الصمت المطبق: مأساة ضحايا التنمر الإلكتروني في المغرب
بقلم الأستاذ محمد عيدني
يشهد المغرب، كغيره من دول العالم، انتشاراً متزايداً لظاهرة التنمر الإلكتروني، تلك الآفة التي تُخلف جراحاً نفسية عميقة.
نفوس ضحاياها، وتُلقي بظلالها القاتمة على المجتمع ككل. ولكن، ما يثير القلق أكثر هو الصمت المطبق الذي يلفّ هذه المشكلة، صمتٌ يتشارك فيه الضحايا الذين يخشون التبليغ، وأولياء الأمور الذين يجهلون كيفية التعامل معها، وحتى الجهات المعنية التي تبدو جهودها مبعثرة وغير مُنسّقة.
تتجلى خطورة التنمر الإلكتروني في تنوع أساليبه وسهولة انتشاره عبر منصات التواصل الاجتماعي. فهو يتجاوز حدود الزمان والمكان، ليُطارِد ضحيته في كل لحظة، مُترجماً الكلمات المؤذية إلى سيل من الرسائل المهينة، والصور المُهينة، والتعليقات السلبية التي تُساهم في هدم ثقته بنفسه وتدمير صورته الذاتية. وتتراوح هذه الأفعال من الشتائم البسيطة إلى التهديدات الخطيرة، بل وإلى التحرش الجنسي الذي يُشكّل جريمة بحدّ ذاته.
يُعاني ضحايا التنمر الإلكتروني من آثار نفسية جسيمة، تتراوح بين الاكتئاب والقلق وانعدام الثقة بالنفس، ووصولاً إلى أفكار انتحارية في حالات شديدة. وغالباً ما يجد الضحايا أنفسهم عاجزين عن مواجهة هذه المشكلة والتصدي للمُتنمّرين بسبب خوفهم من التصعيد، أو جهلهم بالطرق الفعالة للتبليغ والحصول على الدعم.
لكنّ المسؤولية لا تقع على عاتق الضحية وحدها، بل تتشارك فيها أسرة الضحية التي يجب أن تلعب دوراً رئيسياً في توفير بيئة داعمة لطفلها والتواصل معه بشكل فعال، وإرشاده إلى كيفية الاستخدام الآمن للتكنولوجيا. كما يتحمل المؤسسات التعليمية جزءاً كبيراً من المسؤولية، من خلال توعية التلاميذ وإدراج برامج تثقيفية في المناهج التربوية تُعرف بآليات التنمر الإلكتروني وكيفية الوقاية منه.
على صعيد السلطات المعنية، لا يُمكن تجاهل دور القانون في معاقبة المُتنمّرين وتوفير الحماية اللازمة لضحاياهم. يُلاحظ أن القوانين الموجودة في المغرب لا تُعالج هذه الظاهرة بشكل شامل ووافي، وهو ما يُعزّز شعور الضحايا بالضعف والعجز عن التبليغ. لذا فإن إعادة النظر في هذه القوانين وإصدار تشريعات أكثر صرامة يُعدّ أمراً ضرورياً لردع المُتنمّرين وتوفير الحماية لضحاياهم.
إنّ مواجهة ظاهرة التنمر الإلكتروني تتطلب تضافراً جهوداً متعددة الأطراف، ابتداءً من الأسرة والمدرسة، وانتهاءً بالسلطات المعنية. فالصمت الذي يُحيط بهذه المشكلة يُزيد من خطورتها ويُعزز دائرة الضحايا، فيما يُمكن للتعاون والتنسيق أن يُغيّر المعادلة، وأن يُوفّر لضحايا التنمر الإلكتروني الأمل في مستقبل أكثر أمناً
التعليقات مغلقة.