جيش الترفاس: جوانب أزمة الانضباط في الجيش الجزائري وتأثير الأزمات الاقتصادية
بقلم الأستاذ محمد عيدني
تتوالى الأخبار لتسلط الضوء على قضية غريبة تشغل الرأي العام في الجزائر، تتمثل في ظاهرة “بحث الجنود عن الترفاس”، ذلك الفطر الذي يحظى بشعبية كبيرة في الثقافات المحلية. حيث أصدرت القيادة العسكرية أوامر صارمة لتأكيد الانضباط العسكري ومنع أي تسيب قد ينشأ عن ترك الجنود لمراكز عملهم للبحث عن هذا النوع من الثمار.
قائد الأركان، السعيد شنقريحة، لم يتوانَ في إعلان موقف حازم من هذه الظاهرة، مؤكدًا على أهمية الالتزام بواجباتهم العسكرية وضرورة التفرغ للمسؤوليات الملقاة على عاتقهم. الأمر هنا لا يتعلق فقط بالترفيه أو البحث عن طعام شهي. بل يمثل أيضًا دلالة على الضغوط الاقتصادية التي تعاني منها بعض شرائح المجتمع. حيث تحولت ظاهرة البحث عن الترفاس إلى استعارة تجسد حالة الانشغال عن الواجب.
لا يخفى على أحد أن الجزائر تمر بظروف اقتصادية تحد مُلح، تبرز من خلالها قضايا عديدة تتعلق بالاكتفاء الغذائي والموارد الطبيعية. في ظلّ هذه الأوضاع. تعتبر “الكمأة” نوعًا من الفطريات التي قد توفر مصدر دخل إضافي أو وجبة غذائية لم تكن متاحة في السابق. ولذا، فإن حالة الجنود التي تبحث عن الترفاس ليست مجرد تصرف فردي. بل تعكس الظرف العام السائد في البلاد، حيث تتداخل الأزمات الاقتصادية مع الواقع الاجتماعي.
العملية العسكرية الأخيرة نحو تنفيذ أوامر الانضباط، تشير إلى نوع من القلق الذي تعيشه المؤسسة العسكرية، خاصة في ظل التوترات المستمرة على الحدود الجزائرية-المغربية. إضافةً إلى ذلك. فإن تصرفات الجنود وتوجههم نحو البحث عن مصادر رزق بديلة تتعارض مع مبدأ الالتزام الذي يحكم أداء العسكريين. ومن هنا جاء تشديد العقوبات، والتي قد تصل إلى الحبس أو حتى العزل، مهما كانت الرتبة الحقيقية للجندي.
هذا التحول في الانضباط العسكري يطرح تساؤلات جوهرية حول كيفية إدارة الأزمات وتأثير الظروف الاقتصادية على ولاء الجنود. كيف يمكن للجيش أن يحافظ على قدرته العملياتية في ظل ضغوط العمل وندرة الموارد؟ وكيف يؤثر الفقر على انضباط وإخلاص الجنود لمهامهم؟
تتطلب هذه القضية التأمل والتفكير، وهي دعوة للقيادة العسكرية والمجتمع المدني للعمل معًا لوضع استراتيجيات فعالة للتعامل مع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية بطرق أكثر استدامة. يبدو أن قضية “جيش الترفاس” ليست مجرد مسألة انضباط، بل هي دعوة للتواصل مع جذور التحديات الاقتصادية المقبلة، والتي تحتاج إلى الحلول أهمها زيادة التوعية الإنسانية وتعزيز سبل الرزق في المجتمع.
التعليقات مغلقة.