المغرب يستضيف مركز بيانات عملاق للذكاء الاصطناعي: بوابة نافير الاستراتيجية لأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا
فكري بوكلاطة
أصوات من الرباط
في خطوة تاريخية تعزز مكانة المغرب كمركز رقمي إقليمي، أعلنت مجموعة من عمالقة التكنولوجيا العالميين عن خطط لإنشاء مركز بيانات ضخم للذكاء الاصطناعي في المملكة. يضم هذا التحالف الاستراتيجي شركة التكنولوجيا الكورية الجنوبية “نافير” (Naver)، وشركة “إنفيديا” (Nvidia) الأمريكية الرائدة في وحدات معالجة الرسوميات، وشركة “نيكسوس كور سيستمز” (Nexus Core Systems) المتخصصة في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، وشركة الاستثمار الدولية “لويدز كابيتال” (Lloyds Capital)، بالإضافة إلى الشريك المغربي “طاقة المغرب” (Taqa Morocco) الذي سيوفر الطاقة المتجددة اللازمة لتشغيل هذا المرفق الحيوي.
يهدف المشروع إلى بناء مركز بيانات بسعة إجمالية مخططة تبلغ 500 ميجاوات (MW)، وسيتم تشغيله بالكامل بالطاقة المتجددة. من المقرر أن تبدأ المرحلة الأولى من البناء في الربع الأخير من عام 2025، وستتضمن منشأة بقدرة 40 ميجاوات مجهزة بأحدث وحدات معالجة الرسوميات Blackwell GPUs من Nvidia، ومن المتوقع الانتهاء منها بحلول نهاية العام نفسه.
الذكاء الاصطناعي السيادي: استراتيجية نافير العالمية
تُعد هذه المبادرة جزءاً محورياً من استراتيجية نافير العالمية لتوسيع بصمتها التجارية خارج آسيا والشرق الأوسط، بهدف ترسيخ مكانتها كبديل لعمالقة التكنولوجيا الأمريكية في سوق الخدمات السحابية والذكاء الاصطناعي. يركز المشروع على مفهوم “الذكاء الاصطناعي السيادي”، والذي يعني أنظمة ذكاء اصطناعي مستقلة تُدار من قبل دول أو مناطق دون الاعتماد الكبير على التكنولوجيا أو الإشراف من مزودين أجانب.
يُعد هذا التوجه حاسماً للأسواق الأوروبية التي تفرض متطلبات صارمة لسيادة البيانات، مثل اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR)، والتي لا يستطيع العديد من مزودي الخدمات السحابية الأمريكيين الامتثال لها بالكامل بسبب قانون السحابة الأمريكي (U.S. Cloud Act). من خلال ضمان بقاء جميع عمليات تخزين البيانات ومعالجتها وإدارتها ضمن الولاية القضائية المغربية، تهدف نافير إلى تلبية هذه المتطلبات المتزايدة للتحكم في البيانات والاستقلال الرقمي.
المغرب: موقع استراتيجي وبيئة خضراء
لعبت المزايا الجغرافية للمغرب دوراً حاسماً في اختيار الموقع، حيث يقع على بعد 15 كيلومتراً فقط من أوروبا ويتصل بها مباشرة عبر كابلات الألياف البصرية البحرية المتعددة، مما يضمن زمن استجابة منخفض وأماناً محسّناً للتدفق الرقمي. بالإضافة إلى ذلك، يوفر المغرب بيئة داعمة للأعمال، تتميز بعقارات فعالة من حيث التكلفة ومناخ ضريبي مواتٍ، وقد عززت الحكومة هذه البيئة من خلال سياسات تهدف إلى ترسيخ مكانة البلاد كمركز رقمي إقليمي.
يُعد التزام المغرب بالطاقة المتجددة عاملاً جذاباً آخر، حيث تهدف البلاد إلى تأمين 52% من احتياجاتها الكهربائية من مصادر متجددة بحلول عام 2030، وتسعى لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2025 هذا التوجه نحو الطاقة الخضراء يتوافق تماماً مع المتطلبات الهائلة لمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي كثيفة الاستهلاك للطاقة.
الآثار الاقتصادية والبيئية
من المتوقع أن يحقق هذا الاستثمار الأجنبي الكبير نمواً اقتصادياً ملحوظاً في المغرب، من خلال خلق فرص عمل مؤهلة وتعزيز الابتكار المحلي، مما يتماشى مع رؤية “المغرب الرقمي 2030”. ومع ذلك، تثير مراكز البيانات مخاوف بيئية، لا سيما فيما يتعلق باستهلاك المياه، خاصة في بلد يعاني من الإجهاد المائي. فبينما يلتزم المشروع بالطاقة المتجددة بنسبة 100%، فإن النقاش العام في المغرب قد أبرز أن مركز بيانات واحداً يمكن أن يستهلك كمية من المياه تعادل استهلاك أكثر من 57000 شخص سنوياً، مما يستدعي تخطيطاً دقيقاً لضمان الاستدامة البيئية والاجتماعية على المدى الطويل.
يمثل هذا المشروع علامة فارقة في مسيرة المغرب نحو أن يصبح لاعباً رئيسياً في الاقتصاد الرقمي العالمي، مع التركيز على الابتكار التكنولوجي والسيادة الرقمية والاستدامة البيئية.
التعليقات مغلقة.