أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

رحيل بيرتلوتشي : بوذا السينما الإيطالية

عبدالإله الجوهري *
عند الحديث عن بيرتلوتشي، الجميع يهرب نحو أفلام محددة معلومة عند الجميع، باعتبارها أفلام كسرت الأعراف التقليدية للممارسة الفنية، بالإمعان في العنف الجنسي المصور بحذق تقني لافت و “مباشرة” تقود نحو الجنون، مباشرة تتجاوز التقاليد المرعية، من خلال الانتصار “للانحلال الأخلاقي” والمتعة البصرية والجسدية،، كما يتحدثون عنه في الغالب الأعم، كمخرج كبير فضل الهروب عن دائرة الأضواء والنجومية، رغم الشهرة التي حازها والجوائز العديدة التي افتكها، لكن القلة من النقاد والمتتبعين من يثير الجوانب الروحية وتاثيراتها في مساره الحياتي والسينمائي، مسار يلخصه بشكل بليغ فيلمه الشهير “بوذا الصغير”، الذي حاول من خلاله رسم معالم شرق روحاني غارق في البحث عن الكارما والخلود، شرق مصور برؤية غربية واعية عالمة بالخصوصيات الثقافية والمعتقدات الضاربة الجذور في واقع يستند على تراث غني بالدلالات والرموز الإنسانية البعيدة عن مهاوي اللذات، اللذات التي نقلها/صورها من قبل، في أفلامه العديدة المتعددة، كما صورها عشرات المخرجين العالميين، وإن تميز عنهم جميعا بالصنعة وضبط الحرفة والتيهان في فضاءات الجسد الإنساني بدون حدود (لم يتجاوزه في ذلك غير المخرج الياباني الشهير ناجيسا أوشيما).

الشرق كما أحبه بيرناردو، يستمد وجوده من ذائقته الشعرية، لأنه كان دائما يحلم بأن يكون شاعرا على غرار أبيه، شاعر يزاحم الشاعر العظيم دانتي، ويعيد إبداع كوميدياه الإلاهية، الكوميديا القادرة على غسل الأدران، وخلق عوالم يتقاطع فيها الروح والجسد بشكل متناغم، فلا عجب أن كان بوذا، وحكمته المقتطعة من فلسفة التأمل العجيب في أسرار الوجود والعدم، هي الفضاء الأرحب للممارسة والتجريب و سبر الأغورا، من خلال البحث عن طفولة تحمل بذور وملامح المستنير الساكن في الدواخل، المستنير الذي يدعو للحكمة و يعتبر الإنسان هو الخالق لله وليس الله هو الخالق للبشر.

عندما شاهدت الشريط أول مرة، وأنا شاب غر عاشق للحكمة والسينما دون أن أكون ممارسا لهما، أو غائصا حقا في عوالمها، وجدتني أهيم في دنيا هذا المخرج باحثا حقا عن ضرورة قراءة كل ما يكتب عنه أو يسجل معه من حوارات ولقاءات..
بموت بيرناردو بيرتلوتشي تكون السينما العالمية قد فقدت رمزا حكيما من رموزها و علامة متمردة من علاماتها…
مخرج سينمائي مغربي

التعليقات مغلقة.