الرقية الشرعية، الحجامة، والمرض النفسي في المغرب: بين المعتقدات والعلاج الحقيقي
بدر شاشا
الله يهدي بعض الناس، فالبعض يكذب على الناس. الرقية الصادقة تكون لله ومجانية تمامًا.
يعاني الكثير من المغاربة من مشاكل نفسية مثل الاكتئاب، القلق، والتوتر، لكن بدلًا من اللجوء إلى الأطباء النفسيين وطلب العلاج المناسب، يعتقد العديد منهم أن السبب وراء معاناتهم هو السحر أو المس، فيلجؤون إلى الرقية الشرعية أو الحجامة بحثًا عن الشفاء. هذه الظاهرة تعكس مزيجًا من المعتقدات الدينية والتقاليد الشعبية التي تجعل الناس يتجنبون الطب النفسي، مما يؤدي في بعض الحالات إلى تفاقم مشاكلهم الصحية.
لماذا يعتقد المغاربة أن الأمراض النفسية سببها السحر؟
هناك عدة عوامل تجعل الكثير من الناس في المغرب يفسرون الأمراض النفسية على أنها نتيجة السحر أو الحسد، ومنها:
التقاليد والموروث الثقافي
منذ القدم، يؤمن العديد من المغاربة بأن هناك “عيونًا حاسدة” و”أعمالًا سحرية” يمكن أن تسبب الأذى للإنسان، سواء في صحته، أو عمله، أو علاقاته الاجتماعية. هذه المعتقدات تنتقل من جيل إلى آخر، مما يجعل من الصعب تغييرها.
ضعف الوعي بالأمراض النفسية
قلة الوعي حول الاضطرابات النفسية تجعل الناس غير قادرين على فهم الاكتئاب أو القلق كأمراض طبية تحتاج إلى علاج نفسي أو دوائي. عندما يشعر الشخص بضيق مستمر، أو خوف غير مبرر، أو تعب نفسي، فإن أول تفسير يسمعه من محيطه هو أنه قد يكون “مسحورًا” أو “مصابًا بالمس”.
الخوف من وصمة المرض النفسي
في المجتمع المغربي، ما زال هناك خجل كبير من زيارة الطبيب النفسي. يفضل كثير من الناس إخفاء مشاكلهم النفسية خوفًا من أن يُنظر إليهم على أنهم “مجانين”. في المقابل، اللجوء إلى الرقية أو الحجامة يعتبر أمرًا طبيعيًا ومقبولًا اجتماعيًا.
انتشار الرقاة وممارسي الحجامة
في كل مدينة وقرية، يمكن أن تجد أشخاصًا يمارسون الرقية الشرعية أو الحجامة دون أي رقابة أو تأهيل طبي. يستغل بعضهم معاناة الناس لكسب المال، ويؤكدون لهم أن سبب مرضهم هو السحر أو “التابعة” بدلًا من توجيههم إلى الأطباء المختصين.
هل الرقية الشرعية والحجامة علاج حقيقي؟
الرقية الشرعية
من الناحية الدينية، الرقية الشرعية تتضمن قراءة آيات من القرآن الكريم وأدعية طلبًا للشفاء. الكثير من الناس يجدون فيها راحة نفسية، لكن لا يوجد دليل علمي على أنها تعالج الأمراض النفسية الحقيقية مثل الاكتئاب أو اضطراب القلق. في بعض الحالات، يمكن أن يكون التأثير الإيجابي للرقية ناتجًا عن الإيحاء، أي أن الشخص يشعر بالتحسن لأنه يصدق أن الرقية ستشفيه.
الحجامة
الحجامة تُعرف بأنها تقنية طبية قديمة تعتمد على إخراج الدم الفاسد من الجسم، ويعتقد البعض أنها تعالج الكثير من الأمراض. ورغم أن هناك دراسات تشير إلى بعض الفوائد الصحية للحجامة في تحسين الدورة الدموية، إلا أنها ليست علاجًا للأمراض النفسية، كما يروج لها البعض.
الطريق الصحيح للعلاج
إذا كان الشخص يعاني من ضيق نفسي، تعب مستمر، أفكار سلبية، أو أي أعراض أخرى للاضطرابات النفسية، فإن الحل ليس في الرقية أو الحجامة، بل في استشارة مختصين في علم النفس أو الطب النفسي. الطبيب النفسي هو الشخص المؤهل لتشخيص الحالة ووصف العلاج المناسب، سواء كان علاجًا نفسيًا عبر الجلسات الحوارية، أو علاجًا دوائيًا عند الضرورة.
كيف يمكن تغيير هذه العقلية؟ نشر الوعي: يجب أن يكون هناك حملات توعوية حول أهمية الصحة النفسية ودور العلاج النفسي في تحسين حياة الإنسان. كسر الوصمة: من الضروري تشجيع الناس على التحدث عن مشاكلهم النفسية دون خوف أو خجل. مراقبة الرقاة والحجامين: يجب أن تكون هناك قوانين تنظم هذه الممارسات لمنع الاستغلال. خاتمة
الأمراض النفسية حقيقية وليست سحرًا أو مسًّا، والبحث عن العلاج يجب أن يكون في المكان الصحيح. المغرب يحتاج إلى وعي أكبر بأهمية الطب النفسي، لأن الحل ليس في الرقية وحدها أو في الحجامة، بل في فهم المرض النفسي وعلاجه بطريقة علمية وصحيحة.
التعليقات مغلقة.