كثرت في الآونة الأخيرة عمليات التضييق على الممارسة الإعلامية من خلال منع الصحافيين من أداء واجبهم المهني. في دوس على الدستور المغربي. وضرب للمواثيق الوطنية والدولية ذات الصلة بحرية التعبير وحرية الممارسة الإعلامية.
الخرق الجديد تم تسجيله بمناسبة الاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيس هيئة الموثقين المغاربة. المنظم من قبل المجلس الوطني لهيئة الموثقين المغاربة، اليوم الثلاثاء 13 مايو الجاري، بمركز المؤتمرات بفندق “فور سيزونز” ب”الرباط”.
وبطلة الأمسية الخارقة للقانون والضاربة للمواثيق عرض الحائط هي مؤسسة “لي شدى إعلام” التي نصبت نفسها مفسرة لأصول القانون وللتوجيهات الملكية التي تحث على احترام الممارسة الصحافية. وتلح على ضرورة تيسير عمل الصحافيين لأداء مهامهم في أجواء صحية، ضمن الأصول القانونية طبعا. وفق هواها وعلى المقاس الذي ترتضيه.
والسؤال الذي يفرض نفسه هل نصبت هاته الجهة، السيئة الذكر. نفسها فوق القانون ومقتضياته. والدستور وقواعدة. والتوجيهات المولوية وحكمة إيرادها. لتخرج من قمقم الفراغ الاجوف موزعة أشكال المنع والقمع المعنوي للدستور الذي يعتبر سيدا على الشركة وعلى كل المؤسسات. التي من المفترض أن تنسجم مع المواثيق الوطنية والدولية المؤكدة على احترام الحقوق والحريات، بلا اجتهاد ولا فهلوة.
كما أن واقع التعدي على الحقوق والحريات يفرض على الجهات القضائية التدخل لإيقاف هذا النزيف الذي يشوه صورة المغرب ومؤسساته. كما ورد في التقرير الأخير لمنظمة “مراسلون بلا حدود”، وما أورده من خطوط صادمة. وهي معطيات ما كانت لتدون بتلك الصورة السوداوية لولا عفونة هاته الأنماط من الممارسات المسيئة للبلد ولسمعته.
المطلوب من السلطات القضائية والسياسية العمل على تنزيل روح الدستور حتى لا يبقى محنطا تحكيه العجائز للصبيان. ليصبح الديدن الفصل في العلاقة ما بين المؤسسات، خاصة كانت أم عامة. والمجتمع. الذي يبقى الدستور لواءه الأسمى ورافعته الأساسية لبناء دولة الحداثة والديمقراطية، كما ارتضاها عاهل البلاد المفدى، بعيدا عن عفونة ونثانة ما يتم تصريفه من مؤسسات لا تفهم من الفعل المؤسساتي سوى تحقيق الأرباح ومراكمتها والبحث عن آليات لهدر الأموال بلا نفع عام أو خاص.
ما يجب أن تعلمه هاته المؤسسة، ورديفاتها من خارقي اصول القانون والدستور والتوجيهات الملكية السامية. أن حرية الإعلام وحرية ممارسة الصحافة من الركائز الأساسية لبناء مجتمع ديمقراطي وشفاف. وأن هاته الممارسات تسيء للمغرب ملكا وشعبا ووطنا.
حيث ينص الدستور المغربي، خاصة في الفصل 25 منه. على أن حرية الصحافة مكفولة، ويجب أن يظل العمل الإعلامي منفتحًا، خاليًا من القمع والمنع غير المبرر. تيسيرًا لأداء الصحافيين لمهامهم بكل حرية واستقلالية، في إطار الاحترام للقوانين الوطنية والتوجيهات الملكية التي تؤكد على أهمية الإعلام كوسيلة أساسية للمساءلة ومراقبة السلط. وذلك بما يعزز دولة الحق والقانون. إلا أن ممارسات بعض الجهات، من خلال فرض قيود أو منع الصحافيين من أداء مهامهم، تخالف بشكل صارخ المبادئ الدستورية. وتعد بالتالي انتهاكًا لحقوق الإنسان، خاصة حق المجتمع في معرفة الحقيقة. وهو ما يستدعي تدخل السلطات القضائية والأمنية لردع كل من يخرق روح الدستور ويهدد مصداقية المؤسسات.
فوفقًا للقانون رقم 88-13 المتعلق بالصحافة والنشر، فإن أي قيود على العمل الصحافي يجب أن تكون قانونية ومحددة وتخضع لمراقبة القضاء. وذلك لضمان عدم الاعتداء على حرية التعبير والتغطية الإعلامية. كما أن التوجيهات الملكية تؤكد على أهمية دعم الإعلام الحر والمسؤول، باعتباره رافعة أساسية لمجتمع ديمقراطي. بعيدًا عن كل أشكال القمع والمنع. وهو ما يتطلب من الدولة الالتزام بالمبادئ القانونية والدستورية وتوفير بيئة ملائمة للصحافيين لأداء مهامهم بحرية وشفافية، بما يحقق مصلحة المجتمع ويعزز من مكانة المغرب كبلد مؤسسات وقانون.
ويبقى التزام المؤسسات بمبادئ القانون والشفافية هو السبيل الوحيد لبناء مغرب قوي، لا يخاف من المحاسبة، ويؤمن بحق الجميع في إعلام حر ومسؤول. لا أن تتحول مؤسساتنا إلى “جدول يخرخر ونهر ثرثار تقطعه غير خالع نعليك”. وهو ما لا نحبذه لبلدنا الموسوم بأنه بلد الحرية والأمن والأمان.
التعليقات مغلقة.