تتزايد الضغوط الدولية و”الإسرائيلية” على “بنيامين نتنياهو” وحكومته. حيث باتت حكومته، وفقًا لمجموعة من التطورات والتحولات، في مرمى الانتقادات والتحديات التي قد تعصف بمستقبلها.
وضع يضع حكومة “نتنياهو” في مرمى الضغوط الدولية و”الإسرائيلية” على حد سواء.
مواقف دول العالم بدأت تجتمع على رفض ممارسات الاحتلال، موزعة بين استدعاء سفراء “تل أبيب” لتبليغ الاحتجاج الرسمي. وتعليق اتفاقات، أوفرض عقوبات. وبين غضب داخل “إسرائيلي” متصاعد ضد الحرب المستمرة في “غزة”.
لتؤشر الخلاصات العامة على اتساع الهوة بين العالم، حتى من اصدقاء “إسرائيل”. وبين جرائم الاحتلال وحرب الإبادة المرتكبة في القطاع. ليفرض سؤال جوهري نفسه على المتتبعين مفاده هل اقتربت نهاية حكومة “نتنياهو”؟. وهل ستُسقطها التداعيات السياسية للحرب، أم يعصف بها الانقسام الداخلي؟.
ففي السياق الخارجي، استدعت المملكة المتحدة سفير “إسرائيل” لديها وعلقت مفاوضات التجارة الحرة مع الكيان الغاصب. كما انها فرضت عقوبات على مستوطنين. وذلك ردًا على “استخدام غير أخلاقي للقوة” في “غزة” وانتهاكات لحقوق الإنسان في الضفة الغربية.
في الشأن ذاته دعت دول أوروبية لمراجعة علاقاتها مع “تل أبيب”، خاصة في مجالات البحث والتكنولوجيا. حيث توالت الدعوات في “بروكسل” و”ستوكهولم” و”باريس” لمراجعة اتفاق “الشراكة الأوروبية الإسرائيلية”. لا سيما في مجالات البحث العلمي والتكنولوجي. فيما أوضح مختصون أن المحيط قد فاض. وأن سلوك الحكومة “الإسرائيلية” تجاوز حدود التحمل، حتى من أقرب الحلفاء.
وعلى الصعيد الأميركي، بدأت تظهر إشارات لتحول في الموقف، حيث طلب “ترامب” من مساعديه إبلاغ “نتنياهو” بضرورة إنهاء الحرب. وذلك في سياق مشروعه لإعادة هندسة المنطقة. الأمر الذي يُعتبر بمثابة بداية إعادة التموضع الأميركي.
فبحسب ما أورده موقع “أكسيوس”، فقد طلب “ترامب” من مساعديه إيصال رسالة مباشرة إلى “نتنياهو” بضرورة إنهاء الحرب. وهو ما تم اعتباره تحولا مفصليا في تعاطي الإدارة الأميركية مع الأزمة. خصوصا وأن “ترامب” يقود مشروعا إقليميا لإعادة هندسة العلاقات في “الشرق الأوسط”، توّج سابقا ب”اتفاقيات أبراهام”.
ويرى محللون أن استمرار الحرب في “غزة” يعطل المشروع الأمريكي. وهو ما يجعل “ترامب” يرى في “نتنياهو” عقبة أمام خطته.
وأوضح محللون أن “نتنياهو لم يعد يستجيب لأحد. إنه يدير حربا لأجل نفسه، وليس من أجل إسرائيل”.
كما أن الداخل “الإسرائيلي”. يعاني من أزمة شرعية عميقة. وسط مطالبات بوقف الحرب والتوصل إلى صفقة تبادل أسرى. على الرغم من تمسك الحكومة بسياساتها. وهو ما يعكس انقسامات حادة تهدد استقرار الكيان المحتل.
ويبرز أيضًا أن الحكومة تستخدم الحرب كغطاء لصناعة إرث سياسي. فيما تشير تحليلات إلى أن “إسرائيل” نفسها تتضرر من حصار “غزة”. الذي بات يهددها في ظل تزايد الدعوات الدولية لإدخال المساعدات الإنسانية، مما يضعها في موقف حرج أمام المجتمع الدولي. خاصة مع تسجيل خسائر استراتيجية على الصعيدين الداخلي والخارجي. فيما تلوح في الافق بوادر تفكك محتمل للائتلاف الحكومي، خاصة حول قانون التجنيد، الذي قد يكون سببًا في انهيار الحكومة.
ويجمع المراقبون على أن بداية العد التنازلي لبقاء حكومة “نتنياهو” قد بدأ. وذلك مع تصاعد الضغوط العالمية، وتغير مواقف الحلفاء، واحتقان الشارع “الإسرائيلي”. الأمر الذي يثير تساؤلات ذات صلة بمستقبل سياسة الاحتلال. وما إذا كانت هذه الأزمة ستقود لإحداث تغييرات جذرية داخل الدولة العبرية، أو أن الأمر سيظل في إطار التحديات الظرفية.
