أول جريدة إلكترونية مغربية تتجدد على مدار الساعة

الفوضى وراء الأبواب المغلقة أزمة الشقق المفروشة في الحسيمة

نورا. ب

لم تعد مدينة الحسيمة تستقبل زوارها بعبق بحرها الهادئ أو نسائم جبال الريف العليلة، بل أصبح أول ما يطرق سمع الزائر هو ذلك الطنين المستمر للمفاتيح، خشخشتها، وطقطقتها. هذه الأصوات، التي لا تصدر عن نزلاء دائمين أو مقيمين، باتت رمزًا لفوضى عارمة تتخلل سوق الشقق المفروشة في المدينة، معلنة عن واقع تسوده الفوضى والعبث الأخلاقي.

لقد تحولت الحسيمة إلى سوق عشوائي لتأجير الشقق، حيث يتنقل السماسرة بحرية تامة في الأزقة والشوارع، حاملين مفاتيح تفتح أبوابًا تُغلق خلفها القيم والأخلاق. تُؤجّر هذه الشقق يوميًا، وتُفتح وتُغلق على مدار الساعة دون أي رقابة حقيقية أو تسجيل رسمي للنزلاء. وفي كثير من الأحيان، لا يُطلب من المستأجرين سوى بطاقة هوية واحدة، إن وجدت. ومع حلول الليل، تتكشف فصول أخرى من هذه الحكاية، حيث تظهر وجوه لم تُسجل أسماؤها أصلًا، لتتحول بعض هذه الشقق إلى بؤر لأنشطة مشبوهة بعيدًا عن أي مساءلة.

 

واقع لا يطاق: العبث في قلب المدينة
تنتشر ظاهرة سماسرة الشقق المفروشة بشكل لافت في مناطق حيوية مثل “كارابونيتا” وشارعي محمد الخامس وعبد الكريم الخطابي. ورغم الجهود المشكورة للمجلس البلدي في إزالة الإعلانات الورقية العشوائية التي تشوه إشارات المرور والجدران، إلا أن هذه الخطوات لم تعالج جوهر المشكلة. فغياب الرقابة والمساءلة عن هوية الوافدين، بالإضافة إلى غياب أي تقنين لهذه السوق، جعل من الحسيمة وجهة مفضلة لمن يبحث عن تجاوز القانون. طالما أن “الزبون” لا يعارض السعر، فكل شيء يصبح مباحًا.

من المفارقات أن أسعار بعض هذه الشقق تتجاوز 700 أو حتى 800 درهم لليلة الواحدة، وهو ما يفوق عروض المنصات العالمية مثل “Booking” و”Airbnb”، دون أن يقابل ذلك أي جودة في الخدمة أو التزام بالضرائب. في المقابل، تلتزم الفنادق بالمعايير القانونية، وتطلب بطاقات الهوية وعقود الزواج، وتُصرح بمداخيلها للجهات الرسمية. أما هذه الشقق، فتعمل في الظل، دون تسجيل أو التزام، لتتحول بعضها إلى أوكار للدعارة والفساد، وملاذات لممارسات غير قانونية، خاصة في ضواحي المدينة حيث تنعدم الرقابة الأمنية والإدارية.

 

حوادث مأساوية وإنذار بالخطر
للأسف، لا تتحرك السلطات في أغلب الأحيان إلا بعد وقوع جريمة أو حادث طارئ. ولقد شهدت الحسيمة في السابق حوادث مؤلمة تؤكد مدى خطورة هذا التسيب:

  • وفاة شخص داخل شقة مفروشة وسط المدينة في ظروف غامضة.
  • وفاة سيدة في حي سيدي عابد بسبب تسرب الغاز.
  • حكم قضائي صادر عن محكمة الاستئناف بالحسيمة، ألزم مالك شقة بدفع تعويض قدره 10 ملايين سنتيم لزوج الضحية في إحدى هذه الحوادث.

ورغم هذه الوقائع المأساوية، لم تُتخذ خطوات جادة نحو إصلاح جذري يضع حدًا لهذه الفوضى.

الحسيمة تستحق الأفضل
إن الحسيمة مدينة ذات طابع محافظ، تتميز بعمق تاريخي وهوية ثقافية أصيلة. لا تستحق أن تُختزل في مسرح للعبث أو ساحة للربح السريع بلا ضمير. لقد حان الوقت لتفعيل رقابة صارمة، وتقنين شامل لسوق الشقق المفروشة، ومحاسبة كل من يساهم في هذا التسيب الذي يهدد أمن وسلامة وسمعة المدينة. السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: من سيوقف هذه الفوضى وهذا العبث الذي يفتك بالحسيمة؟

التعليقات مغلقة.