أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

إفْقَار الشَّعْب.. إغْناء الحزب

صلاح بوسريف

هذا آخر ما صرَّح به عبد الإله بنكيران، الذي اعتبر الله أنعم على أعضاء حزبه باليُسْر والرَّفاه، وأن أحوالهم المالية تحسَّنَت، في الوقت الذي سدَّ فيه الأبواب والنوافذ على أبناء الشعب من الطبقة الوسطى والفقراء. الرجل، في حقيقة الأمر، كان يفضح الجميع ممن اغتنوا، حتى لا يبقى الرصاص مُصَوَّباً نحوه وحده، في ما تلقاه من هدايا لا يستحقها، بينها أموال التقاعد التي لن يبلغها من قضى عمره كاملا في العمل، من الموظفين البسطاء، ممن لن يبلغ بنكيران ومن معه، شيئاً من العَرَق الذي خرج من لحمهم وجلدهم، جرَّاء ما عاشوه من شقاء وكدح وعناء.

إنها لوقاحة وتَحَدٍّ لشعب بكامله، في أن يُصَرِّح بنكيران أن المتعاقدين، خانوا واجباتهم، ويطالبون بما ليس حقا لهم، وأن الواجب، هو أن يعمل هؤلاء بشروط التعاقد التي كان هو من أجْراها على العباد قهراً واستهتاراً، فيما حرص أن يكون عمل  أبنائه غير عمل أبناء الشعب. الذين الذي أتى به بنكيران ومن معه، هو دين نفاق وانتهازية واستغلال، ودين وصولية وازدراء للناس وضحك على دُقونهم، فهو إيمان بالمال والرَّفاه، وإيمان بالحزب والقبيلة والعشيرة، والشعب، هو مطية، أو هو حصان طروادة الذي استعمله بنكيران وحزبه للوصول إلى السلطة، ليس لحل مشاكل الناس، أو لِصَدِّ الفقر والفاقة عنهم، بل لقهرهم ومُضاعفة فقرهم، واكتفى بأن حَلَّ مشكلاته هو والقريبين منه. فلم يترك حزب العدالة والتنمية مَنْصِباً في الجامعات المغربية، إلا وفوَّتَه لأعضاء الحزب، من يستحق ومن لا يستحق، ولا منصباً في وزارة، أو في وظيفة من وظائف الدولة، إلا ووضع يد الحزب فيه، وهذا يذكرنا بالتهافت الذي سقط فيه الإخوان المسلمين في مصر حين تولوا السلطة في مصر، وهو نفسه دَأْبُ الإخوان عندنا.

العجيب في كل هذا، هو أن تكون مشكلة المدرسة، في نظر بنكيران هي المراحيض، التي كان يوصي بإصلاحها والاعتناء بها، حين كان رئيساً للوزراء، ليس لقضاء التلاميذ لحاجاتهم الضرورية فيها، بل للوضوء. أليس هذا قمة السَّخَف والتَّلَف، واستغفال الناس؟ فحين يَدَّعِي بنكيران أن الدين انتشر في المغرب، وعمَّ، بفضل حزبه، فهو يُجازف بتحريف التاريخ العقائدي للمغاربة، والتَّدَيُّن الذي كان موجوداً في حياتهم مثل الماء والهواء، منذ أن عرف المغاربة الدين، وليس لأن شخصاً اسمه بنكيران جاء برسالة جديدة، هي ما أدخل المغاربة إلى الإسلام. كفى من الديماغوجية والعبث بالكلام، لإخفاء المسروق. فأنت، وحزبك الذي خدع الجميع، كنتم سبب يأس وبؤس الناس، وكنتم وراء ما يُعانيه الشبان من بطالة وعطالة وتشرد، ففقرهم من قهركم، أنتم من اغتنيتم على حساب أموال التقاعد، وعلى حساب اقتطاعات المضربين ممن كانوا يطالبون بحقوقهم، وبالعيش الكريم، لا الرغيد الذي أنتم تعيشونه اليوم، رغم أنكم وضعتم البلاد في أكثر من مأزق وأزمة، كما اغتنيتم مما نُؤدِّيه من ضرائب واقتطاعات من أجورنا. كفى من استغفال الناس، فأنتم صِرْتُم مفعروفين، بكثير من الفضائح الأخلاقية التي لم يضاهكم فيها حتى من لا يؤمنون، ممن تنعتونهم بالكافرين والعلمانيين.

لا أعتقد أن التاريخ أعمى، أو أنه نامَ، لتفعلوا ما فعلتموه. فالتاريخ يَقِظٌ، عيناه مفتوحتان لا يَرِفُّ لهما جَفْنٌ، يكتب بدون انقطاع، وهو قَبْل الله سيُحاسِبُكم، ويكتب سيئاتكم، وما قمتم به من انتهاك لحق الناس في العمل، وفي الحياة بشرف وكرامة. أتعتقدون أن التاريخ يُحرِّف الوقائع والأحداث، وينتصر للمستبد والظالم؟ لا، وأبداً يا سيدي، التاريخ هو نحن، من نكتب لنشهد على خروقاتكم، و ما وضعتم فيه البلاد والعباد من حَرَج وحاجة، لِتَدَّعُوا الغنى، وهو غنى بغير وجه حق، فهل تعلمون. على أي، فالله يَراكُم، ويعرف أنكم تتكلمون باسمه باطِلاً، وباسمه وصلتم إلى الحكم، وأجريتم ظلمكم في الناس، باسم الدين، الذي كان هو ما خدعتم به أنفسكم، قبل أن تخدعوا الناسَ به. فلا تَنْسَوْا، أن لا رَادَّ لقضاء الله، وما أنتم فيه، هو بداية انهيار وانحدار وسقوط مُرِيع، فاقرأوا كتاب العِبَر لابن خلدون، لِتَرَوْا، من أنتم في مرآة التاريخ.

التعليقات مغلقة.