الرباط : مصطفى منيغ
اكتشفتُ أن الفندق مخصَّص لشخصيات عسكرية ومدنية مشاركة بطريقة أو أخري في إنجاح ملحمة المسيرة الخضراء، بإضافة بعض وفود الدول الشقيقة والصديقة التي حضرت لدعم المغرب في قراره التاريخي المعبّر عن إرادته في تحرير أقاليمه الصحراوية من الاحتلال الإسباني، بأسلوب سلميّ أثار ما جعل المغرب عنواناً أولاً، في وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب عبر أقطار العالمُ ، تضمَّنت مقالاته بلغات متعددة، إعجاباً وتضامناً مُطلقاً لمُحِبِّي الحقّ حينما يُستَرجَعُ بالحقّ، وأيضاً تعاليق مشوبة بالترقّب ممّا ستتخذه اسبانيا المعنية الأقرب بالموضوع من رَدّ فعل. في لحظة كنتُ و”الشيخ المكي الناصري”، المقيم في غرفة بجواري، نسترجع ذكريات الماضي حينما تقابلنا في مدينة “القصر الكبير” أثناء زيارة قام بها لتفقد فرع حزبه “الوحدة والاستقلال” الذي كان من رواده ساعتها صديقي وأستاذي “العياشي الحمدوني”، الحزب الذي مَثَّل صحبة حزب الشُّورَى والاستقلال، المنافس الأمثل والمزاحم السياسي الأقوى لحزب الاستقلال، خلال مرحلة بناء الدولة المغربية مباشرة بعد استقلالها، وقبلها بقليل أعوام، اندثر الأوَّل وعمَّر الثاني إلى يومنا هذا، بينما نحن في مثل النّقاش وإن أبعدنا عمَّا نعيشه بكل ما نملك من مشاعر الرجاء لتمرّ أجواء المسيرة لضفة النصر المتكامل الهدف في تحقيق المراد بعودة تلك البقعة الصحراوية لأحضان أصلها المغربي دون مواجهة أحد وبخاصة الإسبان. اقترب منا رئيس الوفد الأردني، رجل مُسن من أسرة العاهل الأردني، موجهاً لي سؤالاً يتعلق بالمسيرة والصحراء الموجهة لها تلك المسيرة، أجبته بأدبٍ جمٍّ: – ولما لا توجه سؤالك لشيخنا الأستاذ المكي الناصري الذي باستطاعته أن يفيدكَ في الموضوع أزيد مني بكثير. ابتسم وهو يجلس بجانبي قائلا:
– هندامكَ هو السبب، أجل هندامك الذي لم تغيِّره من مدة كما يبدو، إمّا أنكَ لا تملك غيره، أو داهمكَ الوقت حتى نسيتَ نفسكَ لتغدو بمثل المنظر، أم من سفرٍ طويل وصلتَ هنا مباشرة، وكلها أشياء أثارت فضولي لأسألك…
قاطعته بطريقة مهذبة ، حتى أرضيه ما أمكن فيسمح لي بردٍ مهما كان فحواه مفعم سيبقى بالصِّدق والصراحة وطيب خاطر.
– من العاصمة الجزائرية جئتُ مُطارَداَ من طرف رئيس نظامها المانع المغاربة في تلك الديار من تلبية نداء ملكم المشاركة في مسيرة، ابتدعها يخلّد بها ذكراه كمحرر للصحراء بالإضافة للقب باني المغرب الحديث، لم انتبه لحالي لانشغالي المطلق بالحدث العظيم الذي سيمكنني والملايين المغربية الافتخار بالمشاركة المباشرة أو غير المباشرة فيما سيجعل المغرب ملكاً وأمة ودولة قادراً، للحصول على حقه المشروع متى عزم وقرَّر ونظم ولبَّى نداء لحظة الحسم المبين، المُنطلق من عبقرية ملك سيذكره التاريخ من بين زعماء العالم الذين حققوا لشعوبهم المجد والرّفعة والسؤدد، لا يهم هندامي أكان من حرير أبيض نقي لامعٍ أو من ثَوْبٍ خَشٍّ خَشِنٍ وسخ أقرب لونه للسواد، المهم أنني هنا في الوقت المناسب لأشارك بالوسيلة المناسبة ولو أدى الأمر لتلقى صدري أول رصاصة يطلقها المحتل الاسباني إن بلغ به التهوّر حد الجنون. وإن فرض عليّ الواجب أن أشكرك، سأفعل ذلك ليس لاعتنائك أو اهتمامك بمنظري، ولكن لمشاركتك بقية الوفود في هذا الموقف العظيم، الذي رغم انشغال الجميع بالمسير ودوماً إلى الأمام لكسر حاجز الحدود المصطنعة، سنحافظ للأقصى ليظلّ هندامكم جميعاً ناصع النظافة بمحلول افتخار رائحته الزكية يذكركم بالموقف الشجاع النبيل الذي وقفتموه مع المغرب وهو لا ينسى مسانديه بالحق ما دام على حق.
