أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

حماية الحقوق غير المادية: صون الكرامة الإنسانية وقيم المجتمع في القانون المغربي

بقلم : الأستاذ محمد عيدني

أصوات من الرباط

في قلب القانون تكمن مهمة حماية حقوق الإنسان، لا المادية منها فحسب، بل تلك التي لا تقدر بثمن: الكرامة، الشرف، السمعة، والعلاقات الاجتماعية. هذه الحقوق، وإن كانت غير ملموسة، تشكل جوهر الوجود الإنساني، وسلبها أو المساس بها يترك جروحاً أعمق من أي ضرر مادي.

إن القانون المغربي، على الرغم من تركيزه الظاهر على الجرائم المادية، يحمل في طياته مبادئ أساسية تهدف إلى حماية هذه الحقوق غير المادية. فالدستور المغربي يضمن الكرامة الإنسانية وحرية التعبير، ويحمي الحياة الخاصة للأفراد. هذه المبادئ، وإن لم تكن دائماً واضحة في النصوص القانونية الجزائية، تشكل أساساً لتفسير القوانين وتطبيقها بشكل عادل ومنصف.

لنأخذ على سبيل المثال جريمة القذف المنصوص عليها في القانون الجنائي المغربي. هذه الجريمة، وإن كانت تتعلق بأقوال، فإنها تمس بشكل مباشر سمعة وشرف الأفراد. والأحكام الصادرة في قضايا القذف يجب أن تأخذ في الاعتبار ليس فقط الأثر المادي للأقوال، بل أيضاً الأثر النفسي والاجتماعي الذي قد تتركه على الضحية.

مثال واقعي: قضية نشر صور خاصة لشخص ما دون موافقته. هذا الفعل، وإن لم يكن مصحوباً بأي تهديد أو ابتزاز، يشكل انتهاكاً صارخاً للحق في الخصوصية، وهو حق لا يقدر بثمن. يجب على القضاء أن يتعامل مع هذه القضايا بجدية، وأن يفرض عقوبات رادعة على مرتكبيها، لكي يرسل رسالة واضحة مفادها أن المساس بالحقوق غير المادية ليس أمراً هيناً.

إن سلب شخص كرامته أو شرفه أو سمعته ليس مجرد جريمة، بل هو اعتداء على إنسانيته. والقانون، بما له من سلطة، يجب أن يكون الدرع الواقي لهذه الإنسانية. يجب أن يكون القانون أداة لحماية الضعفاء والمهمشين، وأن يضمن لهم الحق في العيش بكرامة واحترام.

في هذا السياق، يجب على القضاء أن يلعب دوراً فعالاً في تفسير القوانين وتطبيقها بشكل يراعي الحقوق غير المادية للأفراد. يجب أن يكون القضاء حريصاً على عدم تحويل القانون إلى أداة للظلم والقهر، بل يجب أن يكون أداة للعدالة والإنصاف.

نداء إلى المشرع: يجب على المشرع المغربي أن يولي اهتماماً أكبر للحقوق غير المادية في القوانين. يجب أن تكون النصوص القانونية واضحة وصريحة في حماية هذه الحقوق، وأن تحدد العقوبات المناسبة على مرتكبي الانتهاكات. يجب أن يكون القانون أداة لحماية المجتمع من كل ما يهدد تماسكه واستقراره، بما في ذلك المساس بالقيم والأخلاق.

إن حماية الحقوق غير المادية هي مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الجميع: المشرع، القضاء، المجتمع المدني، والأفراد. يجب أن نعمل جميعاً معاً لكي نجعل القانون أداة لحماية الكرامة الإنسانية وقيم المجتمع، ولكي نضمن أن يعيش الجميع في كنف العدالة والإنصاف.

التعليقات مغلقة.