أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

جامع حسان برباط الفـتح .. “تحفة” المعمار الموحدي(3/2 )

ذ.عزيز لعويسي

– ثالثا : مسألة التأسيــس.

كل الرويات والنصوص تنسب جامع حسان برباط الفتح إلى ثالث الخلفاء الموحدين يعقوب المنصور(580 -595/1199م) الذي أمر في الوقت الذي جــاز فيه إلى الأندلس لغزوة الأرك سنة 591هجرية، أمر ببناء جملة من الصروح المعمارية أشار إليها صاحب”روض القرطاس” بقوله ” و كان لما جاز إلى الأندلـس لغزوة الأرك المذكورة، أمـر ببنـاء مدينة مراكش وبناء الجامع المكرم الذي بإزاء القصبة و صومعته ، وبنــاء منار جامع الكتبيين، وبناء مدينة رباط الفتح من أرض سلا ، وبنــاء جامع حسان ومنــاره ” (8) ، و يستشف من الرواية أن تاريخ الأمر بالبناء بالنسبة لرباط الفتـــح وبناء جامع حسان ومناره قد وقع عند جواز المنصور إلى الأندلس لغزوة الأرك التي بدأها بخروجه من مراكش في 18 جمادى الأولى سنة 591هجرية (9) ، وقد اعتمـد هذا النص كل الذين أرخوا  للخليفة الموحـــدي “يعقوب المنصور” ونسبوا بناء مدينة ربــاط الفتح وجامع حسان ومناره إليــــه، وقد أورد صاحب “روض القرطاس” كذلك في ذكره لحوادث سنــة 593هجرية  أنه ” وفي سنــة ثلاثة وتسعين ، بنــــي رباط الفتح وتم سوره و ركبت أبوابــــه ، وفيهـــا بنــي جامع حســــان ومنــاره ، و فيها بنــي منــار جامــع إشبيليـــة ومنـــار جامع الكتبييــن من مراكش، وفيها تمت قصبـــة مراكش وجامعها بالبنـــــاء”(10) .

إن قراءة فــي الحوادث التي أوردهــا ابن أبي زرع ، تسمـــــح بإبداء الملاحظات التاليـــة :

–  أن لفظة “أمر بالبناء” التي أوردها بن أبي زرع،بعد جواز المنصور إلى الأندلس، لا ينبغي أن نقصر فهمها على أنها ” أمر بالتأسيس”.

–  أن لفظة “بنــي” الواردة قبل إسم جامع حسان ومناره في ذكر حوادث سنــة 593هجرية لا يجــوز أن نفهم من خلالها، أن عمليات” التخطيط” و” التأسيس” و”البناء” كلها نفــذت في نفــــس السنــــة .

– لا شك أن ابن أبي زرع يطلق لفظة “أمر ببنــاء” و لفظة “بنــي” على عمليات إتمـــام وإكمال “يعقوب المنصور” لبعض أعمال ومنشآت أبيــه “يوسف” وجده “عبدالمومن” ، فمنــار جامع الكتبيين – مثلا – شرع في بنائــه “عبدالمومن” وأتمه حفيده “يعقوب المنصور” الذي أضــاف الجزء الأعلى منه ، كما أن منار المسجد الجامع بقصبة إشبيلية ، شرع في بنائــه “أبو يوسف” وأتمه ابنه “يعقوب”.

وبعيدا عن الغموض و الإبهام الذي يكتنف رواية ابن أبي زرع ، وبالنزول إلى مستوى المصادر الموحدية، من الضروري الأخد برواية المؤرخ عبدالواحد المراكشي – المعاصر للأحداث – و الذي يشير إلى أن أشغال البناء توبعت بدون انقطـــاع طيلة فترة حكم الخليفة “يعقوب المنصور”، وقد روى في هذا السياق “ولم يزل العمل فيها وفي مسجدها المذكور ، طوال مدة ولايته إلى سنـــة 594هجرية ” (11) ، وبذلك فهو يرجـــع تأسيس الجامع إلى سنة 580هجرية/1184م، وهـي السنة التي تسلم فيها المنصور مقاليد السلطة ، وهذه الرواية وإن كانت تحضى بقسط وافر من الوثوق و الدقة بالنظر إلى معاصرة صاحبها للأحداث مقارنة مع رواية ابن أبي زرع ، فهذا لا يمنع من إخضاعها للمساءلة و التمحيص لعدة اعتبارات منها :

– القبول بسنة 580هجرية كسنة للتأسيس مباشرة بعد تسلم يعقوب المنصور لمقاليد السلطة ، إقرار أن مشروع بناء جامع حسان لم يكن مدرجا ضمن التخطيط العام لمدينة رباط الفتح.

– لا يمكن تقبل مشروع معماري كبير يقضي ببناء مدينة جديدة (رباط الفتح) تغيب عنه فكرة “الجامع” الذي شكل المركز النابض للمدينة الإسلامية الوسيطية .

– الأخد برواية عبدالواحد المراكشي ، معناه أن يعقوب المنصور هو الآمر بالتأسيس للمعلمة في نفس السنة التي تسلم فيها السلطة (580هجرية) .

– أن مشروعا معماريا دينيا ضخما أريــد له أن يضاهي كبريات المساجد الجامعة في الشرق الإسلامي ، من المنطقي أن تكون فكرة تشييده ووضع الدراسات المرتبطة به (تقنية ، طبوغرافية ، مالية ، مائية …) سابقة لسنة تأسيسه .(أي سنة تسلم يعقوب المنصور للسلطة).

بناء على الاعتبارات السالف ذكرها ، من المرجـــح أن يكون مشروع بناء جامع حسان حاضرا ضمن التخطيط العام الذي و ضعه أبو يعقوب يوسف بخصوص مدينة رباط الفتح، و بالتالي قد يكون هو الآمر بالبناء، بل و ربما هو المدشن للأعمال كما ذهب إلى ذلك “كايي” (12) ، بينما  “يعقوب المنصور”يحتمل أن يكون مجرد منفذا لأوراش العمل الكبرى التي بوشرت في عهد والده، ومن ضمنها طبعا مشروع بناء الجامع.

إذن وتأسيسا على ما سبق ، فسواء تعلق الأمر ب”الإسم” أو “الموقع” أو “التأسيس” ، من المؤكد أن المعالم الكبرى التي تؤسس بقرار رسمي كما هو الحال بالنسبة لجامع حسان برباط الفتح ، لا يمكن أن يتخذ قرار بنائها بشكل اعتباطي أو تلقائي ، بل تسبقها دراسات وأعمال تحضيرية متعددة المستويات من قبيل الحسم في اختيار المكان الذي يستجيب للشروط الطبوغرافية القادرة على حمل البنيان و يحقق الوظيفة الدفاعية المرتبطة بـه . ووضع التخطيطات المناسبة من طرف المهندسين و التقنيين وسبل جلب العمال و الصناع التقليديين ومواد البناء و كيفية تدبير الميزانية الضرورية لانطلاقة و مسايرة الأشغال، بما في ذلك وضع إسم خاص بالمعلمة الناشئة التي لا يمكن مقاربتها بمعزل عن مدينة جديدة ناشئة إسمها “رباط الفتـــح” ، وهذا الطرح يحفز على بدل المزيد من الجهود من قبل الباحثين والمهتمين من أجل فك شفرات الإسم و الموقع والتأسيس .

التعليقات مغلقة.