أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

في إدانة “المخزن المدرسي” والتضامن مع الأستاذ والمتعلم

إبراهيم أزوغ

كنت قريبا من الغفوة بعد تعب القسم، حينما قض مضجعي سؤال فجحظت معه عيناي عن آخرهما؛ كيف نُعلم، بعد اليوم، أطفالنا وتلامذتنا الحوار؟ كيف نُقنعهم بأن الحوار هو الصيغة الأولى التي قادت البشرية إلى بناء المجتمعات الإنسانية؟ وأن الحوار أساس البنيان والاجتماع البشري؟ كيف أعيد سرد حكاياتي لهم عن بداية البشرية، وكيف أخرجها الحوار من ظلمات التوحش، إلى نور تواصلها الحضاري، وميزها عن غيرها من الكائنات؟ كيف نلومهم في ما صدر وما سيصدر عنهم من عنف مادي أو رمزي، ورفض غير منظم لكل شيء، يصل في بعض حالاته القصوى والحادة، إلى التعبير عن الحالة المرضية وانعدام التربية الأسرية والمجتمعية؟ كيف نلومهم.. ونحن أعرف بشرط نشأتهم أكثر منهم؟ كيف ونحن أعرف منهم بالسائد والمهيمن من القيم في محيطهم الخاص والعام؟. كيف نقنعهم بأن المجتمع ليس سوى علاقات تواصل تقوم على الحوار والتفاوض والاختلاف والتوافق؟. بعدما رأوه ويرونه، بفضل الوسيلة التكنولوجية التي أنعمت بها علينا الأمم العقلانية، من أنهار دماء خيرة أبنائنا تسيل.. لتغسل الشوارع من ظلم وطغيان مسؤولي هذا الوطن، وتمحو أخطاء جهلهم بصيغ تدبير أمور الناس وشؤون دنياهم. من علينا أن نُعلم أولا، أن الحوار والعدالة والواجب والحق أساس تحضر الأمم وتقدمها وتطورها، لأطفالنا وتلامذتنا؟ أم للمسؤولين؟. 

صورتان مليئتان بدلالات شاخصة من بين ألاف الصور: الأولى، قبل سنتين أو ثلاث، ما شهدته أبواب الأكاديميات، وباب وزارة التربية والتعليم، من عنف ردا على المطالب المشروعة للأساتذة المتدربين، والآن في ما تشهده اليوم ردا على مطلب الأساتذة الذي فرض عليهم التعاقد، وعلى حقهم في الاحتجاج الذي عبروا به، ومن خلاله، عن وعيهم بحقهم وتشبثهم به، وعن واجبهم وسلوكهم الحضاري في أمثل صوره، لهو أكبر دليل على أن الإدارة المغربية لا زالت تُدَبَرُ بعقلية القرون الفائتة، وتحكمها وزارة واحدة ووحيدة “وزارة المخزن المدرسي” التي لا تقف على إصدار أوامرها “بمذكراتها المتتالية” في تحرير المتعلمين من كل الالتزامات والقيود التي تدفعهم وتحفزهم أو ترغمهم على التعلم، وتسمح بتداول مئات الفيديوهات والصور التي تشيع العبث داخل الفصول الدراسية دون المتابعة لما تنقل ولمن ينقل، طبعا ليس كل هذا سوى انعكاس جزئي لإستراتجية تعليمة محكومة بنية عميقة تضم بنود وضعها المخزن المدرسي، لكن ألا يطرحون سؤال ما النتائج المنتظرة؟ وماذا بعد تحقيقها؟ ماذا بعد اليوم؟. 

كيف ينام هؤلاء وهم يشهدون ألآلاف الأطفال جائعة ومشردة وغير متعلمة، ومثلها من الشباب مدمنة وبغير علم ولا عمل، وأضعافها من النساء دون أي حق حتى في التعبير عن أدنى رغباتهن، وجحافل المرضى بمختلف الأمراض والإعاقات التي ألحقها بها مجتمع لا يعترف بإنسانيتها وانتمائها إلى دائرة المواطن حسب أعراف إدارات الوطن ومواضعاتها، مصطفة متراصة تنتظر الموت أمام أبواب المستشفيات، وعمال يشتغلون بالراتب نفسه الذي اشتغل به آباؤهم قبل قرن من الزمن، كأن حركة الزمن وعجلته لا تتوقف إلا في بلداننا العربية، بل نخال في كثير من اللحظات التاريخية أنها إلى الخلف سائرة لا إلى الأمام، واللحظة التي نعيشها اليوم واحدة منها.

التعليقات مغلقة.