أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

الورشة الاقتصادية بالمنامة ما هي وما أهدافها؟

ذ. كريم عايش

أجواء ما قبل الورشة الاقتصادية

اثير الكثير من اللغط حول ما يعرف بصفقة القرن و التي هي في الحقيقة خطة أمريكية لإحلال السلام بالشرق الأوسط بإشراف صهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنير و التي عصر من اجلها ادمغة المخططين الاستراتيجيين الأمريكيين بالبيت الأبيض لاقتراح بديل عن خطط السلام السابقة و الفاشلة، انطلاقا بكامب دايفيد الى أوسلو، وان كانت الولايات المتحدة قد أعلنت الوان هذه الخطة عبر تسريبات لمواقف دبلوماسية غير معهودة و غير مسبوقة، هذه المواقف التي جاءت مرتبة بحكم أهميتها الاستراتيجية، بدءا بالقدس مرورا بوكالة الاونروا وصولا الى هضبات الجولان المحتلة.

منذ اعلان هذه الورشة، سالت الأقلام وديان مداد اسود سواد غضب الشعوب العربية و الفلسطينية على مآل القضية الفلسطينية ووقفت السلطة الوطنية الفلسطينية موقف المقاطع لكل المبادرات الامريكية جملة و تفصيلا، و قد غاب في كل التصريحات الامريكية أي تلميح لحل الدولتين بل كان الاصطفاف الى المواقف والسياسات الإسرائيلية اكثر قوة من بعض الأحزاب الإسرائيلية نفسها، الى هذا صار الفلسطينيون يحسون بفراغ الصف العربي وانتقال بعض الدول ممن كانت حليفا وداعما بالأمس الى مناور و مراوغ اليوم يسلك سبل التطبيع بهدوء و على حساب كثير من التاريخ النضالي المشترك، سوآءا على معترك حروب المقاومة الفلسطينية و العربية او في معترك الأمم المتحدة ومجلس الامن لإدانة الكيان الصهيوني.

في كل ارجاء العالم قام الفلسطينيون و الشعوب العربية في اطار مسيرات احتجاجية و أنشطة ووقفات بإدانة تنظيم ورشة المنامة، و استغرب الكثير سبب عقدها ببلد عربي وحضور دول عربية بعينها و ان كان بعض المتخصصين يصنفها عل انها بلدان سنية و هو نعت ضمني بصبغة طائفية و عقائدية كقاعدة تحمل الورشة وهنا نعود لحجر الزاوية و هو السعودية و الامارات كقوى إقليمية تحاول فرض الهيمنة و التوسع الاستراتيجي كأوراق لا بد منها في المنطقة لخلق التوازن و التحكم في مجريات الأمور، وهو تحول جيو استراتيجي بالغ الأهمية اذا ما وضعنا الفزاعة الإيرانية في الجهة المقابلة لنفهم سبب عودة مضيق هرمز كمحور استراتيجي يذكرنا بحرب السفن الإيرانية العراقية ثم الإيرانية الإماراتية و كيف غرقت الولايات المتحدة في هذا المضيق و صار الخليج العربي / الفارسي صفيحا ساخنا تضبط نيرانه المصالح الامريكية بالمنطقة ومدى وفاء حلفاءها لإيقاعها.

ورش المنامة الاقتصادية كانت الى الامس القريب لغزا حير المتتبعين، ليس بسبب اختيار المكان، فالولايات المتحدة اذا عزمت على اقامة نشاط ما فغالبا ما تجد الحليف المناسب لذلك كيفما كان، شأن روسيا أيضا و التي صارت تستغل استانا لمناقشة الوضع السوري و الرباعية الدولية حول الشرق الأوسط بمفاوضات مدريد و أوسلو، لكن ما جعل هذه الورشة لغزا هو كون صهر ترامب قفز الى طائرته بين الرباط و عمان و القاهرة، منطلقا من المغرب بلقاء الملك محمد السادس حول مائدة الإفطار بعد يوم من الصيام ليقوم في اليوم الموالي بزيارة قبر الحاخام حاييم بنتو بمقبرة الدارالبيضاء و يعلن تحقيق امنية حياته، ليربط من الدارالبيضاء ضمنيا جولته بأخذ البركة من يهود المغرب و الذين لا يخفون ولاءهم للمملكة قبل إسرائيل، ليبرز دور المغرب من جديد بعد عقود من التهميش الأمريكي المقصود بسبب موقف المملكة من السياسات الإسرائيلية منذ صعود نتانياهو الى حكم تل ابيب و دكه للمطار الذي بناه المغرب في غزه بغارات طائراته، مكتفيا بدعم الشعب الفلسطيني و مساندته على كل الأصعدة.

محطة المغرب اثارت اهتمام المتتبعين بعد ربطها بمحطة الأردن ومواقف العاهل الأردني من مسألة القدس وإعلانه عن موقف شجاع بالفداء في سبيل الحفاظ على العهدة المقدسية، وكان الملك الأردني قد اعترف بوجود ضغوط لتليين موقفه من القدس والقبول بالوضعية بحل مستقبلي ضمن خارطة طريق مستقبلية تندرج في اطار ما يعرف بصفقة القرن.