… من بعيدٍ لمحتُ أحد الأشخاص يشير برغبته في اللحاق به إلى خارج الفندق، سلّمت على الاستاذ الشيخ المكي الناصري بما يستحق من توقير ، والضيف الأردني الكبير السن والرتبة ، الذي قبل الانسحاب منحني بطاقة تحمل أرقاماً هاتفية وعنواناً في العاصمة “عمَّان”، طالباً منّي زيارته في “الأردن” قريباً ليحظى بشرف استقبالي هناك . وجدتُ الشّخص يطلب مني ركوب سيارة لننطلق نحو “أكادير” ، لم اسأله عن الوجهة المقصودة ليقيني أنه من أعوان الوزير البصري، إلى أن وصلنا متجراً متخصّصاً في بيع الألبسة الجاهزة، بالداخل طلب مني الشخص أن اختار بذلتين اثنتين بما يلزمهما من ألبسة داخلية وقميصين وحذاءين، لم أناقش بل توجهتُ لأنتقي ما يناسبني من المُحَدَّد، في طريق العودة طلب مني ملازمة غرفتي حيث سأتناول العشاء مع ضيف مهم لم يطلعني على اسمه، فأظهرت له استعدادي وبكل سرور. … مع نفسي كما أناقشها كلما أحست أن أمراً ليس عاديا سيحدث ، قد يصيب ما أتمناه أو يخيّب ظني، ليس اللباس الذي وصلني مطابقاً لحد ما، مع الحديث الدائر بيني من وقت قصير مع رئيس الوفد الأردني، وارد أن يكون طَرقَ مسامع مراقبين مكلفين بالإنصات ثم التحليل الجدّي المعمّق حتى لزقزقات العصافير بين أشجار البرتقال المنتشرة حول بركة مكان رَاقٍ الرَّاسي فوقه من بناء غرف عالية الدقة في تنسيقها الملتصق مع الطبيعة التي تحتضنه عبر مساحة فضفاضة ، داخل فندق رواده ضباط من القوات الجوية الملكية، وشخصيات رسمية على قدر سامي من الأهمية الوظيفية التنفيذية، وأخري لها وزنها الاجتماعي، والعبد لله الإنسان المتواضع مثلي اسمه مصطفى منيغ. وأنا استرجع تلك الأيام انطلاقا من أمكنة معينة داخل أرض الوطن، تيقّنتُ أن المغرب دولة أرادها الملك الحسن الثاني أن تكون منظمة أيام الشدائد كأيام الرخاء لا فرق، بمعنى أن لا تُترَك أي صغيرة لصِغَرٍها هائمة دون تحديد موقعها وما ترمي بوجودها الوصول إليه مشروعاً من حقها أو ليس مشروعا، لم تكن المسيرة بحجم القائمين على متابعة تنفيذها على الأرض شبراً شبراً، بما تتطلبه من امكانات أولها حاجيات 360.000 نسمة من أكل وشرب وتلقين معلومات وأمن، لم تكن في حاجة ساعة الانطلاق كلحظة توقف، إلى إعادة النظر أو معالجة نقص فارض لخلل ما، بل كل في موقف مسؤوليته تصرَّف كبطل وزعيم، كأن أمر نجاح تلك المسيرة نجاحاً مُستحقاً ألفا في المائة يخصه لوحده، وتلك شيمة المخلصين لوطنهم مهما كان حجمهم الوظيفي من وزير إلى غفير، أومن لواء لمجرد مجنَّد للأمام عازم تنفيذ الأوامر دون التفات للوراء. (يتبع)
التعليقات مغلقة.