت مطالب الإصلاح السياسي، والعدالة الاجتماعية، والكرامة والحرية. ومع تزايد الضغط الشعبي، بادرت الدولة إلى اتخاذ عدد من الإجراءات، من بينها مراجعة الدستور، وتنظيم انتخابات سابقة لأوانها، والتوقيع على اتفاق اجتماعي مع النقابات والباطرونا، حمل تاريخ 26 أبريل 2011.
الاتفاق، الذي وُصف حينها بـ”التاريخي”، جاء بعد مفاوضات ماراثونية بين الحكومة والنقابات الأكثر تمثيلية، وضم حزمة من الإجراءات الاجتماعية الموجهة لتحسين أوضاع الموظفين والأجراء في القطاعين العام والخاص. وتمثل أبرز ما جاء فيه في زيادة الأجور، ورفع نسبة الترقية، وإحداث درجة جديدة طالما انتظرها الموظفون، وتعويض خاص بالمناطق النائية، إلى جانب رفع الحد الأدنى للأجور والمعاشات في القطاع الخاص.
لكن، وبعد مرور أكثر من عقد من الزمن، تراجعت الثقة في هذا الاتفاق بعد أن تم تعطيل العديد من بنوده. وبات اتفاق 26 أبريل، في نظر فئات واسعة من الشغيلة، لا يعدو أن يكون وثيقة تهدئة ظرفية استُعملت لإخماد الاحتجاجات، دون وجود إرادة حقيقية لتنفيذ مضامينه على الأرض.
من أكثر الفئات تضررًا من هذا “الإجهاز”، أساتذة التعليم الابتدائي والإعدادي، والملحقون التربويون وملحقو الإدارة والاقتصاد، الذين تم التنصيص في الاتفاق على حقهم في الترقية إلى خارج السلم بأثر رجعي ابتداء من فاتح يناير 2012. لكن هذا المطلب لم يُفعّل إلى اليوم، مما فجّر غضبًا عارمًا في صفوف المعنيين، وأدى إلى ولادة تنسيقيات وطنية وجمعيات تمثل “المقصيين والمقصيات من خارج السلم”، والذين قادوا احتجاجات متواصلة منذ سنة 2018.
هؤلاء المقصيون، الذين طالتهم تداعيات التسويف، يؤكدون أن الإقصاء لم يكن فقط إداريًا، بل كان خرقًا واضحًا لمبدأ المساواة، وتمييزًا غير مبرر بين موظفي الدولة. ويستغربون كيف أن قطاعات أخرى كالبريد والعدل والصحة استفادت من بنود الاتفاق، بينما ظل قطاع التعليم خارج نطاق التفعيل، رغم أنه يشكل أحد أعمدة الخدمة العمومية.
آخر محطات التوتر جاءت عقب توقيع اتفاق 26 دجنبر 2023، الذي اعتبرته الحكومة “اتفاقًا شاملًا” لتسوية الملفات العالقة، إلا أن فئات واسعة رأت فيه تكريسًا للإقصاء، مما زاد من منسوب الاحتقان الاجتماعي، وأعاد طرح أسئلة جدية حول جدوى الحوار الاجتماعي، وصدقية التمثيلية النقابية، وفعالية آليات التفاوض.
وفي ظل هذا الوضع، أعلن المقصيون استمرارهم في النضال، وقرروا تنظيم ندوة وطنية لتسليط الضوء على السياق التاريخي للاتفاق، واستعراض مسار الإقصاء والتهميش الذي طالهم طيلة 14 سنة، مطالبين بتفعيل الترقية إلى خارج السلم بأثر رجعي، أسوة بزملائهم في قطاعات أخرى.
وبينما يتواصل الصمت الرسمي، يتشبث المتضررون بحقوقهم، ويرفعون شعارات الوفاء للذاكرة الجماعية التي لم تنس، مؤكدين أن النضال وحده هو الكفيل بإعادة فتح الملفات المغلقة، وتحقيق العدالة المهنية والاجتماعية في قطاع التعليم
التعليقات مغلقة.