تفاصيل ورشة المنامة

انتظر كل المتتبعين لبصيص ضوء حول هذه الورشة الاقتصادية لعلهم يفهمون توجهات الإدارة الامريكية في ما يخص صفقة القرن الغامضة، و كل ما تم تداوله هو أسماء الدول المشاركة و التي في ردهة انتظار التأكيد، اما التي قاطعت فقد أعلنت ذلك صراحة من اليوم الأول و حتى قبل اقلاع طائرة جاريد كوشنير، فالسلطة الوطنية الفلسطينية تبنت موقفا جذريا من كل خطط و مبادرات الإدارة الامريكية في عهد ترامب، و التي اعتبرتها غير ذي مصداقية و بالتالي صارت وساطتها و احتضانها لعملية السلام بالشرق الأوسط اشبه بسلوك فرض الامر الواقع والدفع بالفلسطينيين الى الزاوية لإرغامهم على  التفاوض من اجل التسليم بحكم تل أبيب.

يومين قبل الورشة وتحت ضغط عالمي، افرج البيت الأبيض على الخطة الاقتصادية و التي اسماها “من السلام الى الرفاهية: الخطة الاقتصادية: رؤية جديدة للشعب الفلسطيني” و هي خطة تقع في 40 صفحة، تتخللها صور لفلسطينيين التقطت اثناء ممارستهم لحياتهم اليومية و كأنها توحي بكونهم تحت ازمة اقتصادية و ليس احتلال عسكري ممول من طرف أموال ضرائب الشعب الأمريكي و تبرعات اليهود عبر العالم.

الخطة والتي تضم على غلافها ختم الولايات المتحدة وكلمة “سلام” مقسمة الى جزئين أولهما حرفان ينتهيان بشعار النسر الأمريكي وهي تعني “أمريكا” ليكون الحرف الأول من الكلمة هو تتمة الجزء المتبقي من الكلمة، وبغض النظر على ان هذا التركيب يغطي سماء مدينة رام الله مقر السلطة الوطنية الفلسطينية وقد قسمت الخطة الى مبادرات ثلاثة:

  • • إطلاق العنان للقدرات الاقتصادية
  • • تقوية الشعب الفلسطيني
  • • تطوير الحكامة الفلسطينية

تبدأ الخطة بتوطئة تقر بكون الفلسطينيين لم ينعموا بالسلام وان استمرار حالهم يجب ان ينبلج على مستقبل أفضل لهم ولأطفالهم عبر تفعيل المبادرات الثلاث السابقة.

1- المبادرة الأولى: إطلاق العنان للقدرات الاقتصادية

هذه المبادرة تعنى بتطوير حقوق الملكية، قانون العقود ودور القانون، إقامة ضوابط لمكافحة الفساد، سوق لرؤوس الأموال، تنشئة هيكل ضريبي وتخفيض للأسعار والرسوم عبر تخفيض الحواجز التجارية.

هذه المبادرة تستشرف سياسة إصلاحية تتزاوج واستثمارات بنيوية استراتيجية تمكن من تعزيز مناخ الاعمال وتشجيع نمو القطاع الخاص.

من خلال هذه المبادرة سيتم تأمين التزويد الطاقي لكل من المستشفيات والمدارس، بالإضافة الى الاشر و الشركات، و كذا الماء الصالح للشرب و الخدمات الرقمية، فملايين الدولارات التي ستكون محور الاستثمارات المقبلة ستفيض على مختلف القطاعات الاقتصادية الفلسطينية، اذ سيتمكن المقاولون من التوفر على رؤوس أموال و ستصبح أسواق الضفة الغربية وغزة مرتبطة بشركاء تجاريين حيويين كمصر، إسرائيل، الأردن و لبنان. فالنمو الاقتصادي المتحصل من هذه المبادرة ستمكن من القضاء على البطالة المرتفعة وتحويل قطاع غزة والضفة الغربية الى مركز للفرص.

ولتفعيل ذلك انقسمت هذه المبادرة الى مجموعة من البرامج:

▪ استراتيجية الإصلاح ببناء مؤسسات حيوية واعتماد سياسة إصلاحية لجلب الاستثمارات الخارجية على شاكلة ما قامت به كوريا الجنوبية، سنغافورة، تايوان واليابان وذلك بتطوير بنية تحتية صلبة وتشجيع التصدير، وهو برنامج يرسي دعائم اقتصاد فلسطيني قادر على خلق فرص استثمارية تؤهله لدخول اقتصاد السوق من أوسع ابوابه، دون اغفال دور مكافحة الفساد وتعزيز دور القانون وحماية الحقوق لضمان الشفافية وتكافؤ الفرص ومنح الثقة للاقتصاد الفلسطيني.

▪ الرأسمال البشري وذلك بتنمية قدراته على منوال ما قامت به السويد والمانيا من خلال تطوير الكفاءات العلمية ومنح تداريب وتسهيلات للقيادات من المجتمع المدني للاضطلاع بأدوار تكوينية في المجالات الاقتصادية والحقوقية، وإقامة مراكز تأهيل وتطوير الكفاءات المهنية والمهارات الحرفية حتى يتمكن الفلسطينيون من امتلاك أدوات تمكنهم من مسايرة ركب الاقتصاد والاستثمارات المتزايدة.

▪ المقاولة والابتكار وهي خطة تهدف الى جعلهما بالإضافة الى تنمية القطاع الخاص حجر الزاوية لاقتصاد نشط. خلق القيم الاقتصادية رسملة مكتسباتها في إطار نمو يمكنها من تحقيق النجاح فالقطاعات المجمعة والمتواجدة بالدول المجاورة غير قادرة على ادماج الفلسطينيين، لذل تقترح الخطة اشراك فلسطينيي العالم لتشجيع المقاولات الناشئة بربطها بمراكز الاعمال العالمية لجعلهم قادرين على تأسيس شركات ومقاولات كبيرة وناجحة.


التعليقات مغلقة.