وهكذا وبحسب استطلاعات الرأي، فإن ما يقارب 70% من “الإسرائيليين” يطالبون بوقف الحرب والتوصل إلى صفقة لتبادل أسرى. لكن ومع ذلك، تصرّ الحكومة على نهجها. الأمر الذي دفع المحللين إلى اعتبارها “حكومة أقلية داخل إسرائيل، رغم أنها تمتلك أغلبية برلمانية”. عاكسة بالتالي أزمة شرعية عميقة، تتجاوز الحسابات الحزبية لتصل إلى تهديد الاستقرار المؤسساتي في الدولة العبرية.
وأمام هذا الوضع الصعب وحالة الخناق التي يعيشها “نتانياهو” داخليا وخارجيا. لا يبقى له من خيار سوى صناعة إرث سياسي مختلف لمحو تاريخه الملوث بملفات الفساد وخيانة الأمانة. وبالتالي استعمال الحرب كغطاء لتلميع نفسه. فيما الاحتلال ينهار سياسيا ودبلوماسيا.
الصحافة العبرية ذاتها دخلت على خط الهجوم على “نتنياهو”، فقد كتبت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن “إسرائيل تهزم نفسها بنفسها”. في توصيف ذا دلالة عميقة للفشل الاستراتيجي الذي جنته “إسرائيل” عسكريا وسياسيا.
الحصار الذي فرضه “نتنياهو” على “غزة” ارتد عليه وحاصره من كل الجوانب داخليا وخارجيا. مع تزايد الدعوات في الغرب لإدخال مساعدات إنسانية عاجلة. وتحذيرات أممية من مجاعة تلوح في الأفق. وهو ما عكسته المسرحية “الإسرائيلية” بالسماح بمرور 10 شاحنات مساعدات فقط لتحويل أنظار العالم وتجنب المزيد من الخناق. إلا ان الرد الدولي كان صادما للكيان المحتل وحتى من اقرب حلفائه الذين حاول محاباتهم بإدخال النزر القليل من المواد الغذائية، ليس رحمة بسكان غزة. بل خوفا من خسارة ما تبقى من داعمين لدويلة الاحتلال.
ف”الولايات المتحدة” أقوى الداعمين للاحتلال لم تعد تقو على منحه السند اللازم وفضلت مراجعة سياساتها وأوراقها في إطار المشروع “الترامبي” الجديد. بعد ان انفتحت على “إيران” وتواصلت مع “الحوثيين” وانسحبت من حربها معهم دفاعا عن “إسرائيل”.
فالاحتلال “الإسرائيلي” خسر كل المعارك على المستوى الاستراتيجي. عسكريا في مواجهة المقاومة بما تكبده من خسائر كبيرة إلى خسارة المجتمع الدولي وحتى حلفاءه التقليديين”. وهو الآن مهيأ لخسارة الداخل الداعم وحتى وجوده.
فعلى الرغم مما يسرب من تماسك الائتلاف الداخلي في “إسرائيل”. إلا أن هشاشته تتزايد، وما يقويه اليوم الخلاف المحتدم حول “قانون التجنيد”، ما بين التيارات الدينية المتشددة (الحريديم)، الرافضة للانخراط في الخدمة العسكرية. الأمر الذي قد يؤدي لانسحابها من التحالف إذا لم تحصل على ضمانات قانونية في الموضوع. وهو ما يمكن أن يشكل اول مسمار في نعش وجود “نتنياهو” وحكومته.
تجدر الإشارة إلى أن استخدام القوة المفرطة وانتهاك حقوق الإنسان يندرج تحت جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. وهو ما يعاقب عليه القانون الدولي الإنساني، خاصة مقتضيات “ميثاق روما” للمحكمة الجنائية الدولية، التي تعتبر أن انتهاكات حقوق الإنسان في غزة والضفة الغربية قد تشكل جرائم موصوفة تستوجب المساءلة.
كما أن القرارات الدولية، مثل قرار “مجلس الأمن 2334″، تؤكد على ضرورة الالتزام بالقانون الدولي ووقف الاستيطان. وتحث في الوقت نفسه على ضرورة حماية حقوق السكان المدنيين. وهو ما تضربه الممارسات الصهيونية المستمرة في الأراضي المحتلة عرض الحائط.
وفي السياق الداخلي، فإن القانون الإسرائيلي يواجه تحديات في ظل الانقسامات السياسية الحاصلة، خاصة مع قانون التجنيد، الذي يُعد من أبرز ملفات الخلاف. حيث أن إضعافه أو تغييره قد يثير أزمات دستورية وتفككًا للائتلاف الحاكم، وفقًا للمبادئ الدستورية التي تؤكد على حماية حقوق الأقليات والتوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
التعليقات مغلقة.