في زمنٍ أصبحت فيه القسوة قوة والأنانية دهاء. يجد الإنسان الطيب نفسه غريبًا في محيط لا يفهم سوى لغة المصالح والاستغلال. يتعامل بلين، يبتسم بلطف، ويتسامح بنية بيضاء. لكنه يصطدم مرارًا بجدار من التجاهل وقلة التقدير. كثيرًا ما يتحول هذا اللطف إلى عبئ على كرامته. وكأن طيبته أصبحت سببًا في تلاشي احترام الآخرين له.
الناس لا يرون نيتك الصافية، بل يرون مدى استعدادك للتنازل. فإذا وجدوك تتغاضى عن الإهانة مرة، وتبتسم أمام التقليل من شأنك مرة أخرى، وتتنازل عن حقوقك تحت اسم الاحترام. بدؤوا في تصنيفك ضمن من لا قيمة لهم. لا لأنك فعلاً كذلك، ولكن لأنك لم تضع حدودًا واضحة تحمي بها نفسك.
الطيبة التي لا تتوازن مع الحزم، تتحول مع مرور الوقت لاستسلام. ومن يستسلم طوعًا، لا يُهاب ولا يُحترم.
تكرار الظرافة قد يجعل البعض يرونك مجرد وسيلة لإرضائهم، لا إنسانًا ذا شخصية مستقلة. فالشخص الذي يضحك دائمًا ويتجنب المواجهة ولا يرفع صوته في الحق، غالبًا ما يتم فهمه على أنه شخص ضعيف. هذا الحكم ليس عدلاً، لكنه واقع في مجتمعات لا تفرّق بين اللين والضعف، ولا بين الأدب والمهانة.
الكرامة لا يتم طلبها بالصوت العالي، ولا بالعدوانية. بل يتم فرضها من خلال هيبة الروح وقوة الشخصية.
الطيب الحقيقي هو من يعرف متى يبتسم ومتى يعبس، متى يسامح ومتى يقول كفى، متى يمنح ومتى يمنع.
من لا يعرف كيف يغضب بذكاء، لن يتم احترامه حتى في لحظات لطفه. والإنسان الذي لا يضع حدودًا، لا يلوم الآخرين إن اعتدوا عليه، فالدنيا لا ترحم من لا يحمي نفسه.
الطيبة شيء جميل، ولكن الأجمل منها أن تقترن بالكرامة. فلا تدع أحدًا يجعلك تشعر أن لطفك عيب. لكن لا تسمح بأن تُداس من أجل نيل وصف المتسامح. ليس من العيب أن تكون طيبًا، لكن العيب أن تخسر نفسك في سبيل أن تُرضي الجميع.
الناس لا تحترم من يكون متاحًا دائمًا. ولا تهاب من يبرر إساءتهم باسم التسامح. ولا تعطي قيمة لمن لا يعطي لنفسه قيمة.
كن طيبًا ولكن على طريقتك، لا على طريقة من يريدون منك أن تبقى دائمًا في الصفوف الخلفية، باسم الأدب والحياء. فحتى الوردة إن لم يتم سقيها حمايتها، ستذبل وتُداس دون اكتراث أحمد بها.
التعليقات مغلقة.