أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

الشعير المستنبت رهان مستقبلي لتطوير الفلاحة وتربية الماشية

جريدة أصوات

أصوات من الرباط

 يُعد الشعير المستنبت من التقنيات المبتكرة التي من شأنها التخفيف من آثار ندرة المياه وضمان تغذية القطيع بتكلفة منخفضة. هذه التجربة التي تشكل على مستوى إقليم جرسيف رهانا مستقبليا وفرصة واعدة لتطوير الفلاحة وتربية الماشية.

وترتكز عملية استنبات الشعير كتقنية زراعية حديثة، على زراعة حبوب الشعير وإنباتها في ظروف محكمة داخل وحدات مغلقة، دون الحاجة إلى التربة، مما يقلص من استهلاك الموارد الطبيعية، ويضمن إنتاجا منتظما من الأعلاف الخضراء ذات جودة عالية.

وهكذا تبرز هذه التقنية كخيار فعال وبديل محتمل لمواجهة التغيرات المناخية، وتعزيز جهود مواكبة الفلاحين، ودعم صمود القطعان، بالإضافة إلى تكريس الاعتماد على التقنيات الزراعية الحديثة، خاصة في ظل التحديات المناخية التي يفرضها توالي سنوات الجفاف وانعكاس ذلك على القطاع بصفة عامة.

وإلى جانب مكاسبها الاقتصادية والبيئية، تشكل وحدات إنتاج الشعير المستنبت أداة فعالة في تعزيز الأمن الغذائي للماشية، خاصة في الفترات الحرجة من السنة، التي تعرف شحا في الأعلاف وارتفاعا في أسعارها.

ويقوم العمل داخل هذه الوحدات على تقنيات دقيقة، حيث تشكل مراقبة درجة الحرارة والرطوبة بصفة اعتيادية، والحرص على نظافة المعدات، عوامل حاسمة وضرورية لإنبات ناجح وسريع يضمن جودة العلف المستخرج.

وتشكل تجربة تعاونية “إمزداغ نمغران” بجماعة تادرت، التابعة لإقليم جرسيف، نموذجا ناجحا لاعتماد هذه التقنية، عبر إشرافها على وحدة الشعير المستنبت الصفصفات، التي يستفيد من خدماتها أزيد من 70 فلاحا.

وتساهم هذه التعاونية الفلاحية، التي تأسست سنة 2017، وتضم 33 متعاونا (منهم 15 امرأة)، من خلال هذا المشروع، في تحقيق التنمية الزراعية المستدامة بالمنطقة، وذلك عبر دعم الفلاحين، وتعزيز الإنتاج المحلي، وكذا تحسين ظروف تربية الماشية، وتقليص تكاليفها.

وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أكد رئيس التعاونية، عبد القادر سعود، أن المشروع عرف إقبالا واسعا، حيث يستفيد منه أكثر من 70 فلاحا من داخل وخارج التعاونية، مشيرا إلى مساهمة الشعير المستنبت في تحسين صحة وخصوبة الأبقار والماشية، وكذا تقليص نسبة إصابتها بالأمراض.

وأبرز أن هذه التقنية المبتكرة، مكنت من خفض التكلفة الإجمالية للعلف، مقارنة بالأساليب التقليدية، مشيرا إلى أن الوحدة تنتج، يوميا، أكثر من طن من الشعير المستنبت، خلال فترات الذروة، حيث يزداد طلب الفلاحين على هذا النوع من الأعلاف، ما يعكس فعالية هذه التقنية في تغطية حاجيات القطيع بشكل مستدام.

وأوضح أن الإنتاج يتم اعتمادا على تقنية الزراعة بدون تربة، في بيئة مغلقة تتحكم في الرطوبة، والحرارة، والإضاءة، وتنطلق العملية باختيار حبوب شعير ذات جودة عالية، حيث تغسل وتطهر لتفادي التعفن ونمو الفطريات، ثم تنقع في الماء لمدة تتراوح بين 6 و12 ساعة لتنشيط عملية الإنبات، قبل أن توزع في صوان خاصة ضمن ظروف مثلى للإنبات والنمو.

وأضاف أن هذه العملية تحتاج إلى ري منتظم للحبوب بمياه نقية، دون الحاجة إلى الأسمدة أو التربة، ما يسمح بنمو العلف الأخضر خلال فترة قصيرة، ليصبح الشعير المستنبت جاهزا للتغذية المباشرة للماشية، حيث يُحصد بكامل مكوناته، بما في ذلك الجذور والبذور، ويوفر علفا غنيا بالبروتينات والإنزيمات والألياف.

من جهته، أكد المهندس بالمديرية الإقليمية للفلاحة بجرسيف، المهدي الوادي، أن مشروع بناء وتجهيز وحدة الشعير المستنبت الصفصفات بجماعة تادرت، أنجزته المديرية الإقليمية بشراكة مع برنامج “إحياء”، الذي يندرج ضمن استراتيجية الجيل الأخضر 2020-2030، بكلفة مالية ناهزت 5,5 مليون درهم.

وأشار إلى أن هذه الوحدة تعتبر قفزة نوعية في سياق الاعتماد على تقنيات الفلاحة العصرية، لتعزيز سلاسل الإنتاج المحلية، حيث تتميز بقدرتها على إنتاج طن من الشعير المستنبت يوميا، انطلاقا من 200 كيلوغرام من الحبوب، في مدة سبعة أيام، مما يجعلها أكثر كفاءة وسرعة مقارنة بالأساليب التقليدية التي تتطلب أسابيع أو أشهر.

وأكد على أهمية المشروع في تحقيق مكاسب بيئية هامة، من خلال تقليص استهلاك المياه بنسبة 90 بالمائة، لاسيما في ظل الجفاف الذي تشهده المملكة، مشيرا إلى أن هذه الوحدة مستقلة طاقيا عبر اعتمادها كليا على الألواح الشمسية، مما يساهم في تقليل انبعاثات الكربون.

وأضاف أن التعاونية تستفيد، ضمن برنامج “إحياء”، أيضا من برامج للتكوين، والمواكبة التقنية، الذي يستهدف 350 مستفيدا من الفلاحين والكسابة الصغار بالمنطقة، بهدف تعزيز وتطوير قدراتهم وتحسين جودة الإنتاج.

وتشكل هذه المبادرة خطوة مهمة لبلورة فلاحة ذكية ومتأقلمة مع التحولات المناخية، في أفق تعميمها على صعيد الإقليم والجهة، باعتبارها نموذجا ناجحا في ضمان علف مستدام وصحي للماشية، وأداة لتحقيق تنمية شاملة، ترتكز على استدامة الموارد ونجاعة الإنتاج وتثمين المنتجات المحلية.

التعليقات مغلقة.