أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

“الطفل أبو الرجل”!

جمال بودمة

على جدران بعض الشوارع الرئيسية في طنجة، ظهرت مؤخرا ملصقات كتب عليها: “حملة لا للتبرج، اتقوا الله في شباب المسلمين، رمضان مبارك”. واذا كانت الجهة التي تقف وراء هذه الملصقات لم تكشف عن نفسها، فإنها كشفت أن في رأس بعض المغاربة يختبئ داعشيون صغار، جاهزين للتحرك اذا ما اتيحت لهم الفرصة. ولا يسعنا إلا أن نسأل أصحاب “هاد البيعة وشرية”: لماذا لا تغض بصرك أنت يا “بوركابي” بدل ان تشن حملة على النساء التي تعتبرهن “متبرجات”؟ ولماذا لا تدعو “شباب المسلمين” الى ان يتقي الله في نفسه ويتوقف عن معاكسة الفتيات في الشارع؟ 

الملصقات الطنجاوية تؤكد شيئا واحدا: النزعة الذكورية متأصلة في المجتمع، المرأة هي الشيطان والشيطان هو المرأة!

هذه الظاهرة، التي تكشف أن “الحرية الفردية” ضرب من ضروب “الخيال العلمي” في البلاد التي… تتجدد كل رمضان. كلما حل الشهر الفضيل، تجد من يحاول ان يبسط سيطرته على الفضاء العام، باسم الدين والاخلاق والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، دون أن يوقفه عند حده احد. “بوركابي” يريد ان يظل الآمر الناهي في البيت وفي الشارع وفي كل مكان. علما ان الدعوة الى الله لها اصولها وقواعدها وأهلها، والبلد له مؤسساته الدينية…

ولو فحصنا عن كثب “بروفيلات” هؤلاء الذين يتزعمون الحرب على “التبرج”، سنجد ان بعضهم لم يسبق له ان حط جبهته على الارض، وبعضهم لا يستحضر الدين خارج رمضان الا عندما يشتم، لكنهم يتحولون الى دعاة تقاة خلال الشهر الفضيل، قبل ان يعودوا إلى “حياتهم العادية” بمجرد ثبوت رؤية هلال شوال.

أيام الطفولة، نحن أيضا كنا نتحول الى داعشيين صغار، كلما هل شهر رمضان. مباشرة بعد الافطار، نخرج لتنفيذ عمليات ميدانية ضد الفتيات “المتبرجات”. بمجرد ما نفرغ من وجبة الافطار، نتحول إلى “ميليشيات آداب” تجوب أطراف المدينة، سلاحنا “جباد” من “لاستيك” وذخيرتنا قطع سلكية مسمومة، نصنعها من أسلاك الدفاتر. كنا نصوب “الجباد” في اتجاه سيقان الفتيات اللواتي يلبسن تنورات قصيرة، الضربات لاسعة تجعل الساق تنزف. ننفذ عملياتنا ونهرب كأي إرهابيين مبتدئين. كنا أطفالا، وكانت ألعابنا أقرب الى “عالم الجريمة”، وعندما كبرنا أصبحنا نعتقد اننا نملك حق التدخل في شؤون الاخرين، باسم الدين والأخلاق والعادات المفترى عليها، مثل الواقفين وراء حملة “لا للتبرج”…

ها قد كبرنا وكبرت معنا العدوانية ونزعة الذكورة ومعاداة النساء. أعتقد ان سيغموند فرويد لم يكذب عندما قال: “الطفل ابو الرجل”!

التعليقات مغلقة.