تعيش السياسة الإيرانية على وقع وقع مرحلة إعادة تموضع دقيقة في المنطقة، خاصة في العلاقة مع جماعة الحوثي في “اليمن”. في ظل تصاعد الضغوط الغربية وتقدم مسار المفاوضات غير المباشرة حول الملف النووي. فقد بات واضحاً أن “طهران” اختارت أن تترك لحلفائها هامشاً واسعاً من البراغماتية في اتخاذ القرار. مع الإبقاء على خطوط النفوذ مفتوحة دون تدخل مباشر في تفاصيل كل خطوة.
هذا التحول لا يعني تخلي “إيران” عن حلفائها. بل هو محاولة لإعادة صياغة العلاقة بما يضمن استمرارهم كقوى سياسية فاعلة في بلدانهم. وفي الوقت نفسه يتيح ل”طهران” التقدم في مسار التفاوض مع الغرب دون أن أن يتم اتهامها بتأجيج الصراعات أو تعطيل المبادرات الدولية.
تسوية البحر الأحمر: نموذج للبراغماتية الإيرانية
أبرز مثال على هذا النهج الجديد الذي تعتمده “إيران” هو التسوية التي أوقفت الهجمات المتبادلة بين “القوات الأميركية” و”الحوثيين” في “البحر الأحمر” و”اليمن”.
لم تكن هاته الخطوة لتتم دون توافر إرادة إيرانية واضحة في التهدئة. وذلك بهدف بناء الثقة مع واشنطن وتسهيل مسار التفاوض النووي. في الوقت ذاته، حافظت “إيران” على خطابها الداعم “للحوثيين”. لكنها منحتهم حرية المناورة لعقد صفقات أو تسويات تضمن لهم البقاء في المعادلة السياسية.
هذا الهامش البراغماتي سمح “للحوثيين” بتغليب منطق الدولة على منطق الجماعة. وهو ما أتاح لهم الحصول على موقع تفاوضي قوي في أي حوار مستقبلي حول مستقبل “اليمن” أو النظام الإقليمي الأوسع.
في المقابل، ظل الحليف اللبناني ل”إيران” أسير خطاب إيديولوجي يصعب معه التكيف مع متطلبات المرحلة، خاصة بعد الضربات الإسرائيلية الأخيرة.
الفصل بين الملفات: استراتيجية إيرانية لتقليل المخاطر
تعتمد “إيران”، اليوم، على مبدأ الفصل بين الملفات. بحيث لا يتم استخدام تسوياتها مع الغرب كورقة ضغط مباشرة على حلفائها في الإقليم.
هذا الفصل يمنح “طهران” مرونة أكبر في التفاوض. ويعطي حلفاءها فرصة للبحث عن حلول محلية أو إقليمية تضمن لهم الاستمرار.
في الوقت نفسه، تواصل “إيران” التأكيد على أن المجتمع الدولي يجب أن يتحاور مع هذه الجماعات بشكل مباشر. وألا يختزل الحلول في تفاهمات مع “طهران” وحدها.
تحديات مستقبلية: بين البراغماتية والجمود
رغم نجاح النهج البراغماتي في “اليمن”، إلا أن تعميمه على باقي الحلفاء لا يبدو سهلاً. خاصة في ظل تعقيدات المشهد اللبناني والعراقي.
فقدرة “إيران” على الحفاظ على نفوذها الإقليمي ستظل مرهونة بمدى استعداد حلفائها لتبني سياسات أكثر مرونة. وبمدى قدرة “طهران” على الموازنة بين متطلبات التفاوض ومصالحها الاستراتيجية في المنطقة.
في النهاية، يُظهر هذا التحول أن “إيران” تسعى لإعادة تعريف دورها الإقليمي بما يتناسب مع متغيرات المرحلة، دون التفريط بأوراقها. لكنها تدرك أن نجاح هذه الاستراتيجية يتطلب من حلفائها قدراً أكبر من البراغماتية والقدرة على التكيف مع الواقع الجديد.
التعليقات مغلقة.